إثيوبيا تعمل من أجل نظام سلمي في القرن الإفريقي
أسهمت العمليات التي قامت بها الحكومة الاتحادية الإثيوبية في تحرير شعب تيغراي من عقود من الحكم السيئ الذي كانت تمارسه «جبهة تحرير شعب تيغراي». وهذا ما ولد آمالاً جديدة، ولكن مخاوف أيضاً، بشأن مستقبل إثيوبيا ودورها في القرن الإفريقي وما وراءه.
وبرزت الآمال من إزالة حكم «جبهة تحرير شعب تيغراي» الفاسد والمستبد. وتستطيع إثيوبيا الآن تخيلها مستقبلاً لا يعتمد فقط على التعصب العرقي، وإنما على الوحدة، والمساواة، والحرية والديمقراطية. وإضافة إلى ذلك، فإن مصدر الانقسام العرقي الذي كان يعمل على تسميم العلاقات داخل الدولة، وعبر القرن الإفريقي تم التغلب عليه الآن.
ولكني لا أستطيع إنكار أن إزالة هذه الجبهة قد أجج التوتر في المجتمع الدولي، كما أن المخاوف بشأن التنميط العرقي في تيغراي، والعقبات أمام الإغاثة الإنسانية كبيرة جداً. واستناداً إلى ما كان يقوله الرئيس الأميركي الثالث، توماس جيفرسون، عن «الاحترام لآراء البشر» يجعلني ذلك أفسر السبب الذي دفع الحكومة إلى العمل من أجل استعادة السلام إلى تيغراي، وكيف عملنا على تخفيف الآلام هناك، ولماذا ستعمل جهودنا، المدعومة من قبل المجتمع الدولي، على ما أتمنّى أن يكون استعادة السلام في تيغراي، لمصلحة جميع أفراد الشعب في بلدي، بمن فيهم شعب تيغراي والقرن الإفريقي بصورة عامة.
حماية إثيوبيا
وليس هناك أي حكومة في العالم يمكن أن تتحمل تعرض مدنييها الأبرياء، وجنودها للهجمات المباغتة والقتل بالعشرات، كما كان يحدث على يدي «جبهة تحرير تيغراي» في الخريف الماضي. وكان واجبي الرئيس كرئيس للحكومة، وكقائد عام للقوات المسلحة، في نهاية المطاف، هو حماية إثيوبيا، وشعبها من الأعداء الخارجيين والداخليين.
وكانت عملياتنا في تيغراي مرسومة من أجل استعادة السلام والنظام بأسرع وقت ممكن. ولقد نجحنا في ذلك، ولكن المعاناة والوفيات التي وقعت على الرغم من أننا بذلنا أقصى جهودنا لتجنب ذلك، سببت الكثير من الحزن لي شخصياً، إضافة إلى شعب إريتيريا المحب للسلام داخل الدولة وخارجها.
وفي الحقيقة فإن إنهاء المعاناة في تيغراي، وفي عموم أنحاء الدولة هو أهم الأولويات بالنسبة لي. ولهذا فإني أدعو الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة الدولية إلى العمل مع الحكومة حتى نتمكن معاً من تحقيق الإغاثة الفعالة لجميع التيغريين الذين يحتاجونها.
وفي الوقت ذاته فإننا نعمل ليلاً ونهاراً، لإرسال الإمدادات الأساسية لمواطنينا في تيغراي، وللمحتاجين في الأقاليم المجاورة، إضافة إلى ضمان احترام وتطبيق حقوق الإنسان واستعادة الحياة الطبيعية. وللنجاح في ذلك يجب تذليل الكثير من التحديات. وعلى سبيل المثال، إعادة توصيل خطوط الاتصال التي تم تدميرها بصورة متعمدة من قبل «جبهة تحرير تيغراي»، وهو أمر يعتبر اختباراً لقدرتنا على إرسال المساعدات الإنسانية. ويمكن أن يقدم لنا المجتمع الدولي الكثير من المساعدات في عمليات إعادة البناء التي نقوم بها.
وحكومتنا مستعدة أيضاً لمساعدة قادة المجتمعات في تيغراي، الذين كرسوا أنفسهم من أجل السلام، وفي الحقيقة فإننا نمد لهم يد العون من الآن.
وأدرك المجتمع الدولي ما الذي كانت تقوم به «جبهة تحرير تيغراي»، والعديد من أفرادها عملوا على إدانة العنف الذي يستند إلى الأعراق. وللأسف فإن آخرين كانوا مستعدين للتغاضي عن أعمال العنف والتعذيب، والإخفاء القسري، والقتل من دون محاكمة الذي كانت تقوم به الجبهة. ويُقال إن إثيوبيا دون «جبهة تحرير تيغراي»، ستواجه خطر الانقسام حسب حدود الأقاليم العرقية، كما حدث في يوغسلافيا في تسعينات القرن الماضي. وكان يضيف هذا الرأي أن انهيار إثيوبيا يبشر بانتشار الفوضى في القرن الإفريقي.
الحس السليم
ولكن الحس السليم يبلغنا أن النظام الذي يستند إلى الانقسام العرقي لا يمكن أن يستقيم، ولكن كما يقول البعض إن الحس السليم ليس هو الأصح دوماً، ومن حسن الطالع، فإن المجتمعات البشرية يمكن أن تتسامح مع العنف العرقي والعنصري، والديني لفترة طويلة.
وخلال السنوات الخمس التي سبقت انتخابي في أبريل 2018 كقائد لحزب الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الحاكمة آنذاك، كانت جبهة تحرير تيغراي في حينه تعتبر من أهم التحديات التي تواجه هذا الحزب. وكانت الجبهة ترد كعادتها بصورة وحشية. وعملت انتخابات عام 2018 على نقل الدولة إلى اتجاه جديد وشامل. ويعتبر هذا الحزب الذي أقوده الآن هو الأول في إثيوبيا، الذي لا يستند إلى العرق أو الدين أو السلالة.
وكانت سياسة «جبهة تحرير تيغراي» الإقليمية تجسد استراتيجية فرّق تسد. وعلى سبيل المثال تبنت الجبهة سياسة الإقصاء والنبذ إزاء إريتيريا، وشنت ضدها حروباً بالوكالة من أراضي دول مجاورة غير مستقرة، ما أدى إلى ترسيخ هشاشتها.
وستدافع إثيوبيا، الخالية من «جبهة تحرير تيغراي»، عن السلام والتنمية الشاملة. وعلى الصعيد الداخلي، ستعتمد «إثيوبيا الجديدة» على المساواة بين جميع المجموعات المكونة لها، بما فيها الشعب الذي يعاني في تيغراي. وأما على الصعيد الخارجي، فإننا سنعمل بصورة تنطوي على الاعتراف بأن مصالحنا الوطنية مرتبطة بصورة وثيقة مع مصالح جيراننا.
لا خوف من شبح الحرب
وتعتبر اتفاقية السلام التي تم توقيعها مع إريتيريا عام 2018، مثالاً حياً على ما يمكن أن تقوم به إثيوبيا ومستعدة للقيام به أيضاً. وعملت هذه الاتفاقية على حل معضلة عنيفة استمرت لمدة عقدين من الزمن، وسمحت لإعادة اندماج إريتيريا في القرن الإفريقي، والمجتمع الدولي. والأكثر أهمية أن مواطنيها الذين يعيشون على طول الحدود بين الدولتين، يمكنهم الآن العيش دون الخوف من شبح الحرب المستمر الذي كان يخيم فوق رؤوسهم.
وعملت حكومتي على إعادة تحسين علاقاتها مع الدول المجاورة لها. وإثر الأزمة السياسية في السودان عام 2019، لعبت إثيوبيا دوراً أساسياً في إبعاد السودان عن الحرب الأهلية، وساعدت على تشكيل حكومة انتقالية بتمثيل من المدنيين والعسكريين. وبصورة مماثلة يعتبر دور إثيوبيا محورياً في استقرار الصومال، كما أن جهودنا الرامية إلى استقرار جنوب السودان متواصلة.
وتستند سياسة إثيوبيا الخارجية الآن على الاعتقاد بأن الاندماج الإقليمي يعود بالفائدة على الجميع. وجهودنا لتفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية تُعد جزءاً أساسياً من فهمنا لهذه السياسة.
والأمر الأكثر تجسيداً لسياستنا هو أننا قمنا بتدشين طريق خارجية تربط أديس أبابا بممر نيروبي مومباسا، وهو مشروع يعمل على إزالة الحواجز بين الدول لتسهيل التجارة بين كينيا وإثيوبيا. وبصورة مشابهة يتم إصلاح الطريق بين أديس أبابا الى ميناء أصاب في إريتيريا، وتطويره باعتباره شريان تصدير للتجارة الدولية.
وإضافة إلى ذلك، وبالشراكة مع القطاع الخاص، يتم التخطيط لطرق سريعة تهدف إلى ربط إثيوبيا بميناءي جيبوتي وعصب، (لاستبدال الطريق القديمة التي يتم إصلاحها الآن)، والتي سيتم ربطها بجوبا عاصمة جنوب السودان، حيث تزود تلك الدولة المعدمة، والتي لا تملك منفذاً على البحار، بمنافذ تجارية قابلة للحياة. ويجري الآن تطوير مشروعات مشتركة في الموانئ، والخدمات اللوجستية، والمجمعات الصناعية، واستخراج البوتاسيوم. وأتمنّى من أعماق قلبي أن يفوز سد النهضة الإثيوبي العظيم بدعم جميع جيراننا عندما ينتهي العمل منه، وأن يقدّم فرصاً غير مسبوقة للجميع في شرق إفريقيا.
ويمكن لإثيوبيا في حالة السلم وبقيادة حكومة ملتزمة بالمعايير الإنسانية، أن تلعب دوراً بناء في شتى أنحاء القرن الإفريقي وما وراءه، ونحن مصممون على العمل مع جيراننا والمجتمع الدولي للوفاء بوعودنا.
• تعتبر اتفاقية السلام التي تم توقيعها مع إريتيريا عام 2018، مثالاً حياً على ما يمكن أن تقوم به إثيوبيا ومستعدة للقيام به أيضاً.
• كانت عملياتنا في تيغراي مرسومة من أجل استعادة السلام والنظام بأسرع وقت ممكن. ولقد نجحنا في ذلك، ولكن المعاناة والوفيات التي وقعت على الرغم من أننا بذلنا أقصى جهودنا لتجنب ذلك، سببت الكثير من الحزن لي شخصياً، إضافة إلى شعب إريتيريا المحب للسلام داخل الدولة وخارجها.
آبي أحمد - رئيس حكومة إثيوبيا