نجيب ميقاتي أحد أكبر أثرياء لبنان يعود إلى سدّة رئاسة الحكومة
نجيب ميقاتي - الذي كُلف، أول من أمس، تشكيل حكومة جديدة - هو ملياردير لبناني من كبار أثرياء العالم، دخل الحياة السياسية قبل نحو 25 عاماً، ويُعد جزءاً من الطبقة السياسية المتهمة بالفساد التي يطالب كثيرون برحيلها.
في حال نجاحه بتشكيل حكومة، تنتظر ميقاتي (65 عاماً)، النائب الذي سبق أن ترأس حكومتين، مهمة صعبة، إذ سيكون عليه اتخاذ خطوات سريعة وموجعة للحدّ من الانهيار الاقتصادي المتمادي، الذي صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم، منذ منتصف القرن الـ19.
لا يحظى ميقاتي بحاضنة شعبية واسعة حتى في مسقط رأسه مدينة طرابلس شمالاً، التي صنفتها الأمم المتحدة الأفقر على الساحل الشرقي للمتوسط، إلا أنه عادة ما يتم تداول اسمه مرشحاً توافقياً لرئاسة الحكومة، للخروج من الجمود الناتج من الخلافات السياسية على تقاسم الحصص.
ويُعرف عن ميقاتي، ذي القامة الطويلة والملامح الباردة، هدوؤه وابتعاده عن إطلاق التصريحات المستفزة، وهو رجل أعمال ناجح تقدر مجلة «فوربس» ثروته بـ2.7 مليار دولار، وقد صنفته واحداً من أغنى ستة رجال أعمال في الشرق الأوسط لعام 2021.
تُهم الفساد
يعود ميقاتي إلى سدة رئاسة الحكومة مرشحاً توافقياً إلى حدّ ما، رغم أنه جزء من الطبقة السياسية الحاكمة، التي خرجت تظاهرات شعبية واسعة تطالب بإسقاطها عام 2019. ويرد اسمه على قائمة المتهمين بالفساد، خصوصاً بعد ملاحقته قضائياً عام 2019 بتهم «الإثراء غير المشروع»، في عملية لم تؤدّ إلى نتيجة حتى الآن، ولطالما نفى تورطه فيها.
خلال مسيرته السياسية، التي بدأها عام 1998، شغل ميقاتي مناصب وزارية عدة، وتمّ تكليفه عام 2005 بتشكيل حكومة للمرة الأولى بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري. وأدى اغتياله حينها إلى انقسام سياسي حاد في البلاد، بين فريقين أحدهما معارض لسورية، ضمّ نجل الحريري سعد وحلفاءه، وفريق آخر موالٍ لسورية قاده «حزب الله».
ترأس ميقاتي حينها، لمدة ثلاثة أشهر، حكومة انتقالية من 14 وزيراً انحصرت مهمتها الأساسية في تنظيم انتخابات نيابية.
وفي عام 2011، شكّل ميقاتي حكومته الثانية خلفاً لسعد الحريري، الذي سقطت حكومته إثر استقالة وزراء يمثلون «حزب الله» وحلفاءه، واتُّهم ميقاتي في حينه بأنه «دمية» في يد «حزب الله»، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان.
وفي عام 2013، قدم ميقاتي استقالة حكومته، معللاً ذلك برفض الأكثرية في الحكومة تشكيل هيئة للإشراف على الانتخابات.
انتُخب نائباً في البرلمان للمرة الأولى عام 2000، وتولى وزارة الأشغال العامة والنقل بين 1998 و2004.
ويُعدّ ميقاتي من السياسيين اللبنانيين الذين حافظوا على علاقات جيدة مع دمشق، حتى إنه كان يعد أحد خصوم الحريري السياسيين على الساحة السنّية، قبل أن يتحالفا خلال العامين الآخرين تحت راية «نادي رؤساء الحكومات السابقين».
استثمارات وأعمال
لميقاتي مسيرة مهنية حافلة كرجل أعمال، أسّس مع شقيقه (طه) في الثمانينات شركة «انفستكوم» التي لها شبكة أعمال واسعة في عالم الاتصالات، في عدد كبير من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وأنشأ عام 2007 مجموعة «إم 1» التي تنشط في مجال الأعمال الاستثمارية المتنوعة، وتمتلك أسهماً في شركة «إم تي إن» العالمية، وتعمل في قطاع العقارات، والغاز والنفط، وغيرها، ويملك أيضاً مع شقيقه العلامة التجارية «فاسونابل» للألبسة الجاهزة.
في عام 2021، اشترت شركة «إم 1» فرع مجموعة الاتصالات النرويجية «تيلينور» في بورما، والشركة مدرجة على اللائحة السوداء لحركة «حملة بورما - بريطانيا»، التي تحصي الشركات الدولية المرتبطة بأعمال مع المجلس العسكري الحاكم، الذي وصل إلى الحكم إثر الإطاحة بحكومة مدنية.
وميقاتي، المولود عام 1955، حائز إجازة في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت، وتابع دراسات عليا بمعهد «انسياد» في فرنسا وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة.
لا عصا سحرية
وإثر لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون، قال ميقاتي في كلمة مقتضبة للصحافيين «أعرف أنها خطوة صعبة، لكني أدرس الموضوع منذ فترة، ولو لم يكن لدي الضمانات الخارجية المطلوبة، كما أنه حان الوقت ليكون أحدهم في طليعة هذا الموضوع للحد من النار، لما كنت أقدمت على هذا الأمر».
وأوضح: «لا أملك عصا سحرية وحدي، ولا أستطيع أن أقوم بالعجائب، فنحن بحالة صعبة»، مضيفاً «لكن المهمة ممكن أن تنجح إذا تضافرت جهودنا، من دون مناكفات أو مهاترات أو اتهامات، من لديه حل فليقدمه».
وبذلك يكون ميقاتي الشخصية الثالثة التي يكلفها عون بتشكيل حكومة، بعد استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من أغسطس 2020، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6500 بجروح.
ولم تنجح الضغوط الدولية على الطبقة السياسية، التي مارستها فرنسا خصوصاً، منذ الانفجار في تسريع ولادة حكومة، يشترط المجتمع الدولي أن تضم اختصاصيين وتقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي.
لا ضمانة
ومن المفترض أن يبدأ ميقاتي، الأسبوع الحالي، استشارات التأليف بلقاء الكتل النيابية في مقر البرلمان، وهي استشارات تسبق عادة المفاوضات الصعبة غير الرسمية بين الأحزاب السياسية.
ويقع على عاتق الحكومة المقبلة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية.
ونقلت تقارير إعلامية محلية أن ميقاتي حدد مهلة شهر فقط لتأليف الحكومة، بعدما طلب أن يحظى بدعم دولي وداخلي، خصوصاً من «حزب الله»، لإنجاز مهمة يدرك جيداً أنها لن تكون سهلة، خصوصاً أنه سيقع على عاتقه اتخاذ قرارات موجعة للحد من تدهور الوضع.
إلا أن صحيفة «الأخبار» المحلية حذرت من أن التوافق على ميقاتي لا يضمن تشكيل حكومة سريعاً، مشيرة إلى أنه ينوي الانطلاق في مشاوراته مع عون من النقطة التي توقف عندها الحريري، بينما «لا توجد مؤشرات على نية عون إدخال تعديلات جوهرية على موقفه من طريقة تشكيل الحكومة ومن برنامج عملها، ما يعني أنه لا توجد ضمانة بتوافر عناصر تشكيل الحكومة».
وشكل توزيع الحصص، وتمسك عون بتسمية الوزراء المسيحيين، عقبتان رئيستان اصطدمت بهما جهود الحريري خلال الأشهر الماضية.
وبعدما لاحت في الأفق أجواء إيجابية حول التوافق على ميقاتي، سجلت الليرة اللبنانية، التي خسرت خلال عامين أكثر من 90% من قيمتها، تحسناً محدوداً في السوق السوداء.
وتظاهر العشرات، مساء الأحد، أمام منزل ميقاتي في بيروت احتجاجاً على عودته لرئاسة الحكومة، خصوصاً بعدما ارتبط اسمه بملف «إثراء غير مشروع»، في بلد شهد في 2019 احتجاجات ضخمة ضد الطبقة السياسية التي يُعد ميقاتي جزءاً منها.
ومن شأن استمرار الفراغ السياسي أن يعمّق معاناة اللبنانيين، الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، وتشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وتقنيناً شديداً في الكهرباء يصل إلى 22 ساعة، وترفع القطاعات والمرافق العامة والخاصة تدريجياً أصواتها مطالبة بدعمها لتقوى على تقديم الخدمات.
• لا يحظى ميقاتي بحاضنة شعبية واسعة، حتى في مسقط رأسه مدينة طرابلس شمالاً، التي صنفتها الأمم المتحدة الأفقر على الساحل الشرقي للمتوسط، إلا أنه عادة ما يتم تداول اسمه مرشحاً توافقياً لرئاسة الحكومة، للخروج من الجمود الناتج عن الخلافات السياسية على تقاسم الحصص.
أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية منذ عام 2019
يشهد لبنان أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية غير مسبوقة، منذ أكتوبر 2019، وقد تفاقمت بسبب الجمود السياسي.
شرارة «واتس أب»
أعلنت الحكومة اللبنانية، في 17 أكتوبر 2019، عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل «واتس أب».
فجّر ذلك غضب لبنانيين كانوا بدأوا، قبل أسابيع، تلمّس مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار، مرددين شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».
تراجعت الحكومة برئاسة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت.
تخلّف عن السداد
في السابع من مارس 2020، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، حسان دياب، أن لبنان «سيعلق» سداد دين بقيمة 1.2 مليار دولار، يستحق في التاسع منه، مؤكداً أن «الدولة اللبنانية ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها»، وفي 23 منه أعلنت وزارة المال «التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار».
في 30 أبريل، أعلنت الحكومة خطة إنعاش اقتصادي وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي، وبعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين.
انفجار
في الرابع من أغسطس، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت، أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين.
وفي السادس من أغسطس، زار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بيروت ودعا إلى «تغيير» في النظام، ثم عقد مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، تعهد خلاله المجتمع الدولي بتقديم مساعدة طارئة بقيمة 300 مليون دولار، على ألا تمرّ عبر مؤسسات الدولة.
استقالة جديدة
في الثامن من أغسطس، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلوهم مسؤولية المأساة، التي تبين أنها ناتجة عن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم، المخزنة منذ سنوات في المرفأ من دون أي إجراءات وقاية.
وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي.
وفي 10 أغسطس استقالت حكومة حسان دياب.
لا حكومة
في 31 أغسطس، استبق السياسيون اللبنانيون زيارة ماكرون الثانية إلى بيروت بالاتفاق على تكليف سفير لبنان في ألمانيا، مصطفى أديب، تشكيل حكومة.
ومطلع سبتمبر، عاد ماكرون من بيروت مع خارطة طريق، التزمت القوى السياسية بموجبها بتشكيل حكومة «بمهمة محددة» في مدة أقصاها أسبوعان، لكن في 26 سبتمبر، اعتذر أديب عن عدم تشكيل الحكومة بعدما اصطدم بشروط سياسية.
في 22 أكتوبر، كلف الرئيس اللبناني، ميشال عون، رئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، الذي استقال إثر تحركات أكتوبر 2019 الاحتجاجية، بتشكيل حكومة جديدة.
من أسوأ الأزمات منذ عام 1850
في الأول من فبراير 2021، أعلنت السلطات زيادة في سعر الخبز بنحو 20%.
وفي الأول من يونيو، صنّف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي في لبنان بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الـ19.
رحيل الحريري وعودة ميقاتي
في 15 يوليو، بعد تسعة اشهر من تكليفه، اعتذر سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، بعدما حالت الخلافات السياسية الحادة مع رئيس الجمهورية دون إتمامه المهمة، وقد أمضى الحريري وعون الأشهر الماضية يتبادلان الاتهامات بالتعطيل جراء الخلاف على الحصص وتسمية الوزراء وشكل الحكومة.
في 26 يوليو، كُلف نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومتين في 2005 و2011، بتشكيل حكومة جديدة.