أنهار الديك: الإقامة الجبرية أخف ألماً من الولادة خلف القضبان
«ابنتي جوليا حبيبتي».. بهذه الكلمات احتضنت الأسيرة الفلسطينية المُحررة، أنهار الديك، طفلتها البكر، بعد أن خرّت ساجدة شكراً لله سبحانه وتعالى، على بوابات حاجز سالم العسكري الإسرائيلي في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، عقب الإفراج عنها من سجن الدامون العسكري، يوم الخميس الماضي، الثاني من شهر سبتمبر الجاري، مقابل فرض الإقامة الجبرية المنزلية عليها، وفرض غرامة مالية تقدر ب40 ألف شيكل، نحو (50 ألف درهم).
لقاء أنهار، البالغة من العمر 26 عاماً، بابنتها (جوليا - عامان)، هي اللحظة التي انتقلت خلالها من أوجاع القيد إلى نسيم الحرية، وذلك بعد حرمان دام ستة أشهر، قضتها خلف القضبان برفقة جنينها الذي تحمله في أحشائها.
ونتيجة لتدهور حالتها الصحية، وتعرضها لظروف نفسية قاسية، ولإهمال طبي متعمد من قبل إدارة السجون الإسرائيلية، وجهت أنهار الديك رسالة استغاثة كتبتها بخط يدها داخل الزنزانة التي قضت فيها حملها، منذ أن أُسرت في الثامن من شهر مارس الماضي، وهي حامل في شهرها الثالث.
وبعد الإفراج المشروط عنها، ستضع أنهار الديك جنينها (علاء)، جراء عملية ولادة قيصرية، خلال الأيام القليلة المقبلة، وفقاً لما قدّره الأطباء في المستشفيات الفلسطينية.
إفراج مشروط
التقت «الإمارات اليوم» الأسيرة المحررة، أنهار الديك، بمنزل والدها في قرية كفر نعمة قضاء مدينة رام الله في الضفة الغربية، بعد رجوعها من الكشف الطبي الخاص بعملية ولادتها، حيث تقضي داخله مدة الإفراج المشروط بالإقامة الجبرية.
تقول الأسيرة المحررة وهي تحتضن طفلتها (جوليا)، التي لم تعرفها إلا من خلال الصور التي اعتادت مشاهدتها بينما كانت والدتها تقبع داخل الأسر: «لم أتخيل أن أضع مولودي داخل الزنزانة، وأن أجري عملية الولادة القيصرية وأنا مقيدة، من دون وجود أمي وزوجي إلى جانبي».
وتكمل الديك حديثها: «إن هذا الهاجس زادت حدته مع اقتراب موعد ولادتي، خصوصاً مع تزاحم التساؤلات في ذهني، وأصعبها أنني كيف سأنقل طفلي من المستشفى إلى السجن، عبر العربة المزودة بالقفص الحديدي المعروف بـ(البوسطة)».
وتشير إلى أن شدة الآلام التي كانت تواجهها، خصوصاً خلال الشهرين الأخيرين من حملها، والتخوف من إجراء العملية القيصرية وهي أسيرة، دفعاها إلى كتابة رسالة بخط يدها، وسربتها من السجن، من أجل التحرك العاجل للإفراج عنها.
ووفقاً لتعبير الأسيرة المحررة، جاء في نص الرسالة التي كتبتها، وأججت مشاعر الحزن والغضب والتضامن على الصعيد الفلسطيني والعالم أجمع: «يارب رحمتك، ماذا أفعل إذا ولدت بعيدة عنكم، وأنتم تعرفون أوجاع الولادة القيصرية خارج السجن! فكيف داخله وأنا مقيدة لوحدي!».
وكشفت الديك في رسالتها عن وجعها وخوفها من الولادة داخل السجن، حيث قالت في رسالتها: «أشعر بتعب شديد، وأصابتني آلام حادة في الحوض ووجع قوي في قدميّ، نتيجة النوم على سرير السجن (البرش)، وأنا لا أدري كيف سأنام عليه بعد إجراء عملية الولادة القيصرية، وكيف سأخطو خطواتي الأولى بعد العملية والسجانة تمسك بيدي بكل اشمئزاز».
وتُبيّن الأسيرة المحررة أن قرار الإفراج عنها كان نتيجة للحراك الواسع عقب الرسالة التي وجهتها من خلف القضبان، مضيفة: «لكن هذا ليس إفراجاً نهائياً، وإنما إلى حين موعد النطق بالحكم النهائي من قبل محكمة الاحتلال، حيث يتضمن قرار الاحتلال حضوري كل جلسات المحكمة المقررة بعد عملية الولادة».
ولادة حرة
وتواصل الديك حديثها قائلة: «إن هذا يعد انتصاراً لإرادتي، فقرار الإفراج المشروط والإقامة الجبرية أخف ألماً ملايين المرات من الإهمال الطبي والولادة خلف القضبان، وتكبيل طفلي إلى جانبي خلف القضبان».
ولم تكن تتوقع الديك أن الاحتلال سيفرج عنها، حتى نقلت من سجن الدامون إلى حاجز سالم العسكري، قبل إطلاق سراحها مباشرة.
وتقول: «لم أصدق أنني خارج السجن، وسأضع طفلي في عملية ولادة حرة من دون قضبان وقيود، وبقي هذا الشعور حتى الليلة الأولى التي قضيتها خارج السجن في منزل والدي».
وتمضي بالقول: «إن الحرية لا تقدر بكنوز الأرض قاطبة، وفرحة الحصول عليها لا تصفها الكلمات مجتمعة، فبعد معاناة شديدة انتهى الكابوس الذي كان يؤرقني يومياً في كل ليلة، وأصبحت اليوم حرة، وابني سيولد حراً بعيداً عن غياهب السجن وظلم إدارة السجون الإسرائيلية».
أوضاع كارثية
واعتقل الاحتلال أنهار الديك بتهمة محاولة تنفيذ عملية طعن في بؤرة استيطانية على جبل «كيسان» القريب من بلدتها كفر نعمة، حيث لم يصدر الاحتلال بحقها أي حكم، رغم اعتقالها في سجن الدامون.
وخلال فترة اعتقال الأسيرة المحررة، أنهار الديك، في يوم المرأة العالمي، التي استمرت على مدار ستة أشهر حتى نالت حريتها في مطلع شهر سبتمبر الجاري، لم يسمح لعائلتها بزيارتها سوى مرة واحدة، كانت للزوج فقط.
وتقول الأسيرة المحررة: «إن إسرائيل تعتدي على الفلسطيني وتقتله وهو يكون متوجهاً إلى أرضه وعمله، وقد اعتُقلتُ وأنا سيدة حامل، ولا يوجد أدنى مبرر لذلك».
وتضيف: «عقب عملية الاعتقال من قبل جنود الاحتلال، انهالوا علي بالضرب المفرط بشكل عنيف على كل أنحاء جسدي، رغم أني أخبرتهم بأنني سيدة حامل، وبعد ذلك نقلت إلى معتقل (هشارون) الإسرائيلي، ووُضعت في زنزانة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، لم يراعوا أنني سيدة حامل، وأمضيت فيها شهراً كاملاً».
وتصف الديك ظروف اعتقالها داخل معتقل «هشارون» بالسيئة للغاية، حيث تعمّد الاحتلال عدم توفير الفراش لها داخل السجن، إلى جانب الإهمال الطبي المتعمد لها كونها سيدة حاملاً، مع تقديم القليل من الطعام لها.
بعد انتهاء فترة التحقيق معها، التي تعرضت خلالها للضرب والإهمال الطبي، نقلت أنهار الديك إلى سجن الدامون، حيث تقبع هناك 36 أسيرة فلسطينية، من أصل 41 أسيرة يقبعن خلف القضبان، من بينهن 11 أمّاً.
وتشير المُحررة الديك إلى أنها واجهت داخل سجن الدامون أوضاعاً كارثية، حيث تعاني الأسيرات من تضييق وحرمان من أبسط الحقوق، وأهمها زيارة أهلها، والرعاية الطبية، مبينة أنها كانت تنقل من السجن إلى المستشفى لإجراء الفحوص اللازمة كونها حاملاً، وهي مقيدة داخل عربة «البوسطة» التي تفتقر إلى شروط ومعايير الراحة والأمان.
الديك: الإفراج المشروط يعد انتصاراً لإرادتي، فقرار الإفراج المشروط والإقامة الجبرية أخف ألماً ملايين المرات من الإهمال الطبي والولادة خلف القضبان، وتكبيل طفلي إلى جانبي خلف القضبان.
• اعتقل الاحتلال أنهار الديك بتهمة محاولة تنفيذ عملية طعن في بؤرة استيطانية، على جبل «كيسان» القريب من بلدتها كفر نعمة، حيث لم يصدر الاحتلال بحقها أي حكم، رغم اعتقالها في سجن الدامون.