جنود الاحتلال اقتادوا الأب فجرا من منزله وهو يحتضن ابنه
الطفل أحمد القواسمي: مرضي اعتقال والدي وليس إصابتي بالسرطان
«قبلة وأحضان حارة، ودموع منهمرة على العيون»، تلك الجرعة البديلة للعلاج الكيماوي الذي يتلقاه الطفل الفلسطيني أحمد حجازي القواسمي، المصاب بمرض السرطان، بعد أن أحاط هذا الجسد المنهك النحيل، جنود مسلحون، انتشروا في أرجاء المنزل الصغير.
فبعد مضي أقل من دقيقة واحدة على وداع الأب لابنه المريض، انتقل حجازي القواسمي إلى غياهب السجون الإسرائيلية، بعد أن اعتقلته جنود الاحتلال من منزله في مدينة خليل الرحمن جنوب الضفة الغربية، على مرأى أطفاله وزوجته، فجر يوم الثلاثاء 14 من شهر سبتمبر الجاري.
هذا المشهد ترك صدمة شديدة القسوة لدى الطفل أحمد البالغ من العمر (11) عاما، فوالده هو من يرافقه دوما في جلسات تلقي العلاج الكيماوي، ويبث في نفسه طوال الوقت روح التحدي والصمود، لمواجهة المرض الخبيث.
ويعاني أحمد، النجل الأكبر للأسير حجازي القواسمي، من مرض سرطان العظام، الذي يصيبه منذ شهر يناير من العام الجاري 2021، وعلى إثر ذلك فقد الطفل المريض القدرة على الحركة، ورغم خطورة هذا الداء الخبيث، إلا جنود الاحتلال لم يراعوا الوضع الصحي الخطير للطفل، وما سوف ينتج عن ذلك من تداعيات نفسية وصحية خطرة.
مشهد مروع:
انتقلت «الإمارات اليوم» إلى منزل حجازي القواسمي في منطقة واد أبو كتيلة، شمال غرب مدينة الخليل، فمشهد اعتقاله لم يغادر ذهن طفله أحمد لحظة واحدة، وكلمات والده له لحظة الاعتقال لا تزال تزاحم ذاكرته، فرغم تكبيله بالأصفاد همس في أذن طفله الصغير يأن لا يُهمل جلسات العلاج.
«كن قويا صلبا سأعود قريبا، لا تخف أنا بجانبك، تفاءل جيدا ولا تترك جلسات العلاج الكيماوي»، يصف أحمد هذه الكلمات بأنها آخر جرعة رعاية وحنان تلقاها من والده، عندما احتضنه ثوان معدودة، قبل لحظة اعتقال الجنود له مباشرة، بينما كان هو يستلقي على ظهره على سرير المرض داخل منزله.
ويقول الطفل القواسمي بصوت مختنق،«لم أستطع أن أحرك ساكنا في تلك اللحظة، حاولت أتمالك نفسي، وأسيطر على مشاعري، وبعد أن غادرنا والدي حبيبي انهمرت بالبكاء، حيث شعرت بإحساس القهر والضعف، فاعتقال والدي يعد فقداني الحياة بأكملها».
ويمضي أحمد بالقول بعد أن أجهش بالبكاء،«اليوم أنا أصبحت مريضا، فوالدي هو علاجي، واعتقاله هو مرضي، وليس إصابتي بسرطان العظام».
ويشير إلى أنه في اللحظة التي اقتحم فيها الجنود منزل والده لاعتقاله كان نائما، ليستيقظ على مشهد مروع، دب الرعب في نفسه.
ويواصل الطفل المريض حديثه قائلا،«مكث الجنود داخل منزلنا نصف ساعة، وقد شعرت برعب شديد، وبكيت بشدة، فأنا لم أتخيل هذا المشهد المروع من ذي قبل، فرغم إصابتي الخطرة وعجزي عن الحركة، اعتقل الاحتلال والدي الذي سعد هو الحياة بكل تفاصيلها بالنسبة لي».
الحرمان مجددا:
في اليوم الذي اعتقل فيه الأسير الفلسطيني حجازي القواسمي فجرا، كان من المفترض أن يرافق طفله أحمد مساء إلى مستشفى المطلع في مدينة القدس الشريف، لتلقي جرعة العلاج الكيماوي، إلا أن ذلك لم يحدث على الإطلاق، جراء غياب الأب قسرا خلف قضبان السجان المحتل.
وبحسب الطفل القواسمي، فقد أجريت له عملية استئصال لجزء من عظام رجله اليمنى، في إحدى المستشفيات التركية في شهر يوليو الماضي، ولم يسمح الاحتلال لوالده بمرافقته، واليوم مع بداية رحلة العلاج الطويلة في مستشفى المطلع.
ويقول أحمد في حديثه لـ«الإمارات اليوم» عندما سافرت إلى تركيا لإجراء العملية الجراحية حرمت من وجود أبي إلى جانبي، ورافقني ابن عمي، ومن ثم أمي بعد مرور شهر كامل، حتى تمكنت من الحصول على تنسيق أمني من الاحتلال يسمح لها بذلك.
ويضيف، «في مستهل جلسات العلاج الكيماوي الطويلة في مدينة القدس الشريف يغيب أبي عن حياتي قسرا، لأحرم من عطفه وحنانه مجددا، وهذا الأمر يحزنني كثيرا، فهو السند الصلب والصديق الحنون، يرافقني في جميع شؤون حياتي، وهو أكثر إنسان أحبه في حياتي، واليوم بعد اعتقال والدي منزلنا حزين تغيب عنه ملامح الحياة، فقد اشتقت لصوته ووجهه كثيرا.»
ويستدرك الطفل أحمد حديثه، ليقول، « سأعود مجددا لتلقي العلاج، ولكن هذه المرة بدون أبي، وفي ذات الوقت سأكون قويا، وأواصل جلسات العلاج الكيماوي في مستشفى المطلع كما أوصاني أبي، وسأدعو الله أن يعود لي محررا في أسرع وقت».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news