المجتمع الدولي حائر بشأن مسألة الاعتراف بـ «طالبان»
هناك سؤال ظل يطرح نفسه منذ أغسطس، لكنه اتخذ أبعاداً أكبر هذا الأسبوع، إذ يتساءل المجتمع الدولي عما إذا كان ينبغي الاعتراف بنظام «طالبان» في أفغانستان أم لا. وهل يجب دمج الحركة المتشددة في المنظمات الدولية الكبرى لإجبارها على التطور، أم ينبغي على العكس التفاوض على آلية تدريجية لتطبيع العلاقات معها وإزالة العقبات المالية مقابل قيامها بخطوات سياسية جذرية؟
وجرى طرح النقاش في العلن خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك حتى الاثنين، حيث طلبت حركة طالبان التحدث باسم أفغانستان، فيما يطالب سفير الحكومة السابقة المخلوعة بتمثيل بلده.
وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أول من أمس، إن قيام «طالبان» بـ«استعراض» في الجمعية العامة للأمم المتحدة «لن يفيد في شيء»، معتبراً أن «الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست الإطار الملائم لذلك».
وأضاف «ينبغي التحاور مع طالبان، وهناك قنوات عدة من أجل ذلك أقيمت في الأسابيع الأخيرة». ويجب على الأمم المتحدة ألا تتخذ قرارها على الفور.
وأوضح دبلوماسي أوروبي، الأسبوع الماضي، طالباً عدم كشف اسمه «في مرحلة ما، سيتعين على طالبان الاختيار بين المال والتطبيع أو العزلة المطلقة.. نحن نراقب ما إذا كان ذلك سيأتي بنتيجة. اليوم، لا يأتي بنتيجة».
حتى أقرب حلفاء «طالبان» يؤخرون إعلان موقفهم. فقد قال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي «لا أحد في عجلة من أمره للاعتراف بطالبان»، مضيفاً «يجب أن تكون (الحركة) أكثر استجابة وأكثر تقبلاً للآراء الدولية»، و«لا يمكن إملاء الظروف السياسية». وتلتزم قطر، الوسيط الرئيس بين حكام كابول الجدد والغرب، خطاباً مشابهاً. أما الصين فتبقى في الوقت الحاضر على موقف حذر، لكن من مصلحتها أن يتم تعيين محاورين شرعيين ورسميين في كابول.
وكتب ديريك غروسمان، من مؤسسة «راند» في واشنطن أوائل سبتمبر «حتى لو لم تتمكن بكين من الوثوق بطالبان، فمن غير المتوقع أن تنتظر بكين وقتاً طويلاً للاعتراف بها رسمياً»، معتبراً أن هذا الأمر «من شأنه تعزيز فكرة أن بكين وليست واشنطن، هي التي ترسم النظام الإقليمي المستقبلي».
وفي هذه الأثناء، لا أحد يقدم على الخطوة الأولى. وقال الباحث بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ماركوس كايم، إن الغرب لم يعد يملك إلا خيارات قليلة، بعدما فقد مكانته في أفغانستان كقوة مهيمنة في ظل انسحاب كارثي.
وأوضح كايم أنه «في هذه الحالة، لا يمكن إملاء الظروف السياسية». وتصريحات الحكومات بشأن وسائل الضغط التي مازالت بين أيديها «تخفي افتقارها للنفوذ، وهي استمرارية للغطرسة الإمبريالية التي هي جزء من المشكلة في أفغانستان».
لكن رغم ذلك، مازال الغرب يحتفظ ببعض الأدوات للضغط على كابول، فقد جمدت العديد من الحسابات المصرفية الأفغانية الموجودة في الخارج. واعتباراً من 18 أغسطس، علّق صندوق النقد الدولي مساعداته لأفغانستان «حتى تتّضح لدى المجتمع الدولي مسألة الاعتراف بالحكومة».
تدابير محددة الهدف
ويزداد السؤال إلحاحاً فيما تتجه البلاد نحو أزمة حادة على الصعيد الإنساني. ولم تكن «طالبان» نفسها تتوقع السيطرة على البلاد بهذه السرعة، ولم تعاود بعض الوظائف المركزية للدولة الأفغانية العمل بالكامل بعد. ومن هنا، جاء الموقف الوسطي الذي دعت إليه الأمم المتحدة، ففي 10 سبتمبر، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن إمكانية منح كابول «أدوات مالية»، بصرف النظر عن عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة المفروضة، وقال «أنا لا أتحدث عن رفع العقوبات أو الاعتراف بالحكومة، أتحدث عن إجراءات محددة الهدف، تسمح للاقتصاد الأفغاني بالتنفس».
من جهته، رأى المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أن من الضروري إجراء محادثات مع «طالبان». وقال لشبكة «بي بي سي» إنه «من خلال الحوار، يمكننا ضمان وصول المساعدات الإنسانية، ويمكننا أيضاً خلق مساحة لإثارة قضايا أكثر تعقيداً، مثل الحقوق والأقليات والنساء والتعليم».
من جانبها، تحاول «طالبان» استمالة الدول المجاورة لأفغانستان، التي تتشارك معها المصالح الاستراتيجية، خصوصاً في ما يتعلق بطرق التجارة والبنى التحتية وسياسة الطاقة.
وقالت الباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد، أمينة خان، إن هذه الدول «تتبنى رؤية إقليمية موحدة بشأن أفغانستان».
وأوضحت أن «المنطقة تريد أن تؤدي دوراً أكبر (في هذا الإطار)، وأن تجري مفاوضات مع طالبان».
وسيتعين على الحركة أن تحترم وعودها، خصوصاً منع جماعات إرهابية من مهاجمة باكستان وروسيا والصين.
وفي هذه الحال «سنرى بالتأكيد دول المنطقة تؤدي دوراً أكثر أهمية».
• تحاول «طالبان» استمالة الدول المجاورة لأفغانستان، التي تتشارك معها المصالح الاستراتيجية، خصوصاً في ما يتعلق بطرق التجارة والبنى التحتية وسياسة الطاقة.
• أقرب حلفاء «طالبان» يؤخرون إعلان موقفهم، فقد قال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي: «لا أحد في عجلة من أمره للاعتراف بطالبان»، مضيفاً «يجب أن تكون (الحركة) أكثر استجابة وأكثر تقبلاً للآراء الدولية»، و«لا يمكن إملاء الظروف السياسية».