انتخابات ألمانية تنطوي على رهانات كبرى وطنياً وأوروبياً
هل تصبح ألمانيا ما بعد ميركل بلداً أقل استقراراً؟ وفي أي وجهة ستذهب سياستها؟ هل ينجح اليسار في الوصول إلى المستشارية على حساب المحافظين؟ وهل سيشارك البيئيون والليبراليون في الحكومة المقبلة؟
تلك هي الرهانات الرئيسة في الانتخابات التشريعية التي جرت، أمس، في ألمانيا، فيما لاتزال التكهنات سارية بشأن نتائجها.
نهاية حقبة؟ هذه الانتخابات سترسم صورة ألمانيا ما بعد أنغيلا ميركل.
فبعد أربع ولايات و16 عاماً في السلطة على رأس القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، لم تترشح المستشارة، البالغة 67 عاماً، للانتخابات، وعبّرت ميركل، منذ أكتوبر 2018، عن نيتها عدم الترشح، إثر نكسة انتخابية لحزبها في منطقة هسن، ولا تنوي أيضاً بدء مسيرة مهنية في الهيئات الأوروبية أو الدولية، كما سبق أن ذكرت وسائل إعلامية.
هذه المرة الأولى منذ 1949 التي لا يترشح فيها مستشار ألماني لانتخابات.
في عهد ميركل، كانت ألمانيا من أبعد دول أوروبا عن أي غموض حيال المستقبل، هذا الأمر يمكن أن يتغيّر بعد الانتخابات التي تُنذر بتجزئة الأصوات وبحكومة تضمّ ثلاثة أحزاب، غير مستقرة بطبيعتها، لقيادة البلاد.
المحافظون في خطر؟ في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة، قد يسجّل المعسكر المحافظ، الذي تنتمي إليه المستشارة، أسوأ نتيجة انتخابية له منذ تأسيس ألمانيا المعاصرة عام 1949، مع نحو 23% من الأصوات مقابل 32.8% عام 2017.
وبالتالي قد يخسر المحافظون منصب المستشار، حتى إنهم قد ينتقلون إلى المعارضة للمرة الأولى منذ 2005.
ويسجل الاشتراكيون الديمقراطيون تقدماً طفيفاً على الديمقراطيين المسيحيين، في استطلاعات الرأي الأخيرة ويتطلعون إلى قيادة الحكومة، للمرة الأولى منذ غيرهارد شرودر، فيما كانوا في وضع صعب جداً منذ عام.
ما النتيجة التي سيحققها اليمين المتطرف؟ بعد أن أصبح حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، في الانتخابات السابقة عام 2017، أول قوة معارضة في مجلس النواب، مستغلاً مخاوف جزء من الرأي العام بشأن وصول مئات آلاف المهاجرين إلى البلاد، حصل في استطلاعات الرأي الأخيرة على نحو 11% من نيات التصويت، إلا أن الهجرة لم تعد من الموضوعات التي تهم الألمان كثيراً، فحاول الحزب إعادة التموضع كمدافع عن «الحريات» في مواجهة قيود مكافحة «كوفيد»، وبالتالي فإن نتيجته ستكون متابعة عن كثب.
البيئيون والليبراليون في الحكومة المقبلة؟ قد يجد البيئيون بحصولهم على نحو 16% من نيات التصويت، وكذلك حزب الليبراليين اليميني مع نحو 11% من الأصوات، نفسيهما في موقع «صناع القرار» بحكومة ائتلافية مقبلة.
ويُفترض أن تكون ائتلافات عدة للأغلبية ممكنة في البرلمان المقبل، بدءاً من تحالف يساري بحت إلى حكومة تميل إلى اليمين، كل ذلك يُنذر بمفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة المقبلة.
يخشى شركاء ألمانيا فترة جمود طويلة، في وقت تتخوف أوروبا من تهميش جيوسياسي.
ما السياسة الخارجية الألمانية في الفترة المقبلة؟ سيحمل الشكل النهائي للحكومة تأثيراً كبيراً في السياسة الدولية المقبلة لألمانيا، حتى لو أن الأحزاب الثلاثة الكبيرة قادت حملة وسطية.
ستكون البلاد أكثر ميلاً إلى التضامن المالي في أوروبا، مع حكومة يسيطر عليها الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الخضر، مما ستكون مع المحافظين والليبراليين، الذين يؤيدون، أكثر من اليسار، المهام العسكرية في الخارج.
قد تشهد ألمانيا فترة توتر مع «حلف شمال الأطلسي»، في حال تشكلت حكومة تضمّ حزب «دي لينكه» اليساري الراديكالي الذي يروّج لحلّ الحلف.
وتطوُّر الثنائي الفرنسي - الألماني، الذي شهد بعض الإخفاقات أحياناً في عهد ميركل، سيعتمد أيضاً على النتيجة النهائية، كما أن الفرنسيين ينتخبون رئيساً جديداً للبلاد في أبريل 2022. يوضح بول موريس، من لجنة الدراسات الفرنسية - الألمانية، أنه مع وصول حكومة جديدة «ننتظر من ألمانيا أن تكون قوة أكبر لتقديم اقتراحات على المستوى الأوروبي».
هيلموت كول «1982-1998»
مسيحي ديمقراطي: كان في البداية يتعرض للسخرية من جانب المفكرينـ بوصفه سياسياً محلياً، وانتهى الأمر بكول بأن يتولى الحكم لفترة تزيد على أي مستشار آخر، وإذا ظلت أنغيلا ميركل في منصبها لبعد شهر ديسمبر، بسبب المساومات الطويلة لتشكيل الائتلاف بعد الانتخابات، فإنها ستتفوق على كول، ومع توحيد ألمانيا في عام 1990 أصبح كول معروفاً في التاريخ بأنه «مستشار الوحدة».
وحكم كول طول فترة وجوده في السلطة مع الحزب الحر الديمقراطي الليبرالي.
أنغيلا ميركل «2005-2021»
مسيحية ديمقراطية: ميركل أول سيدة وأول سياسية من شرق ألمانيا تتزعم الحكومة الألمانية، وخلال أربع فترات في المنصب شهدت العديد من الأزمات الدولية، وحظيت بسمعة كسياسية وشخصية عالمية، وبعد بدء ولايتها الرابعة بفترة قصيرة، أعلنت أنها لن تنافس على المنصب مجدداً.
وبكون ائتلافها الأول من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، وهو تكتل محافظ، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ثم تحولت للحزب الديمقراطي الليبرالي كشريك صغير عام 2009، وبعد انتخابات 2013 عادت للتعاون مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
واستغرق تشكيل حكومتها الأخيرة والحالية، خمسة أشهر ونصف الشهر بعد انتخابات سبتمبر 2017، وحاولت في البداية تشكيل ائتلاف ثلاثي مع الخضر والحزب الحر الديمقراطي، لكن الأخير انسحب من المحادثات، وبعد أن أقسم على البقاء في صفوف المعارضة، صوّت الحزب الاشتراكي الديمقراطي في النهاية لمصلحة الانضمام للائتلاف في مارس.
غيرهارد شرودر «1998-2005»
اشتراكي ديمقراطي: يُذكر شرودر بسبب مبادرة التخلص التدريجي من ألمانيا النووية، وهي عملية أوقفتها في البداية خليفته ميركل، ثم عادت وأعادت التأكيد عليها، وتسبب في غضب النقابات العملية بإصلاحاته الاجتماعية الصارمة، التي أطلق عليها «أجندة 2010»، وأشاد بزعيم الكرملين، فلاديمير بوتين، بوصفه «ديمقراطياً بلا أخطاء».
وتولى شرودر الحكم، طوال فترة ولايته، كرئيس ائتلاف مع الخضر، وكان زعيم الخضر، جوشكا فيشر، نائباً له ووزيراً للخارجية.
يخشى شركاء ألمانيا فترة جمود طويلة، في وقت تتخوف أوروبا من تهميش جيوسياسي.
قد تشهد ألمانيا فترة توتر مع «الناتو»، في حال تشكلت حكومة تضمّ حزب «دي لينكه» اليساري.