بهدف التخلص من العقوبات وإيجاد حلفاء استراتيجيين

إيران تتوجه نحو الشرق لتحييد الجهود الغربية الرامية إلى عزلها

صورة

تجاهل الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، وقرر أن تكون زيارته الخارجية الأولى إلى العاصمة الطاجيكية، دوشانبي لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون، للشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية اليوروآسيوية. وكان هذا الخيار موضوعياً كما أنه كان رمزياً. في 17 سبتمبر الماضي وبعد نحو 14 عاماً على تقديم طهران طلباً للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون حظيت بالقبول أخيراً.

وبالنظر إلى أنها تواجه العقوبات الأميركية القاسية، إضافة الى أن الغرب يتعامل معها كدولة منبوذة، تتطلع إيران إلى الخروج من هذا المأزق، وهي تعتقد أن القوى الآسيوية تنمو على حساب واشنطن، وأن الصين وروسيا لا تشاطران الولايات المتحدة المصلحة في احتواء إيران وخنق اقتصادها، بل على العكس يمكن أن تكونا مستعدتين لقبول إيران لتعزيز مصالحهما في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق يأتي قبول إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، الذي يمكن أن يستغرق إكماله مدة عامين، بمثابة نصر للصحافة الإيرانية، وهو يعزز علاقة طهران التعاونية مع الصين وروسيا، إضافة إلى الدول الأعضاء الأخرى وهي الهند، وطاجيكستان، وكازخستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وباكستان. ووفق ما ذكرته وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، المقربة من حراس الثورة في إيران، فإن العضوية الكاملة لطهران في منظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن تحيد جهود الدول الغربية لعزل إيران عن طريق تعزيز قوتها وترسيخ مكانتها في غرب آسيا. وسيعمل رئيسي على الاستفادة من هذا النجاح.

شعور بالإحباط

ويشعر الإيرانيون من جميع الأطياف بالإحباط نتيجة الاتفاقية الفاشلة التي تقيد برنامجهم النووي، والمعروفة باسم خطة العمل الشامل والمشترك، التي انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، أي بعد ثلاث سنوات على توقيعها. وفي الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات مع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إلى طريق مسدود، تستطيع الصين بصورة خاصة أن تقدم دعماً للمفاوضات، أو ربما خيارات بديلة من خلال مبادرتها المعروفة باسم «مبادرة الحزام والطريق» إضافة إلى الاستثمارات المباشرة في ايران، إذا كانت مستعدة للمواجهة مع الولايات المتحدة.

شكوك

وتساور صانعي السياسة الإيرانية الشكوك في أن اتفاقية خطة العمل الشامل والمشترك لم تكن تتعلق بما إذا كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً أو غير ذلك، وإنما يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها ينفذون استراتيجية احتواء لإيران بهدف لجم هيمنة إيران الإقليمية بأي طريقة ممكنة.

وقال المرشد الإيراني علي خامنئي خلال اجتماعه الأخير مع الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني في يوليو الماضي: يجب أن تدرك الإدارة المقبلة في طهران أن الثقة بالغرب أمر فاشل. وأضاف: «إنهم يحاولون الإساءة إلينا كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً».

وبناء عليه فإن رئيسي وإدارته يتابعون الآن سياسة يقول عنها الإيرانيون إنها سياسة «النظر إلى الشرق»، وكانوا يعتبرون سياسة حسن روحاني التي تهدف إلى إحياء اتفاقية العمل المشترك سياسة «النظر إلى الغرب».

وإثر عودته من طاجيكستان وجه رئيسي انتقادات لاذعة لروحاني واتهمه بأنه كان يعتمد على الغرب. وليس من الضروري أن تتخلى الإدارة الإيرانية الحالية عن المفاوضات النووية، ولكنها تعتقد أنه حتى لو جرى إتمام المفاوضات حتى النهاية فلن يتم رفع العقوبات المفروضة على إيران.

والمعروف عن العديد من المسؤولين أمثال نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية علي باغراني أنهم يطلقون تصريحات مناوئة لخطة العمل المشترك، وهم يرون العقوبات باعتبارها الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة للجم البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، ولاحتواء نفوذ طهران المتنامي في الشرق الأوسط، وبناء عليه فإن الحل الوحيد لإيران هو إيجاد حلفاء استراتيجيين أقوياء أمثال الصين وروسيا، وعلى الأقل فإن طهران تأمل في الحصول على دعم روسيا والصين خلال المفاوضات النووية.

وتوجه إيران نحو الشرق أكثر عمقاً مما يبدو للوهلة الأولى، ولطالما كانت إيران تاريخياً مرتبطة اقتصادياً بالغرب، وتعتمد عليه منذ أيام حكم الشاه، حيث كانت طهران حليفاً للولايات المتحدة، واستمرت هذه الحال في الفترة ما بعد الثورة على الرغم من العداوة القوية بين إيران والولايات المتحدة. وظلت شركات النفط الأوروبية مثل توتال تتمتع بنصيب الأسد في تطوير حقول الغاز الإيرانية، ولكن بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة خرجت الشركات الأوروبية من إيران ودخلت مكانها الشركات الصينية.

مبادرة الحزام والطريق

وتأمل إيران الآن الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي المشروع الضخم الذي يعتبر بمثابة «طريق الحرير للقرن 21» والذي يربط جنوب آسيا مع أوروبا. وتسعى إدارة رئيسي إلى جذب الاستثمارات الصينية عن طريق الانضمام إلى هذا المشروع الضخم.

ويمكن أن تساعد الاستثمارات الصينية على التخفيف من أثر العقوبات المفروضة على إيران بهدف تحسين الاقتصاد. وإضافة إلى ذلك، يأمل الإيرانيون في تحويل قوتهم الجيوسياسية إلى واقع، عن طريق الانضمام إلى ممرات الحزام والطريق. وترى إيران نفسها باعتبارها جسراً بين الشرق والغرب وبين الشمال وجنوب آسيا.

وتتوقع إيران الحصول على العديد من الفوائد من خلال الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي تعتقد أولاً أنها عن طريق الانضمام إلى أضخم منظمة إقليمية في العالم من ناحية النطاق الجغرافي والسكاني، تستطيع تحييد جهود الولايات المتحدة لعزلها.

وثانياً فإن العضوية الكاملة لهذه المنظمة يمكن أن ترسخ دوراً جديداً لإيران في النظام الأمني لمنطقة وسط وجنوب آسيا باعتبارها لاعباً متنفذاً يحترم التعددية في المنطقة وخارجها.

وهذا الأمر مهم خصوصاً في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

وثالثاً تأمل إيران تعزيز تجارتها الخارجية مع دول منظمة شنغهاي للتعاون. ورابعاً عضوية هذه المنظمة يمكن أن تقدم لإيران فرصة لتعزيز التعاون الدفاعي مع الصين وروسيا وتوسيع محيطها الدفاعي أكثر الى الشرق. وستشارك إيران عندما تصبح عضواً كاملاً في المنظمة في المناورات العسكرية المشتركة للمنظمة، وتعزز تعاونها الأمني مع الدول الأعضاء في المنظمة لمحاربة الإرهاب في المنطقة. وفي نهاية المطاف، فإن عضوية إيران في مثل هذه المنظمة ذات التوجه الأمني يمكن أن تشجع روسيا والصين على بيع إيران أسلحة أكثر تطوراً.

وللحصول على مثل هذه الفوائد من الصين، ستحتاج إيران طبعاً إلى تقديم شيء بالمقابل، ويمكن أن يكون على شكل دعم دبلوماسي؛ ولذلك وبمجرد توليه السلطة في طهران أشار رئيسي إلى أن إيران ستدعم الصين في النزاعات الدولية، وأدان في مكالمة هاتفية له مع الرئيس الصيني تشي جينبينغ تسييس الدراسات المتعلقة بأصل فيروس كورونا ووصفها بأنها محاولة لعزل بكين. وأعلن دعمه الكامل لسياسة الصين الواحدة، واتهم الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الصينية الداخلية.

وعلى الرغم من أنه يبدو أن ثمة إجماعاً كبيراً بين المسؤولين الجدد في إيران حول ضرورة التوجه نحو الشرق، فإنه من غير الواضح ما إذا كان هذا التوجه سيحل التحديات الأكثر إلحاحاً في هذا البلد.

وعلى الرغم من أن صانعي السياسة الإيرانية يعتقدون أن النظام العالمي المستقبلي ستهيمن عليه آسيا في نهاية المطاف، فإن هذا التخيل المستقبلي لايزال غامضاً.

وفي غضون ذلك لاتزال العقوبات الأميركية تشكل عقبة كأداء أمام الشركات الأجنبية التي تأمل في الاستثمار في إيران، كما أن استمرار النزاعات السياسية بين الولايات المتحدة وحلفائها جعلها عوائق ضخمة أمام توسيع العلاقات التجارية مع الجيران الشرقيين لإيران.

ومن المحتمل أيضاً وربما على الأرجح أن الصين وروسيا تريان مصالحهما في الشرق الأوسط بصورة مختلفة عما تتخيله إيران، وأن الطموحات الإيرانية ليست في قمة أولوياتهما.

• لطالما كانت إيران تاريخياً مرتبطة اقتصادياً بالغرب، وتعتمد عليه منذ أيام حكم الشاه، حيث كانت طهران حليفاً للولايات المتحدة، واستمرت هذه الحال في الفترة ما بعد الثورة على الرغم من العداوة القوية بين إيران والولايات المتحدة.

• تتوقع إيران الحصول على العديد من الفوائد من خلال الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي تعتقد أنها عن طريق الانضمام إلى أضخم منظمة إقليمية في العالم من ناحية النطاق الجغرافي والسكاني، تستطيع تحييد جهود الولايات المتحدة لعزلها.

زكية يازدانشيناز ■ باحثة في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية

تويتر