باحث دنماركي: تغيّر المناخ وندرة الموارد يُعيدان تشكيل النظام العالمي
ركز مؤتمر المناخ الأممي لعام 2021 (كوب 26)، على توقعات تفيد بأنه من المرجح أن يدفع التغير المناخي مليارات الأشخاص إلى العيش في ظل ظروف غير صالحة. ومع ذلك، فقد تجنب إلى حد كبير حقيقة أنه قبل تحقق مثل هذا السيناريو الكارثي، فإن البشرية قد تواجه صراعاً وجودياً آخر، في ظل الحروب والاقتتال بين الدول على الموارد التي صارت نادرة بصورة متزايدة حول العالم.
ويرى الكاتب، يورغن أورستروم مولر، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، أن تغير المناخ وندرة الموارد يتفاعلان مع بعضهما بعضاً، بصورة كارثية.
ويعد المثال الأكثر دراماتيكية هو المياه القادمة من هضبة الهيمالايا، التي تتدفق إلى الصين والهند وباكستان وبنغلاديش. فبسبب التنمية الاقتصادية والنمو السكاني، صارت هناك حاجة إلى المزيد من المياه بصورة أكبر من أي وقت مضى، كما سيستمر الطلب في الزيادة. ويتسبب تغير المناخ في ذوبان الأنهار الجليدية حول العالم، ما يقلل من تدفق المياه في أنظمة الأنهار.
ويوضح مولر، وهو وزير دولة سابق لوزارة الخارجية الملكية الدنماركية، أن الصورة العالمية للمياه تتساوى مع أزمة تغير المناخ، أو تعد أسوأ منها. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإنه بحلول عام 2025، من الممكن أن يعيش نصف سكان العالم في مناطق بها ندرة في المياه. ومن الممكن أن ينزح نحو 700 مليون شخص بسبب شدة ندرة المياه بحلول عام 2030.
أما في ما يتعلق بالطاقة، فإن الحاجة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تعني التحول من مصادر الطاقة الأحفورية مثل الفحم والنفط، إلى مصادر أقل تلويثاً، ويُعد ذلك ممكناً، ولكن بالتأكيد بمقابل. وتتطلب التكنولوجيا العالية توفير المعادن من أجل إنتاج الإلكترونيات، مثل الهواتف المحمولة. وقد يكون هناك ما يكفي من هذه المعادن، ولكن لفترة من الوقت، كما أنه لا يمكن استخراج بعضها إلا في أماكن قليلة حول العالم.
ويوضح مولر، الزميل الزائر في «معهد إسياس - يوسف إسحق» للأبحاث الأمنية والسياسية بسنغافورة، أن إشارات التحول «من عصر الوفرة إلى عصر الندرة»، ترسل الاستراتيجيين من جديد إلى مرحلة التخطيط، وتتسبب في حالة من الخوف لدى صانعي السياسة. ولا يتم البوح بذلك علناً، ولكن وراء الأبواب المغلقة، بينما تقوم القوى الكبرى بمناورات من أجل الوصول إلى الموارد، وغلق الباب في وجه المنافسين.
ومن المخطط له أن يتبنى حلف شمال الأطلسي (ناتو) في صيف عام 2022، مفهومه الاستراتيجي الجديد. وكان الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، كشف في مقابلة أجراها مع صحيفة «فاينانشال تايمز» في 18 من أكتوبر الماضي، أن المفهوم سيجسد تعزيز الدفاع الجماعي لمواجهة صعود الصين، مضيفاً أن صعود الصين قد أثر بالفعل على أمن الدول الأعضاء في الحلف.
ويشير مولر إلى أن الدول الأعضاء في حلف «الناتو» هي دول غنية، موضحاً: «أضف إلى ذلك، اتفاقية (أوكوس) الأمنية الثلاثية في المحيطين الهندي والهادئ بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا؛ والحوار الأمني الرباعي الناشئ (كواد) بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند؛ بالإضافة إلى الشبكة الأوسع من التحالفات والشراكات الأميركية، وتكتل واضح للدول الغنية نظمته الولايات المتحدة»، مضيفاً: «قد تكون عضوية الهند في (كواد) استثناءً لهذا النظام».
ويقول مولر، للتذكرة، لقد كان «الناتو» تحالفاً عسكرياً مصمماً للدفاع عن نظام مجتمعي ضد استبداد الاتحاد السوفيتي وتخطيطه المركزي، مشيراً إلى أن الصين ليس لديها أي نية على الإطلاق لتصدير نظامها المجتمعي. وعلى الرغم من أن بكين لا تمثل تهديداً للدول الأعضاء في «الناتو»، إلا أنها تشكل تهديداً لوجهة النظر التي ترى أن الغرب له الحق في السيطرة على الثروة العالمية، واستخدام الموارد كيفما يشاء، وتجاهل احتياجات الآخرين، والاستمرار في إطلاق الملوثات، مع الإفلات من العقاب.
ويتم حالياً استهداف الصين لأنها قامت بتوضيح طلب مفصلي خاص بها، من أجل الحصول على حصة أكبر من الكعكة العالمية، ولأن بكين ترفض الانزلاق بأمان إلى الدور المخصص لها من جانب الغرب. وفي الحقيقة، فإن الشبكة صارت أوسع بكثير. وتخشى الولايات المتحدة من أن تتماشى اقتصادات الأسواق الناشئة النامية مع الصين في كفاحها من أجل الموارد.
• إشارات التحول «من عصر الوفرة إلى عصر الندرة»، ترسل الاستراتيجيين من جديد إلى مرحلة التخطيط، وتتسبب في حالة من الخوف لدى صانعي السياسة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news