أبعاد إعلان بعض الفصائل العراقية حلّ أجنحتها العسكرية
أعلن المسؤول الأمني باسم كتائب «حزب الله العراقي»، أبوعلي العسكري، في 19 نوفمبر الماضي، عن حل تشكيل سرايا الدفاع الشعبي وإيقاف جميع أنشطتها وإغلاق مقراتها، حيث جاء هذا الإعلان عقب إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حل تشكيل «لواء اليوم الموعود»، بينما رفضت «الهيئة التنسيقية للمقاومة الإسلامية العراقية»، التي تضم عدداً من المجموعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، الاستجابة لدعوة تسليم سلاح الفصائل.
توقيت دعوات الحل
تزامن إعلان كتائب «حزب الله العراقي» عن حل الميليشيا المرتبطة بها مع عدد من التطورات الداخلية، والتي يمكن توضيحها في التالي:
1- محاولة التصفية الفاشلة للكاظمي:
يهدف إعلان الصدر عن حل بعض ميليشياته المسلحة في العراق، إلى إلقاء الضوء على السلاح المنفلت للميليشيات الشيعية، التي وظفتها، بناءً على توجيهات إيران، في محاولة تصفية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في 7 نوفمبر الماضي 2021، أي أن دعوة الصدر كانت تهدف بصورة أساسية إلى الضغط على هذه الميليشيات لإجبارها هي الأخرى على التخلي عن سلاحها، خصوصاً أن الكتائب هي أبرز القوى المتهمة في محاولة تصفية الكاظمي.
2- مطالبة الصدر بحل الميليشيات:
جاء إعلان كتائب «حزب الله العراقي» عقب دعوة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 18 نوفمبر الماضي، بأهمية حل الفصائل المسلحة دفعة واحدة، وتسليم سلاحها كمرحلة أولى إلى الحشد الشعبي، عن طريق قائد القوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء. كما أكد الصدر في خطابه أن قوة المذهب الشيعي لا تكون بفرض القوة والخلافات الطائفية، فضلاً عن دعوته إلى تصفية الحشد الشعبي من العناصر غير المنضبطة، وعدم الزج باسم الحشد في السياسة.
3- استباق الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات:
جاء هذا التطور قبيل مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات بصورة نهائية وغير قابلة للنقض، وهو الأمر الذي ستترتب عليه إمكانية توظيف بعض ميليشيات الحشد الشعبي للعنف، في حالة تأكدت خسارة أجنحتها السياسية في الانتخابات. وبالتالي، فإن دعوة الصدر هدفت إلى تحميل هذه الميليشيات مسؤولية أي عمليات عنف قد تقع.
دلالات الإعلان وأهدافه:
يلاحظ أن إعلان الصدر حل جانب من ميليشياته في هذا التوقيت، يهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف، وذلك على النحو التالي:
1- حل الميليشيات مقابل الاشتراك في الحكومة:
يدرك الصدر أن هدف الفصائل السياسية الشيعية من رفض نتائج الانتخابات والتلويح بالعنف هو ضمان مشاركتها في الحكومة المقبلة. ويسعى الصدر لاستثمار ذلك عبر التأكيد على إمكانية مشاركة الأحزاب السياسية الممثلة لتلك الفصائل، ولكن في حالة تخليها عن سلاحها.
ويلاحظ أن دعوة الصدر هذه لا تعدو أن تكون مجرد مناورة، خصوصاً مع كشف مصادر مرتبطة بالتيار الصدري عن استمرار مساعيه لتشكيل حكومة أغلبية، وجمع نحو 180 صوتاً، وهو ما يعني أنه حتى في قبوله بمشاركة الفصائل الموالية لإيران، فإن دورها في هذه الحكومة سيكون محدوداً.
2- وقف أي تصعيد ضد واشنطن أو دول الجوار:
يحاول مقتدى الصدر من خلال تلك الدعوات، فرض ضغوط على الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، لمنعها من الدخول في حرب ومواجهات مع الجيش الأميركي، بحجة أن الانسحاب الأميركي من العراق غير كامل، وأنها بعد سحبها القوات الأميركية القتالية في 31 ديسمبر 2021، لاتزال تحتفظ بمستشارين عسكريين، وذلك في محاولة لاستحداث أزمات إضافية تغطي من خلالها على الدعوات المطالبة بنزع سلاحها.
وكان أبوآلاء الولائي، زعيم فصيل «كتائب سيد الشهداء» قد دعا أنصاره للتطوع في صفوف جماعته المسلحة استعداداً لقتال القوات الأميركية، وهو ما جاء في إطار رده على دعوة مقتدى الصدر سالفة الذكر، وهو بمنزلة ممارسة الضغوط، على الولايات المتحدة من جهة، والحكومة العراقية من جهة أخرى، للالتزام بالجدول الزمني للانسحاب الأميركي. كما يخشى الصدر من اتجاه ميليشيات الحشد الموالية لإيران إلى التصعيد ضد الدول المجاورة للعراق، وهو ما أشار إليه الصدر نفسه، إذ أكد ضرورة عدم التدخل في شؤون دول الجوار وزج الشعب العراقي في حروب خارجية لا طائل منها.
3- فتح الباب أمام حل الحشد الشعبي:
أشار الصدر في خطابه إلى ضرورة إعادة هيكلة الحشد الشعبي، بل وإمكانية حله، وذلك بهدف إنهاء ازدواجية الانتماء الجارية في داخل الحشد من خلال تحويله إلى مؤسسة عسكرية عراقية مهنية، وإبعاده عن المشروع الإقليمي الإيراني الذي يضر بالمصالح العراقية بشكل مباشر.
وعلى الرغم من صعوبة تطبيق تلك الخطوة، فإنها على الأقل، تمثل أداة ضغط على الميليشيات المرتبطة بإيران، لردعها عن محاولة توظيف سلاحها بصورة أكبر في أزمة نتائج انتخابات أكتوبر 2021، بالإضافة إلى الضغط على إيران لضبط إيقاع الأحزاب الموالية لها لوقف التصعيد، خصوصاً أنه في حالة اتجاه هذه الميليشيات للتصعيد، فإن الخيار البديل سيكون الوصول إلى حالة الحرب الأهلية، وهو خيار غير مضمون العواقب للأطراف المعنية كافة.
ردود فعل ميليشيات إيران
تفاعلت الميليشيات المرتبطة بإيران، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر، مع دعوة الصدر، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- الالتفاف على دعوة الصدر:
يمثل إعلان كتائب «حزب الله العراقي» حل الميليشيات المرتبطة بها التفافاً على دعوة الصدر، والذي لم يقم بحل ميليشياته، ولكن ألحق تبعيتها بعدّتهم وعتادهم لقيادة الحشد الشعبي. ويلاحظ أن استجابة الكتائب، على عكس بقية الميليشيات المرتبطة بإيران، تكشف عن مصداقية الاتهامات الموجهة لها بالتورط في محاولة اغتيال الكاظمي.
وبالتالي حاولت كتائب «حزب الله العراقي» إبداء تجاوبها الظاهري لتحسين صورتها الداخلية، وتقليل الانتقادات الموجهة لها خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً عقب محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
2- التهديد بنموذج الحرس الثوري:
يعكس إعلان «حزب الله العراقي» حل ميليشياته ودمجها في الحشد الشعبي تهديداً ضمنياً للصدر، إذ إن دمج مختلف الميليشيات في كيان واحد يعد محاولة لاستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني، عبر محاولة دمج كل الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في إطار كيان واحد، خصوصاً عقب تصريحات رئيس الحشد الشعبي، فالح الفياض، عن ضرورة الاقتداء بالحرس الثوري الإيراني.
3- اتباع سياسة خلط الأوراق:
دعت «كتائب حزب الله» لدمج البيشمركة الكردية مع القوات الاتحادية وتسليم أسلحتها رداً على دعوات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لنزع سلاح الميليشيات، وهو ما يمثل محاولة منها لخلط الأوراق، ومحاولة الإيحاء بتبني الصدر سياسة مزدوجة على أساس أنه يطالب بحل الميليشيات الشيعية دون الكردية، وإن كانت الكتائب تتجاهل بوضوح أن قوات البيشمركة الكردية هي قوات اتحادية تتبع إقليم كردستان العراق.
4- رفض الميليشيات الشيعية الأخرى التخلي عن سلاحها:
رفضت «الهيئة التنسيقية للمقاومة الإسلامية العراقية»، التي تضم عدداً من المجموعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، الاستجابة لدعوة تسليم سلاح الفصائل، وهو أمر كان متوقعاً، لاسيما أنه كانت هناك قرارات حكومية سابقة بهذا الشأن لم تلتزم بتنفيذها.
• أشار الصدر إلى ضرورة إعادة هيكلة الحشد الشعبي، بل وإمكانية حله، وذلك بهدف إنهاء ازدواجية الانتماء الجارية في داخل الحشد من خلال تحويله إلى مؤسسة عسكرية عراقية مهنية، وإبعاده عن المشروع الإقليمي الإيراني الذي يضر بالمصالح العراقية بشكل مباشر.
• يعكس إعلان «حزب الله العراقي» حل ميليشياته ودمجها في الحشد الشعبي تهديداً ضمنياً للصدر، إذ إن دمج مختلف الميليشيات في كيان واحد يُعد محاولة لاستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني، عبر محاولة دمج كل الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في إطار كيان واحد.
سلاح الميليشيات
دعوة الصدر لحل بعض الميليشيات المرتبطة به تمثل محاولة من جانبه لإلقاء الضوء على سلاح الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، والتي تسعى من خلالها لإثارة الفوضى والتهديد بالحرب الأهلية، على نحو ما وضح في التظاهرات التي أقامتها عند المنطقة الخضراء، والتي سعت من خلالها لاستحداث مواجهة مع قوات الأمن العراقية، فضلاً عن تورّطها في محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي.