أوكرانيا صامدة.. ويتعيّن على حلفائها تصليب مواقفهم
يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو يحاول تأكيد طموح أكبر لديه في القارة الأوروبية، بدأ صبره ينفد بالنسبة لأوكرانيا. فقد تسببت الحرب بالوكالة في دونباس في قدر كبير من المعاناة لمواطنيها، لكنها لم تضعف إصرار كييف على مواصلة التكامل الأورو - أطلنطي والإصلاحات التي تقضي على الميراث السوفيتي الذي يعتز به بوتين تماماً.
وتقول أوريسيا لوتسيفيتش، الباحثة ومديرة منتدى أوكرانيا ببرنامج روسيا وأوراسيا بمعهد تشاتام هاوس، المعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، إن أوكرانيا تسير على طول الطريق الوعر ليتواءم نظامها السياسي والاقتصادي مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مع القيام في الوقت نفسه بنجاح ببناء دولة لامركزية ذات مجتمعات قوية في الداخل. فاقتصادها الآن مستقر من دون الطاقة الروسية، ومعظم صادراتها تتوجه إلى الصين والاتحاد الأوروبي بدلاً من روسيا.
ثمن باهظ
وتضيف لوتسيفيتش في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن أوكرانيا تدفع ثمناً باهظاً لمثل هذا الإصرار، حيث تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 13 ألف شخص قتلوا وأصيب 33 ألف شخص بإصابات بالغة منذ بدء العدوان العسكري عام 2014.
وتواصل روسيا ضغطها من خلال الاستمرار في صراع منخفض المستوى، فقد أدى وقف إطلاق النار ست مرات تم التفاوض بشأنه كجزء من اتفاقات مينسك، إلى خفض عدد الضحايا، لكن لم يؤدِّ ذلك لوقف العداءات على الإطلاق.
وتقول لوتسيفيتش إن روسيا تعتبر اتفاقات مينسك مجرد أداة لفرض سيادة محدودة على أوكرانيا من خلال إضفاء الشرعية على الجماعات التي تعمل بالوكالة لحساب روسيا، وتوفير الحكم الذاتي الشامل لها، بما في ذلك حق الاعتراض على اتجاه السياسة الخارجية الأوكرانية.
ولكن مثل هذه «التسوية» غير مقبولة بالنسبة لكييف، وقد فشل بوتين حتى الآن في فرض تفسيره للاتفاق على باريس وبرلين، ما أدى إلى تهميش روسيا ودعوة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن روسيا إلى تنفيذ ما يخصها في اتفاقات مينسك، أثناء الاجتماع الأخير لمنظمة الأمن والتعاون في ستوكهولم.
رفض روسي
وتوضح لوتسيفيتش أن روسيا ترفض تغيير موقفها، وتحاول في حقيقة الأمر توسيع نطاق استحقاقها من خلال منطقة عازلة تمتد إلى ما وراء الجمهوريات السوفيتية السابقة إلى أوروبا الشرقية؛ منطقة حلف وارسو السابقة. وتحدد المعاهدتان اللتان اقترحتهما روسيا في 17 ديسمبر وجود أوروبا على مستويين، مستوى له الحق في الدفاع عن نفسه ضد التوسع الروسي، بينما يتعين على المستوى الثاني قبول التفوق الروسي كواقع جيوسياسي جديد.
وببساطة سيعني هذا حرمان الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل أوكرانيا من حق الوجود كدول مستقلة تماماً، ويتضح أن مقال بوتين شبه التاريخي عن أوكرانيا يعتبر فعلاً إعلاناً أيديولوجياً تجاه كل المنطقة السوفيتية السابقة.
وبإعلانه أن «السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط في ظل شراكة مع روسيا»، سيعزز اعتماد المنطقة على روسيا. وحلمه بوضع الدولة العظمى يعني أنه «سيجمع الأراضي الروسية»، ويعيد تشكيل ما وصفه أخيراً بـ«روسيا التاريخية» التي تفككت مع انهيار الاتحاد السوفيتي.
إعادة الوحدة
وتريد موسكو «إعادة توحيد» أوكرانيا، وبيلاروسيا، ومولدوفا، وجورجيا، وأرمينيا، وحتى دول آسيا الوسطى، مع روسيا الأم، وهو طموح تتفهمه تماماً أوكرانيا التي لذلك تعتبر الصراع الجاري أكثر من مجرد حرب استقلال ببساطة، ولكنه صراع من أجل الحيلولة دون حدوث إعادة استعمار بعد 30 عاماً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ووقف مشروع لإقامة إمبراطورية روسية جديدة.
وتدرك أوكرانيا أنها هدف أساسي في خطة بوتين الرئيسة. ولا تحترم القيادة الروسية الحالية حقها في أن تكون لها دولتها، وستواصل موسكو كامل مظاهر حربها باستخدام الإعلام، والطاقة، والتاريخ، والأدوات الحركية. وترى أوكرانيا الآن أن معركتها تتمثل في احتواء التوسع الروسي على نطاق أكبر، وستقرر النتيجة ما إذا كان من الممكن الالتزام بالنظام الدولي القائم على أساس القواعد، أو ما إذا كانت دول ذات نفوذ، مثل روسيا والصين، ستشكل العالم بالإكراه والقوة العسكرية.
كما أن روسيا لا تقبل حقيقة أن توسع «الناتو» شرقاً لم يكن بدافع من واشنطن، ولكن بدافع عدم الشعور بالأمان بين دول حلف وارسو السابقة تجاه روسيا. وهذا المنطق نفسه يدفع غالبية الأوكرانيين إلى الرغبة في التمتع بأمن جماعي من خلال «الناتو»، حيث أظهرت بيانات استطلاع للرأي، أنه إذا ما تم إجراء استفتاء بشأن عضوية «الناتو»، سيوافق ما يصل إلى 70% على ذلك.
توافر القدرات
وتؤكد لوتسيفيتش أن الأمن الجماعي يحتاج أيضاً إلى توافر القدرات لدى كل دولة على حدة للدفاع عن نفسها. والأوكرانيون يلتزمون بالدفاع عن النفس بجدية، وأعلن 60% من المواطنين عن عزمهم الدفاع عن أوكرانيا بسلاح في اليد. وبالإضافة إلى القوات المسلحة التي تم اختبارها في القتال، يوجد لدى أوكرانيا نحو 400 ألف من المحاربين القدامى لقيادة مقاومة مدنية، لذلك فإنه على الرغم من احتمال تصور استيلاء بوتين على الأراضي، فإن الحفاظ عليها لن يكون أمراً سهلاً بالنسبة له.
واختتمت لوتسيفيتش تقريرها بالقول إن هناك محادثات على مستوى عالٍ بين موسكو وواشنطن، قد تؤدي إلى خفض التصعيد، ومن ثم فإن الكثير يعتمد على أن يكون هناك تصميم دولي موحد لردع روسيا، وهذا هو السبب في أن إحداث انقسام في التضامن عبر الأطلنطي بشأن أوكرانيا، يعتبر من أولويات بوتين الأكثر أهمية. وتوفر له القيادة الجديدة في ألمانيا ذلك، وكذلك رغبة إدارة بايدن في التركيز على الصين، ما يوفر لها المبرر لاسترضاء بوتين.
ومازالت هناك فرصة للتأثير في حسابات بوتين من خلال رفع سقف تكاليف أي عدوان روسي محتمل، وقيام حلفاء أوكرانيا الدوليين بمساعدتها على الدفاع عن نفسها، فقد يحترم بوتين استقلال أوكرانيا إذا ما رأى أن هناك أضراراً ستلحق بروسيا على الجبهتين الاقتصادية والعسكرية.
• مازالت هناك فرصة للتأثير في حسابات بوتين من خلال رفع سقف تكاليف أي عدوان روسي محتمل، وقيام حلفاء أوكرانيا الدوليين بمساعدتها على الدفاع عن نفسها.
• ترى أوكرانيا الآن أن معركتها تتمثل في احتواء التوسع الروسي على نطاق أكبر، وستقرر النتيجة ما إذا كان من الممكن الالتزام بالنظام الدولي القائم على أساس القواعد، أو ما إذا كانت دول ذات نفوذ، مثل روسيا والصين، ستشكل العالم بالإكراه والقوة العسكرية.
• بالإضافة إلى القوات المسلحة التي تم اختبارها في القتال، يوجد لدى أوكرانيا نحو 400 ألف من المحاربين القدامى لقيادة مقاومة مدنية، لذلك فإنه على الرغم من احتمال تصور استيلاء بوتين على الأراضي، فإن الحفاظ عليها لن يكون أمراً سهلاً بالنسبة له.
• روسيا تعتبر اتفاقات مينسك مجرد أداة لفرض سيادة محدودة على أوكرانيا، من خلال إضفاء الشرعية على الجماعات التي تعمل بالوكالة لحساب روسيا، وتوفير الحكم الذاتي الشامل لها، بما في ذلك حق الاعتراض على اتجاه السياسة الخارجية الأوكرانية.
• تريد موسكو «إعادة توحيد» أوكرانيا، وبيلاروسيا، ومولدوفا، وجورجيا، وأرمينيا، وحتى دول آسيا الوسطى، مع روسيا الأم، وهو طموح تتفهمه كييف تماماً، إذ تعتبر الصراع الجاري أكثر من مجرد حرب استقلال، وإنما صراع لمنع إعادة استعمار بعد 30 عاماً من انهيار الاتحاد السوفيتي.