تمثل لها مسألة حياة أو موت

ندرة الموارد المائية في الصين تنعكس سلباً على جيرانها

صورة

قد يكون تضاؤل الموارد الطبيعية هو الأكثر إلحاحاً من بين جميع مشكلات بكين المتمثلة في التدهور الديموغرافي، والمناخ السياسي الخانق، والمماطلة أو عكس مسار الإصلاحات الاقتصادية. ويقول المؤرخ جيفري باركر، إن الطبيعة والجغرافيا السياسية قد تتفاعلا بطريقة سيئة، ويجادل بأن تغير أنماط الطقس أدى إلى حروب وثورات واضطرابات خلال الأزمة العالمية الطويلة في القرن الـ17، وفي الآونة الأخيرة، فتح تغير المناخ طرقاً تجارية جديدة وموارد ومنافسات في القطب الشمالي، والآن بعد أن أصبحت الصين قوة عظمى وأصبحت مواردها المائية تنفذ بسرعة، يبدو أنها عازمة على إعادة تشكيل النظام العالمي بطريقة من المحتمل أن تؤجج الصراع في الداخل والخارج.

لطالما كانت الموارد الطبيعية حاسمة الأهمية للقوة الاقتصادية والعالمية. في القرن الـ19، نافست دولة صغيرة - المملكة المتحدة - مجموعة من الدول لأن احتياطياتها الوفيرة من الفحم سمحت لها بقيادة الثورة الصناعية، ثم تجاوزت الولايات المتحدة بريطانيا في نهاية المطاف، التي استغلت مساحاتها الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، واحتياطيات النفط الهائلة والموارد الأخرى لتصبح عملاقاً اقتصادياً.

الشيء نفسه ينطبق الآن على صعود الصين، فقد أسهمت الإصلاحات الرأسمالية ونظام التجارة العالمي والتركيبة السكانية الجيدة في تحقيق نمو اقتصادي فاق جميع التوقعات من أواخر السبعينات إلى أوائل القرن الـ21. حقيقة أن الصين كانت مكتفية ذاتياً تقريباً في الأرض والمياه والعديد من المواد الخام - وأن العمالة الرخيصة سمحت لها باستغلال هذه الموارد بقوة – ما ساعدها أن تصبح ورشة صناعة للعالم.

ومع ذلك، فإن وفرة الموارد الطبيعية في الصين أصبحت شيئاً من الماضي. وكما ذكر الكاتب مايكل بيكلي في كتابه «منطقة الخطر»، فقد استنفدت بكين تقريباً جل مواردها. وقبل عقد من الزمان، أصبحت الصين أكبر مستورد للسلع الزراعية في العالم. وتتقلص أراضيها الصالحة للزراعة بسبب التدهور والإفراط في الاستخدام. كما أن التطور السريع الذي تشهده الصين جعلها أكبر مستورد للطاقة في العالم، فهي تشتري ثلاثة أرباع نفطها من الخارج في وقت أصبحت فيه أميركا مُصدِّراً للطاقة.

الوضع المائي في الصين قاتم بشكل خاص، حيث يمثل سكان الصين 20% من سكان العالم ولكنها تسيطر فقط على 7% من المياه العذبة في العالم، وتعاني مناطق بأكملها في الصين، خصوصاً في الشمال، من ندرة المياه بشكل أسوأ من دول في الشرق الأوسط الذي يعاني أصلاً الجفاف.

اختفت آلاف الأنهار في الصين، بينما أفسد التصنيع والتلوث الكثير من مياه الأنهار المتبقية، وحسب بعض التقديرات، فإن 80% إلى 90% من المياه الجوفية في الصين ونصف مياه الأنهار متسخة للغاية بحيث أصبحت غير صالحة للشرب، ولا يمكن استخدام أكثر من نصف المياه الجوفية وربع مياه الأنهار في الصناعة أو الزراعة.

وهذه تشكّل معضلة كبيرة، حيث تضطر الصين إلى تحويل المياه من المناطق الرطبة نسبياً إلى الشمال الذي يعاني الجفاف، حيث يقدر الخبراء أن الدولة تخسر أكثر من 100 مليار دولار سنوياً نتيجة لندرة المياه، ويتسبب انحسار الزراعة غير المستدامة في تصحر أجزاء كبيرة من الأراضي، وأصبح نقص الطاقة المرتبط بالمياه شائعاً في جميع أنحاء البلاد.

وتشجع الحكومة على تقنين وتحسين كفاءة المياه، لكن لا يوجد شيء كافٍ لوقف المشكلة. هذا الشهر، أعلنت السلطات الصينية أن مدينتي قوانغتشو وشنتشن - وهما مدينتان رئيستان في دلتا نهر اللؤلؤ الغنية نسبياً بالمياه - ستواجهان موجة جفاف شديدة في العام المقبل.

أصبحت التداعيات الاقتصادية والسياسية تسبب قلقاً لهذه البلاد، حيث انضمت مشكلات الموارد الطبيعية في الصين إلى مجموعة من التحديات الأخرى المتعلقة بزيادة كُلفة النمو، والمتمثلة في الانكماش الديموغرافي، والمناخ السياسي الخانق بشكل متزايد، وتوقف أو انعكاس العديد من الإصلاحات الاقتصادية الرئيسة، وحدث تباطؤ كان له آثار واضحة حتى قبل أن تضرب جائحة «كوفيد-19» العالم.

في عام 2005، صرح رئيس مجلس الدولة ون جياباو أن ندرة المياه تهدد «بقاء الأمة الصينية»، وأعلن وزير الموارد المائية أن الصين يجب أن «تقاتل من أجل كل قطرة ماء أو نموت»، وبغض النظر عن المبالغة، غالباً ما تسير ندرة الموارد وعدم الاستقرار السياسي جنباً إلى جنب.

قد يتبع ذلك تصاعد التوترات الخارجية، ويشعر مراقبو الصين بالقلق من أنه إذا شعر الحزب الشيوعي الصيني بعدم الأمان محلياً، فقد يهاجم منافسيه الدوليين، حيث من المؤكد أن مشكلات المياه تسبب صراعاً جيوسياسياً.

وتتركز الكثير من المياه العذبة في الصين في مناطق، مثل التبت، التي استولت عليها الحكومة الشيوعية بالقوة بعد توليها السلطة في عام 1949، ولسنوات، حاولت الصين حل تحديات مواردها من خلال ترهيب جيرانها وإفقارهم، حيث تسببت بكين من خلال بنائها سلسلة من السدود العملاقة على نهر ميكونغ، في تتابع موجات الجفاف والفيضانات المدمرة في دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند ولاوس، التي تعتمد على هذا الممر المائي، وكان لتحويل مسار الأنهار في شينجيانغ آثار مدمرة في اتجاه مجرى النهر في آسيا الوسطى.

ومصدر التوتر المتزايد في جبال الهيمالايا تغذيه خطة الصين في بناء سد لحجز المياه الرئيسة قبل وصولها إلى الهند، تاركة هذا البلد وبنغلاديش أكبر الخاسرين. وكما يقول المحلل الاستراتيجي الهندي براهما تشيلاني «لقد ترافق توسع الصين الإقليمي في بحر الصين الجنوبي وجبال الهيمالايا، مع جهود أكثر خفية لتخصيص الموارد المائية في أحواض الأنهار العابرة للحدود».

• التطوّر السريع الذي تشهده الصين جعلها أكبر مستورد للطاقة في العالم، فهي تشتري ثلاثة أرباع نفطها من الخارج.

• في عام 2005، صرّح رئيس مجلس الدولة ون جياباو أن ندرة المياه تهدد «بقاء الأمة الصينية»، وأعلن وزير الموارد المائية أن الصين يجب أن «تقاتل من أجل كل قطرة ماء أو نموت»، وبغض النظر عن المبالغة، غالباً ما تسير ندرة الموارد وعدم الاستقرار السياسي جنباً إلى جنب.

• حاولت الصين لسنوات، حل تحديات مواردها من خلال ترهيب جيرانها وإفقارهم، حيث تسببت بكين من خلال بنائها سلسلة من السدود العملاقة على نهر ميكونغ، في تتابع موجات الجفاف والفيضانات المدمرة في دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند ولاوس، التي تعتمد على هذا الممر المائي، وكان لتحويل مسار الأنهار في شينجيانغ آثار مدمرة.

 

تويتر