المحللان الأميركيان لورانس كورب وستيف سيمبالا: الحرب ساحة غير المتوقع دائماً

غزو أوكرانيا لن يحقق أحلام روسيا

صورة

مع حشد روسيا لأكثر من 100 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، ردت الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتهديد موسكو بعقوبات سياسية واقتصادية صارمة، إذا ما غزت القوات الروسية أراضي أوكرانيا.

ولكن ضم روسيا لإقليم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ومواصلة إثارة الاضطرابات في جارتها الشرقية منذ 2014، يشير إلى أن التهديدات الغربية لا تجد دائماً آذاناً صاغية من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يفتح الباب أمام احتمال حدوث الغزو الروسي لأوكرانيا، سواء كان شاملاً أو جزئياً.

وفي هذا السياق، نشر المحللان الأميركيان، لورانس كورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع الأميركي خلال الفترة من 1981 إلى 1985، وستيف سيمبالا أستاذ العلوم السياسية البارز في جامعة بنسلفانيا، تحليلاً على موقع «ناشيونال إنترست» الأميركي، أكدا فيه أن غزو أوكرانيا لن يحقق توقعات وأحلام روسيا.

ويفترض بعض المحللين والمسؤولين الروس أنه إذا قررت موسكو شن عملية عسكرية واسعة ضد أوكرانيا، فستكون النتيجة حاسمة وسريعة، لأن القوات الأوكرانية لن تتمكن من المقاومة طويلاً، في ظل التفوق العسكري البري والجوي والبحري الكاسح للقوات الروسية.

دعوة إلى الوحدة

ولكن لورانس كورب، كبير الباحثين في معهد «أميركان بروجريسف»، وستيف سيمبالا صاحب العديد من الكتب في مجال الأمن القومي، يريان أنه إذا قررت روسيا القيام بغزو واسع لأوكرانيا، بدلاً من شن عملية محدودة ضد إقليم دونباس المتنازع عليه، فإن آمالها في تحقيق انتصار سريع وحاسم، وبكلفة مقبولة، ستخيب، فبعض المحللين فشلوا في النظر إلى كل العوامل التي قد تنقلب على المخططين الروس. والمفارقة أن إصرار «الناتو» على التظاهر بأن باب عضوية الحلف يجب أن يظل مفتوحا أمام أوكرانيا، وإصرار روسيا على ضرورة إعلان الحلف بشكل مسبق إغلاق الباب أمام أوكرانيا، يتجاهل بشكل واضح الحقائق العسكرية والاستراتيجية. فـ«الناتو» غير مستعد ولا يميل للدفاع عن أوكرانيا بالقوة المسلحة، ولم يدعُ كييف إلى الانضمام إليه حتى الآن. في المقابل، فإن الحشود العسكرية الروسية الضخمة على حدود أوكرانيا تقدم محفزاً جديداً للوحدة السياسية لدول حلف «الناتو»، وزيادة جاهزيته العسكرية، وتعزيز الرغبة في دراسة طلب أوكرانيا الانضمام إلى الحلف.

زيادة العزلة

باختصار، فإن أي حرب كبيرة في أوكرانيا ستزيد عزلة روسيا سياسياً، وتعرضها لخسائر عسكرية كبيرة، في ظل معاناة القوات المسلحة الروسية بالفعل من انتشارها الواسع لمواجهة التهديدات في منطقة القوقاز، وآسيا الوسطى، وسورية، وعلى الحدود الصينية.

كما يغامر بوتين بإثارة احتجاجات داخلية، إذا كانت الخسائر البشرية في صفوف القوات الروسية المحاربة في أوكرانيا كبيرة، أو إذا اتضح الفشل العملياتي والتكتيكي للقوات الروسية في مراحل مبكرة من الصراع.

كما أن الحرب هي ساحة غير المتوقع دائماً. ويمكن النظر إلى القتال من خلال قانون ميرفي، وتذكيرات كارل فون كلاوسفيتس بأن «الاحتكاك» يحدث بمجرد بدء إطلاق النار، ليتضح الفارق بين الحرب على الورق وحقيقة العمل العسكري.  

والأكثر أهمية، هو أن أي مواجهة عسكرية بين روسيا و«الناتو» ستكون على إيقاع تصعيد نووي. وكما يفترض، فإن على الطرفين التعلم من خبرات الحرب الباردة أن خطر نشوب مواجهة نووية سيظل قائماً في أي مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وروسيا.

وحتى دون وجود تهديدات من جانب «الناتو» وروسيا باستخدام السلاح النووي، فإن أي مواجهة عسكرية مباشرة، تفتح الباب أمام الأخطاء غير المقصودة والحسابات الخطأ، ليخرج أي صراع عن سيطرة صناع السياسة. كما أن أي افتراض من جانب «الناتو» أو روسيا بأن استخداماً «منتقى» للأسلحة النووية التكتيكية سيمنع المزيد من التصعيد، هو افتراض خطأ وخطر، بحسب تحليل كورب وسيمبالا.  

ومع ذلك، فإن المواجهة مع روسيا بشأن أوكرانيا، تمثل فرصة لحلف «الناتو» لكي يعيد التفكير في هدفه وأولوياته خلال القرن الـ21. فنجاح الحلف في الماضي استند إلى الوضوح والوحدة بشأن مهمته، وهي الدفاع عن الديمقراطيات في أوروبا، فـ«الناتو» ليس فيروساً يسعى إلى الانتشار في أي مكان ممكن بهدف الانتشار، وليس بديلاً لتجمع أمني أوروبي أوسع نطاقاً يضم روسيا، وغيرها من الدول غير الأعضاء في «الناتو» حالياً. والكثير من دول «الناتو» لديها تحديات داخلية كافية لكي تحافظ على حرياتها السياسية وديمقراطيتها في مواجهة تهديدات داخلية وليست خارجية.

ويحذر المحللان كورب وسيمبالا من أن المزيج السام للشعبوية والوطنية، والاستقطاب، والكذب الإعلامي، وغياب الفعالية التعليمية، والتطرف، ستغرق «العالم الحر» في هاوية التدمير الذاتي المناهض للديمقراطية، دون أي مساعدة من الأعداء الخارجيين، لذلك على الولايات المتحدة وحلفائها في حلف «الناتو» الاستعداد لمواجهة احتمال لجوء بوتين، وغيره من مناوئي الدول الغربية، إلى مزيج من تكتيكيات حرب «المنطقة الرمادية»، لتعظيم الفوائد، وتقليل المخاطر بالنسبة لموسكو.

ومن المحتمل أن تلجأ روسيا إلى خليط من الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والمعلوماتية، لكي تجعل الولايات المتحدة وحلفاءها في حالة عدم توازن، وتشوش سياسي، وعدم جاهزية عسكرية، وهذا هو التهديد الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة ودول «الناتو»، وليس استمرار حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية.

• إصرار «الناتو» على التظاهر بأن باب عضوية الحلف يجب أن يظل مفتوحاً أمام أوكرانيا، وإصرار روسيا على ضرورة إعلان الحلف بشكل مسبق إغلاق الباب أمام أوكرانيا، يتجاهل بشكل واضح الحقائق العسكرية والاستراتيجية.

• الحشود العسكرية الروسية الضخمة على حدود أوكرانيا تقدم محفزاً جديداً للوحدة السياسية لدول حلف «الناتو» وزيادة جاهزيته العسكرية، وتعزيز الرغبة في دراسة طلب أوكرانيا الانضمام إلى الحلف.

• يغامر بوتين بإثارة احتجاجات داخلية، إذا كانت الخسائر البشرية في صفوف القوات الروسية المحاربة في أوكرانيا كبيرة، أو إذا اتضح الفشل العملياتي والتكتيكي للقوات الروسية في مراحل مبكرة من الصراع.

تويتر