بسبب الاعتماد على القادمين من الجيش
العرب في إسرائيل مستبعدون من وظائف التكنولوجيا
عندما كان وسيم أبوسالم صبياً في الرابعة عشرة من عمره ويعيش في مدينة الناصرة، أراد تعلّم البرمجة أكثر من أي شيء آخر. ولكن لم يكن هناك مجال لذلك في مدينته، ولم يكن يعرف أحداً في المجتمع العربي يعمل في مجال الكمبيوتر.
وأصبح الآن في الـ30 من عمره، ويحمل شهادة في علوم الكمبيوتر وأخرى في القانون. وهو مؤسس أكاديمية «لوب» المتخصصة لتعليم الشباب كيفية البرمجة. ويعمل حالياً في تعليم الأطفال العرب في إسرائيل من سن السابعة حتى 18 عاماً، حيث وضع برنامجاً لذلك للجيل الحالي، لأنه لم يتوافر له ذلك عندما أراده. وشارك أبوسالم أيضاً في تأسيس «التورو»، وهي شركة ناشئة جديدة، تعمل منصتها على حشد وتدريب مطوري البرمجيات. ويقول أبوسالم وهو يجلس في غرفة المؤتمرات في مبنى شاهق في تل أبيب: «أحب فكرة تشكيل شيء جديد، يمكن أن يقدم شيئاً ذا قيمة ويحل المشكلات». وتمتلك هذا المبنى شركة «غوغل»، وتوفر مكاتب للشركات الناشئة.
ويعتبر أبوسالم واحداً من أقلية صغيرة للغاية من العاملين في التقنيات الحديثة في إسرائيل من المواطنين العرب. ووفق بيانات الحكومة الإسرائيلية فإن 2% من العاملين في قطاع التقنية الحديثة، الذي جلب العام الماضي 25.6 ملياراً من الاستثمارات، قد أصبحوا أنفسهم رجال أعمال.
وكان يجلس مع أبوسالم في الصالة ذاتها الشاب أحمد غبيلي، 26 عاماً، وهو مطور برمجيات لشركة «التورو»، والذي أجرى نحو 50 مقابلة قبل أن يتمكن من دخول هذه الصناعة قبل ست سنوات. وقال غبيلي: «لم تكن لدي العلاقات المناسبة. ولم أكن جزءاً من مجتمع صناعة التقنيات الحديثة».
مورد غير مستغل
تفتخر إسرائيل بنفسها لأنه يشار إليها باعتبارها «دولة ناشئة»، لكن قطاع صناعة التقنية الحديثة الذي يغذي اقتصادها استثنى أكبر أقلية، وهم المواطنون الفلسطينيون العرب الذين يشكلون 21% من السكان. ويجري ذلك على الرغم من أن إسرائيل تواجه نقصاً كبيراً في مهندسي الكمبيوتر، والعاملين الآخرين في هذا المجال، والذين يعادلون 6% من القوة العاملة في مجال التقنية الحديثة.
وكما هي الحال في الأماكن الأخرى، فإن العلاقات مهمة في ثقافة التقنية الإسرائيلية. وتنتشر أخبار الوظائف عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والمهني المخصصة لليهود الإسرائيليين، والذين يعرف بعضهم بعضاً من نخبة وحدات التقنية الحديثة في الجيش، والخدمة العسكرية التي تمنحهم تجربة قيّمة جداً قبل الدخول في قوة العمل المدنية.
ولكن ذلك بدأ يتغير الآن، إذ قامت منظمة تدعى «إيتي وركس» بإدخال 4500 عامل عربي في وظائف التقنية الحديثة منذ عام 2008. وتبذل منظمة «تسوفين»، التي يديرها العرب واليهود، جهوداً لإدخال شركات التقنية إلى المدن والبلدات العربية، ومعظمها بعيدة عن مركز صناعة التقنيات الحديثة في تل أبيب.
وعلى نحو ملحوظ، خصصت الميزانية التي أصدرتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة ذات الطيف السياسي الواسع 188 مليون دولار من أجل خطة تمتد لخمس سنوات لإضافة مهندسين عرب إلى قطاع التقنية الحديثة، على أمل زيادة مستوى معيشة الوسط العربي وتعزيز التعايش في المجتمع الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن قطاع التقنية الحديثة يشكل أقل من 10% من قوة العمل في إسرائيل، إلا أنه يمثل نحو 15% من الناتج المحلي في إسرائيل، و43% من الصادرات. ويبلغ معدل ما يتقاضاه العاملون في هذا القطاع نحو 98 ألف دولار سنوياً، أي ضعفي ما هو متعارف عليه في القطاعات الأخرى.
قطعة أكبر من الكعكة
سارت التغيرات في الوسط العربي على قدم وساق، والذي ظل لعقود عدة معزولاً عن الإسرائيليين، جغرافياً، واجتماعياً، وغالباً ما كان ينظر إليه نظرة تشكك. ولكن أخيراً، أصبح المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل في اندماج متزايد، من الناحية الاقتصادية والسياسية، وصريحين في المطالبة بحقوقهم.
وكان حزب القائمة العربية الموحدة، أول حزب عربي في ائتلاف حكومي، يطالب بتمويل اندماج العرب في اقتصاد التقنيات الحديثة. وتزايدت أعداد طلبة الجامعات العرب الذين يتخصصون في علوم الكمبيوتر والمجالات المتعلقة بها، على الرغم من أن طلبة الطبقة المتوسطة انجذبوا إلى مجالات أكثر تقليدية مثل الطب، بدلاً من قطاع التقنية المحفوف بالمخاطر، والذي يصعب الوصول إليه. وجاءت المساعدة من رواد الأعمال.
تلبية الطلب
تعمل ليان منصور، من قرية كوكب أبوالهيجا، التي تقع في منطقة الجليل، على مساعدة الخريجين أثناء بحثهم عن العمل، وتقدم لهم النصيحة حول كيفية نقل الثقة والتفاوض للحصول على راتب جيد، والتحقق من الشركات من أجل الحصول على آرائها. وتقول منصور: «العديد من الخريجين العرب يتمتعون بالقدرات الجيدة»، مضيفة، ولكنهم يحتاجون إلى الدعم من أجل الوصول إلى المقابلة. والتقت مع خريجين بمعدلات مرتفعة جداً ويمضون أشهراً عدة في محاولتهم العثور على عمل، على الرغم من أن هذه الصناعة تعاني نقصاً في قوة العمل، فهي بحاجة إلى 21 ألف مهندس كمبيوتر على الأقل. وتقوم الشركات الإسرائيلية بنقل العمل إلى دول مثل أوكرانيا وبولندا من أجل سد هذا النقص.
وقال مستشار التواصل الإسرائيلي، أمير ميزروك، الذي يعمل في شركات التقنية الإسرائيلية، بعد ذكر المليارات من الاستثمارات في قطاع التقنية في إسرائيل العام الماضي: «حتى الآن فإنها تحطم كل الأرقام، ولكن الشركات لا يمكنها النمو، لأنها لا توظف المزيد من العاملين، والسؤال كيف يمكنها النمو؟
وهو يتحسر لأن إسرائيل لطالما كانت تعتمد على ما وصفه بـ«القُمع الضيق» للجيش، باعتباره الأرضية الرئيسة للتدريب، والجهة سريعة التقدم في مجال التكنولوجيا. وحذرت هيئة الابتكار الإسرائيلي من أنه من دون ارتفاع في عدد العاملين في مجال التقنية، فإن «الاقتصاد الإسرائيلي سيصل إلى نهاية سيئة».
تغيرات في المجتمع العربي
ترعرعت سيرين نجيم كيال كطالبة، وتميزت في مواد الرياضيات والعلوم في قرية صغيرة في مدينة عكا. وأذهلت والديها عندما رفضت خططهما لأن تصبح طبيبة، الأمر الذي اعتبراه خياراً طبيعياً، ومقبولاً اجتماعياً لطالب يحمل مثل درجاتها المتفوقة، واختارت بدلاً من ذلك دراسة الهندسة. ولم يكن في قريتها في ذلك الوقت أي مهندس.
وحزن والدها على خيارها حتى أنه رفض حضور حفل تخرّجها في معهد «التخنيون»، وهو المعادل لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. وكان أشقاؤها الثلاثة متخصصين في الطب. وقالت كيال التي أصبحت الآن في الـ30 من عمرها: «أصبح تحدياً كبيراً بالنسبة لي أمام الجميع، أن أصبح جزءاً من قطاع التقنية الإسرائيلي».
وبمساعدة من منظمة «ايتي وركس» تمكنت من الحصول على أول عمل لها، أخيراً، في منصب إداري في شركة للطاقة الشمسية. ومكنتها أسهمها في الشركة على مساعدة زوجها لشراء شقة. وهي تقول إن والدها أصبح الآن يفتخر بنجاحها.
ويقول أبوسالم، مؤسس أكاديمية البرمجة، إنه يعتقد أن جائحة «كورونا» ساعدت على تغيير الطريقة التي ينظر بها الآباء إلى احتمالات مستقبل أبنائهم في الاقتصاد التقني. وأضاف «بدأ الآباء يفهمون أهمية التقنية، وأنها جزء من حياتنا. ولهذا بدأوا يشجعون أطفالهم على دراسة علوم الكمبيوتر». وترى مروى أغباريا، 25 عاماً، من مدينة أم الفحم، أنها ممتنة لوالديها اللذين دعماها عندما غادرت المنزل لدراسة علوم الكمبيوتر في جامعة تل أبيب. في الوقت الذي كان يدرس في هذا القسم نحو 500 طالب، كان من بينهم 10 نساء عربيات. وأصبحت الآن العربية الوحيدة في شركة ناشئة في تل أبيب، وتعمل في تطوير البرمجيات.
• سارت التغيّرات في الوسط العربي على قدم وساق، بعد أن ظل لعقود عدة معزولاً عن الإسرائيليين، جغرافياً، واجتماعياً، وغالباً ما كان ينظر إليه نظرة تشكك.
• تبذل منظمة «تسوفين»، التي يديرها العرب واليهود، جهوداً لإدخال شركات التقنية إلى المدن والبلدات العربية، ومعظمها بعيدة عن مركز صناعة التقنيات الحديثة في تل أبيب.
دينا كرافت ■ مراسلة صحيفة «ساينس مونيتور» في إسرائيل
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news