السياسي الأميركي راند بول: الدبلوماسية مستحيلة أثناء الغزو
هجوم بوتين على أوكرانيا يغيّر قواعد واقعية السياسة الخارجية
تعني الواقعية في السياسة الخارجية أن التكتيكات والاستراتيجية تتغير مع تغير الحقائق على الأرض. ولم تعد أفضل سبل ردع غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، مناسبة كثيراً الآن بعد أن تم الغزو.
ويقول السياسي الأميركي راند بول، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي، إن العقوبات والتهديدات بفرض حظر كانت قبل غزو بوتين بمثابة أدوات لردع طموحه. وتم فرض الكثير من العقوبات، التي شملت خط أنابيب «نورد ستريم 2» من روسيا لألمانيا. وقبل حدوث أي غزو، رأى الكثير من الدبلوماسيين، أن العقوبات أو استفزاز الحظر تماثل قتل الرهينة دون تقديم أي مطالب.
تهديد خافت
ويمكن القول إن التهديد الألماني بوقف خط أنابيب «نوردستريم 2» كان خافتاً، واعتقد بوتين أن الألمان يراوغون. وكان يتعين أن يرد الألمان على ذلك بأن تهديدهم تم إقراره كتابة صراحة في اتفاق مع الولايات المتحدة لرفض السماح لروسيا باستخدام الطاقة سلاحاً.
ولكن في حقيقة الأمر، لم يكن الألمان بالوضوح الذي كان لزاماً عليهم، على الأقل علانية، لتوضيح أنهم جادون بالنسبة لإلغاء «نوردستريم 2».
ويقول بول في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إنه في ظل تولي غيرهارد شرودر، وهو مستشار ألماني سابق، مناصب قيادية في شركة خط أنابيب «نوردستريم 2» وشركة الطاقة الروسية الحكومية روزنفت، كانت الرسالة التي تم إرسالها إلى روسيا، هي أنه ربما تكون تهديدات الحكومة الألمانية لخط «نوردستريم 2» غير جدية.
ويقول بول إن كل ذلك أصبح الآن ماء تحت الجسر. فنحن نعيش في عالم جديد، أظهر فيه بوتين خطوطه العريضة، وقام بغزو دولة أخرى ذات سيادة. ولن يتذكر التاريخ هذا العدوان على أنه عمل عبقري، بل حماقة. وسيكشف الزمن أن بوتين لم يخطئ فقط في سوء تقدير إرادة المقاومة الأوكرانية، بل أيضاً في تقدير تضافر الإرادات الأوروبية والأميركية للوقوف في وجهه.
وأكد بول أن فرض العقوبات قبل الغزو لم يكن ذا مغزى كبير، لأنه لم يكن هناك أي إجراء من جانب روسيا يمكن تحديده يؤدي إلى إنهاء العقوبات. وينطبق المنطق نفسه على عشرات العقوبات ضد الصين، وإيران، وكوريا الشمالية. فمن دون مطالب محددة، تتراكم هذه العقوبات كنوع من المضايقات، لكن لم تحقق تاريخياً تغيرات السلوك المطلوبة.
أثر العقوبات
ورغم أن العقوبات التي سبقت الغزو لم تردع بوتين، فإن السؤال هو: هل سوف تغير العقوبات الأكثر قوة، أو حتى الرفض الكامل لشراء البتروكيماويات الروسية، سلوك روسيا الآن؟ الإجابة غير معروفة، ولكن في هذه المرحلة يعتبر القول بأن العقوبات قد تؤدي إلى استفزاز يسفر عن غزو، يعد أمراً جدلياً. فالأمر الأكثر أهمية هو أن فرض العقوبات الآن يمكن ربطه بمطلب محدد، وهو انسحاب روسيا من أوكرانيا.
ويرى بول أن الدبلوماسية تتطلب أخذاً وعطاء، ولكن في حقيقة الأمر تعتبر الدبلوماسية مستحيلة أثناء الغزو. فقبل الغزو، كان السماح بانضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أمراً استفزازياً للغاية، ولكن كان يتم طرحه منذ نحو 12 عاماً دون إحراز أي تقدم. وكان الوضع لإثارة ضيق روسيا أكثر منه أمراً واقعاً. ومن وجهة نظر روسيا، يعتبر السماح بانضمام أوكرانيا لتحالف عسكري ضد روسيا، مماثلاً لضم المكسيك لتحالف عسكري مع روسيا ضد الولايات المتحدة.
إعادة بناء الإمبراطورية
ومع ذلك، فإنه لو كان منع انضمام أوكرانيا للناتو هو الهدف الرئيس لبوتين، لكان من السهل أن يستمر في التفاوض. وبعد غزو بوتين أصبحت المطالبات بانضمام أوكرانيا للناتو أعلى صوتاً وأفضل استقبالاً. ومازال انضمام أوكرانيا للناتو فكرة سيئة وقد تؤدي لحرب عالمية ولكن يتعين عدم التظاهر بأن العمل على إبعاد أوكرانيا عن الناتو هو الهدف الرئيس لبوتين. فهدفه الرئيس واضح تماماً وهو إعادة تأسيس إمبراطورية روسية.
ويقول بول «تنتهي الحرب أحياناً باستسلام غير مشروط. وأشك أن هذا هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، لأنه من الواضح أن بوتين لم يتوقع مستوى المقاومة من جانب الأوكرانيين. وإذا ما قتل الروس الرئيس الأوكراني، فإنني أتوقع أن النتيجة ستكون حرباً مطولة، أو تمرداً. إن بوتين لم يفكر في أن شعب أوكرانيا وهي محتلة، قد يقرر تخريب خط الأنابيب الروسي الذي يعبر أراضيهم. ولم يتوقع بوتين تأثير العقوبات القاسية الموحدة من كل أوروبا والولايات المتحدة. ولم يفكر بوتين في ما سيكون عليه احتلال دولة غاضبة بضراوة».
لا تنازل
وأكد بول أنه لا يتوقع أن تتنازل أوكرانيا عن أي جزء من أراضيها، وأنها سوف تواصل القتال ضد الجنود المحتلين لأراضيها، من دون نهاية تلوح في الأفق.
ومع ذلك يعتقد بول أن هناك ورقة مغرية يمكن أن تقدمها أوكرانيا، إذا كانت تريد انسحاب روسيا الكامل من أراضيها، وهي البقاء دولة محايدة، لها قدم في الشرق وقدم في الغرب، رغم عدم رضا الصقور في الكونغرس عن مثل هذه النتيجة. وفي الحقيقة لن تعني حيادية أوكرانيا التخلي عن أي شيء، وسوف تمكن أوكرانيا من مشاهدة روسيا وأوروبا تتنافسان لمصلحتها.
وفي ختام تقريره أعرب بول عن مخاوفه من عدم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، إلا إذا نجحت أوكرانيا في جعل ثمن الاحتلال غير مقبول بالنسبة لروسيا. ويخشى بول من أن هناك طريقاً طويلاً وعنيفاً ينتظر أوكرانيا.
• التهديد الألماني بوقف خط أنابي بـ «نوردستريم 2» كان خافتاً، واعتقد بوتين أن الألمان يراوغون. وكان يتعين أن يرد الألمان بأن تهديدهم أقر كتابة صراحة في اتفاق مع أميركا لعدم تمكين روسيا من استخدام الطاقة سلاحاً.
• قبل الغزو، كان السماح بانضمام أوكرانيا للناتو أمراً استفزازياً للغاية، ولكن كان يتم طرحه منذ نحو 12 عاماً دون إحراز أي تقدم. وكان الوضع لإثارة ضيق روسيا أكثر منه أمراً واقعاً. ومن وجهة نظر روسيا، يعتبر السماح بانضمام أوكرانيا لتحالف عسكري ضد روسيا مماثلاً لضم المكسيك لتحالف عسكري مع روسيا ضد الولايات المتحدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news