2000 فلسطيني في الخليل.. 22 عاماً من الاعتداء والتضييق
ست ساعات متواصلة، انطلاقاً من مدينة رام الله حتى أقصى جنوب مدينة الخليل الصحراوي، جنوبي الضفة الغربية، يقضي الفلسطيني جميل العمور رحلة تشق الأنفس وتحبس الأنفاس، أثناء التنقل بين المناطق الفلسطينية، والمرور عبر الحواجز العسكرية والبوابات الحديدية الإسرائيلية المترامية على طول طرق الضفة، وصولاً إلى منطقة «مسافر يطا»، التي تحتضن (12) تجمعاً بدوياً.
العمور الذي يقطن قرية «الفخيت» أحد تجمعات «مسافر يطا»، يداوم مجبراً على هذه الصورة بشكل يومي، من أجل توفير لقمة العيش لأطفاله من خلال العمل داخل مناطق الضفة، بعد أن هدم الاحتلال منشآت حيوانية وزراعية كانت تعد مصدر رزقه الوحيد، في عام 2020، وجرف عشرات الدونمات الزراعية وصادرها، ليقضي بذلك على آماله بانتظار جني ثمار الأرض ليؤمّن حياة كريمة تتمناها عائلته طويلاً.
المعاناة التي يتجرع مرارتها الأب، تطال أطفاله أيضاً، وعلى مدار أيام الأسبوع، حيث يضطرون يومياً للاستيقاظ مبكراً مع ساعات الفجر، استعداداً لقطع مسافات طويلة ووعرة، سيراً على الأقدام، من أجل الوصول إلى مقاعد الدراسة الموجودة في مناطق بعيدة عن «مسافر يطا» التي تفتقر الى أدنى مقومات البقاء، وأبسط خدمات الحياة اليومية.
ويسكن العمور وسكان المسافر داخل التجمعات البدوية، التي أقاموها منذ عشرات السنين، وهي، «جنبا»، و«الفخيت، و«المركز»، و«المجاز»، و«التبان»، و«مغاير العبيد»، و«المفقرة»، و«الطوبا»، و«خلة الضبع»، و«صفى الفوقا»، و«التحتى»، و«الحلاوة».
22 عاماً من التضييق
بجوار حدود المملكة الأردنية الهاشمية، وتحديداً محافظة «الكرك»، وعلى طول مسافة تبلغ 200 كيلومتر، انطلاقاً من شمال الضفة، وعلى بعد 25 كيلومتراً من وسط مدينة الخليل، على سفوح تلال آخر منطقة مأهولة على الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل، المعروف باسم «الخط الأخضر»، يعيش 2000 فلسطيني حياة بدائية قاسية، داخل المغر والكهوف القديمة، التي تلاصقها بيوت من ألواح الصفيح المتهالكة، والأخشاب المتعاضدة.
ويواجه السكان هذا المصير منذ عام 2000، عندما استولى الاحتلال قسراً على أراضيهم، بذريعة أنها مناطق عسكرية، ومنذ ذلك الوقت تتعرض «مسافر يطا» البدوية لفصول طويلة ومتعددة من التضييق والمصادرة والحرمان.
اليوم، وبعد رفض المحكمة الإسرائيلية التماساً قضائياً قدمه أهالي تجمعات «مسافر يطا»، ضد قرار الاحتلال بإعلان تجمعاتهم السكانية وأراضيهم الزراعية مناطق «إطلاق نار» منذ 22 عاماً مضت، أضحى 2000 فلسطيني على بعد خطوة واحدة من تهجير يتربص لهم للمرة الثانية، بعد طردهم منها في عام 2000.
ويقول رئيس المجلس المحلي في «مسافر يطا»، نضال يونس: «إنه في يوم الخميس الموافق 5 مايو الجاري، رفضت محكمة الاحتلال الالتماس الذي تقدمنا به، ونخوض بموجبه معركة قضائية منذ سنوات طويلة، لاسترجاع أراضينا المصادرة، ومزاولة عملنا الوحيد في الزراعة وتربية الأغنام، دون التعرض لتضييق واعتداءات القوات الإسرائيلية، التي تحرمنا حقوقنا، بذريعة أن أراضي «مسافر يطا» مناطق خاصة بإطلاق النار والتدريب العسكري».
ويمضي يونس بالقول: «إن الاحتلال إلى جانب قرار رفض التماس أهالي تجمعات يطا، وتهديدهم بالطرد من أراضيهم، فإن إسرائيل وبعد 22 عاماً من المصادرة والتضييق داخل أرضنا، والمماطلة في أروقة القضاء، تعطي الضوء الأخضر لوحداتها العسكرية بتهجير سكان تجمعات (مسافر يطا)، ومصادرة ممتلكاتهم، والسيطرة على أراضيهم».
وكانت تجمعات «مسافر يطا» قد تعرضت بقوة السلاح للتهجير القسري في عام 2000، وصدر حينها أمر احترازي بعدم تهجير السكان وعودتهم إلى أراضيهم، وعلى إثر ذلك تقدم السكان بالتماس قانوني، يرتكز على أحقيتهم بامتلاك دونماتهم الزراعية المسلوبة، ويستند الى الوثائق والأدلة الثبوتية كافة، التي تؤكد امتلاكهم لقراهم وأرضهم عبر الأزمنة والعصور التاريخية، وذلك بحسب يونس.
ويشير رئيس مجلس قروي «مسافر يطا» إلى أن سكان «مسافر يطا» على مدار سنوات معركتهم القانونية يواجهون سياسة التضييق، وممارسات الانتهاكات بحقهم، لإفشال التماسهم داخل أروقة المحاكم الإسرائيلية، وبهدف إجبارهم على الرحيل من قراهم وأرضهم، لصالح مشروعات التوسع الاستيطاني.
مخططات واعتداءات
سياسة تهجير سكان «مسافر يطا»، لا تتوقف على مخططات متعددة الأطماع، تنفذها قوات الاحتلال بقوة السلاح، فالمستوطنات الجاثمة على أراضي الفلسطينيين تحاصرهم من كل حدب وصوب، ليكمل المستوطنون دائرة المعاناة والتضييق، من خلال ارتكابهم اعتداءات يومية ضد السكان وممتلكاتهم، وأغنامهم أيضاً.
ووفقاً لبيانات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، هدمت سلطات الاحتلال أو صادرت (217) مبنى فلسطينياً في تلك المناطق، منذ عام 2011، وهجرت بذلك (608) فلسطينيين.
من جهة ثانية، يقول الباحث في مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق، محمد الحروب، وهو من سكان الخليل، لـ«الإمارات اليوم»: «إن قوات الاحتلال لم تكتفِ بسياسة تهجير سكان (مسافر يطا)، بل أقامت على أراضي قرى المسافر وفي محيطها تسع مستوطنات، منها، ماعون، والكرمل، وأم العريس، وكرمئيل، وسوسيه، بينما يرتكب المستوطنون يومياً عشرات الاعتداءات بحق السكان وممتلكاتهم وماشيتهم، إلى جانب تسميم آبار المياه المستخدمة في ري محاصيل الأراضي الزراعية».
ويبين أن إسرائيل تحاول جاهدة السيطرة على أراضي «مسافر يطا» البدوية، عبر عمليات الملاحقة ضد رعاة الأغنام والمزارعين في التجمعات الشرقية، وإطلاق اليد للمستوطنين للاعتداء على الأهالي، واستباحة أرضهم وممتلكاتهم.
وتمتد منطقة «مسافر يطا» على مساحة تبلغ (35) ألف دونم، وتتاخم المنطقة الجنوبية الفاصلة بين أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وبقية فلسطين التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، وهو ما جعلها مطمع الاحتلال والمستوطنين، وذلك بحسب الحروب.
ويلفت الباحث في مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق، إلى أن أراضي «مسافر» أعلنتها سلطات الاحتلال في سبعينات القرن الماضي منطقة عسكرية، بموجب قرار عسكري رقم (918)، وفي عام 1999 بدأت ملاحقة السكان بقرارات الإخلاء وهدم مساكنهم، وإقامة المستوطنات فوق أرضهم وممتلكاتهم.
بعد رفض المحكمة الإسرائيلية التماساً قضائياً قدمه أهالي تجمعات «مسافر يطا»، ضد قرار الاحتلال بإعلان تجمعاتهم السكانية وأراضيهم الزراعية مناطق «إطلاق نار» منذ 22 عاماً مضت، أضحى 2000 فلسطيني على بعد خطوة من التهجير.
تمتد منطقة «مسافر يطا» على مساحة تبلغ (35) ألف دونم، وتتاخم المنطقة الجنوبية الفاصلة بين أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وبقية فلسطين التي احتلتها إسرائيل عام 1967.