حركة معارضة جديدة بدأت التأثير على المشهد اللبناني
أصبح لبنان دولة فاشلة، ومصدراً عالمياً لتجارة المخدرات والإرهاب، ومرة أخرى موطناً لأعداد متزايدة من اللاجئين. ونتيجة فشل واشنطن في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتركيزها على إيران، اقتصرت سياستها في لبنان على إدارة الأزمة. ولكن الانتخابات البرلمانية اللبنانية في الـ15 من مايو الماضي، شهدت أول التحركات من أجل ائتلاف برلماني قادر على إزاحة «حزب الله» وقبضته الحديدية عن الدولة. وخسر الحزب وحلفاؤه الأغلبية في البرلمان، ويواجهون الآن أكبر معارضة منذ عام 2009، وهو تحالف فضفاض، يتشكل من حزب القوات اللبنانية ومختلف الأعضاء المستقلين، حيث يشكلون 60 عضواً من أصل 128 كامل أعضاء البرلمان.
أغلبية ضئيلة لبري
وعلى الرغم من أن المجلس التشريعي الجديد انتخب حليف «حزب الله»، وزعيم حركة أمل، نبيل بري، رئيساً للبرلمان، إلا أنه تمكن من ذلك بأغلبية ضئيلة هي 65 مقابل 128 صوتاً، مقارنة بعام 2018، حيث صوّت 98 عضواً لمصلحة انتخاب بري رئيساً للبرلمان. ولم تكن هذه الأصوات التي حصل عليها بري ممكنة لولا الأصوات التي يسيطر عليها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي لعب دور صانع الملوك. وحقق إلياس بوصعب من التيار الوطني الحر، وهو حليف مسيحي لـ«حزب الله»، 65 صوتاً من أجل منصب نائب رئيس البرلمان، ولكن منافسه المستقل غسان سكاف حقق 60 صوتاً، الأمر الذي يظهر مدى قوة الائتلاف المعارض. ويشكل حزب القوات اللبنانية، وهي ميليشيات مسيحية سابقة تحولت إلى حزب له 20 مقعداً في البرلمان، نواة هذا الائتلاف، مقابل «حزب الله» الذي لديه 13 مقعداً.
القوات اللبنانية
وعلى الرغم من أن جنبلاط كان متحالفاً مع «حزب الله» في السنوات الأخيرة، إلا أن الشكل الصحيح من الضغوط والمحفزات، يمكن أن يحبط خطط «حزب الله» للسيطرة على الحكومة اللبنانية، ويرجع ذلك إلى أن انهيار الاقتصاد اللبناني يمنح خصوم «حزب الله» شعوراً جديداً للإلحاح في انتقاد الحزب، حتى بعد خسارتهم الانتخابات. وطالبت الكتل المناوئة للحزب بأن يقوم بتفكيك قواته المسلحة التي يبلغ قوامها نحو 30 ألف مقاتل، ومتحالفة بقوة مع إيران، تماماً كما فعلت القوات اللبنانية عندما سلمت أسلحتها في نهاية الحرب الأهلية عام 1991.
ومنذ تفكيك جناحها العسكري، ظلت القوات اللبنانية حركة سياسية منظمة جيداً، حيث أظهرت أن الحزب السياسي من دون ميليشيات مرتبطة به، يمكن أن ينجح في السياسة اللبنانية.
البطريرك والنفوذ الإيراني
وتعمل المعارضة على تحفيز السياسة الخارجية أيضاً. ويعتبر زعيم الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي، ميليشيات «حزب الله» مسؤولة عن تقويض الاستقرار في لبنان، وإبعاد الاستثمارات الأجنبية، وقتل النمو الاقتصادي. ويرى الراعي أن الطريقة المناسبة لخروج لبنان من أزمته الراهنة تكمن في تجريد «حزب الله» من أسلحته، والتخلص من النفوذ الإيراني، إضافة إلى تنشيط اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل.
واشترطت المنظمات المالية الدولية القيام بإجراءات إصلاحية، لتقديم المساعدة، ولكن حلفاء «حزب الله» السياسيين، المحميين من ميليشيات «حزب الله»، منعوا حدوث مثل هذا الإصلاح، خوفاً من أن يؤدي إلى تجفيف تدفق الأموال الفاسدة التي اعتادوا الحصول عليها. في المقابل، وافق هؤلاء الحلفاء على بقاء «حزب الله» مسلحاً. وكان الراعي أول من لفت انتباه العامة بأنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح ونمو اقتصادي دون نزع سلاح «حزب الله» أولاً. ونظراً إلى مكانته كزعيم ديني، أصبح هذا الرجل هو صوت الحركة الذي يطالب بنزع سلاح «حزب الله».
لا أغلبية في البرلمان
واعترف زعيم «حزب الله»، حسن نصر الله، في خطابه الذي أعقب الانتخابات، أنه لم يتمكن أي حزب أو ائتلاف من الفوز بالأغلبية، ولكن بالنظر إلى قدرته على ترهيب المنافسين، لايزال «حزب الله» يتمتع بالأفضلية. وعلى الأقل فإن الحزب وميليشياته يستطيعون إثارة المتاعب، وشل الدولة، حتى يتمكنوا من الحصول على ما يريدون، وحتى عندما كانت الأغلبية البرلمانية معادية لـ«حزب الله» في عامي 2005 و2009 لم يتمكنوا من إبعاد الحزب عن السلطة.
وبالطبع، فإن نزع سلاح «حزب الله» بالقوة عملية دموية لا يوجد هناك من هو مستعد للقيام بها، ولكن الحزب لديه نقطة ضعف، تتمثل في أنه يتظاهر بأن قواته المسلحة غير القانونية تتمتع بموافقة مجلس الوزراء المنتخب، ولكن مجلس الوزراء يسيطر عليه أنصار «حزب الله». وإذا تمكنت المعارضة من إنشاء جبهة قوية يكون نفوذها قوياً على الحكومة، فستتمكن عندها من نزع سلاح «حزب الله».
وتظهر انتخابات 15 مايو الماضي أن الناخبين اللبنانيين غاضبون من الرئيس اللبناني ميشيل عون، إذ إنه أوقف حزبه «التيار الوطني الحر» كعقبة رئيسة في وجه تشكيل جبهة موحدة ضد «حزب الله». وشاهد زوج ابنة عون، وزير الخارجية والمغتربين السابق جبران باسيل، أعضاء حزبه يتناقصون في البرلمان من 23 عضواً إلى 18. وحتى في معقل «حزب الله» الانتخابي في منطقة الجنوب اللبناني، تمكنت المعارضة لـ«حزب الله» من الفوز بمقعدين، على الرغم من المضايقات والترهيب.
البلاء المزدوج
وأظهرت انتخابات هذا العام أن المسيحيين والدروز والسنة في لبنان وعدداً كبيراً من الناخبين الشيعة قد ضاقوا ذرعاً بالبلاء المزدوج، المتمثل بالفساد و«حزب الله». وكانت إيران قد زرعت هذه الميليشيات في ثمانينات القرن الماضي، وزودتها بالأسلحة والدعم المالي الكبير منذ تلك الفترة. والمشكلة بالنسبة للبنان أن طهران ووكلاءها اللبنانيين يعطون الأولوية للميليشيات، متجاهلين الحاجات الأكثر إلحاحاً للبنان، مثل الإصلاح، والحرية المدنية، والتعافي من الأزمة الاقتصادية العميقة حالياً.
وربما يستخدم «حزب الله» العنف ضد الذين يهددون موقفه المسيطر بالطريقة ذاتها التي هاجمت بها الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، منذ تعرضها للخسارة في انتخابات أكتوبر الماضي. وينبغي على الشعب اللبناني أن يقرر ما إذا كان مستعداً لمواجهة هذا الخطر.
حسين عبدالحسين باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومدير تحرير سابق في صحيفة «ديلي ستار» اللبنانية
«حزب الله» وميليشياته يستطيعون إثارة المتاعب وشل الدولة ليحصلوا على ما يريدون.
أظهرت انتخابات هذا العام أن المسيحيين والدروز والسنة في لبنان وعدداً كبيراً من الناخبين الشيعة قد ضاقوا ذرعاً بالبلاء المزدوج المتمثل بالفساد و«حزب الله».