يمكنه التعامل مع المعارضة وإنشاء تحالفات
ماكرون أمام اختبار قيادة فرنسا من دون أغلبية برلمانية
فاز إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، في أبريل، بسهولة، ولكن تداعيات الانتخابات البرلمانية، التي أجريت قبل أسابيع، ونتائجها المفاجئة، قلبت موازين السياسة في فرنسا. ويبدو المشهد السياسي الفرنسي أقل استقراراً من نواحٍ معينة، ولكن ليس موضع شك جوهرياً، على الرغم من إمكانية حدوث أي شيء في فرنسا.
ولم يكن هناك الكثير من الشك في أن ماكرون سيفوز في الانتخابات الرئاسية، لأن خصمه في جولة الإعادة كان مرة أخرى الزعيمة اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، كما كان الحال في عام 2017. ولم يكن هناك الكثير من الشك في أن هامش فوزه سيكون أقل من المرة السابقة. وخففت لوبان من نبرتها، وفي هذه الانتخابات كانت لديها ميزة إضافية، تتمثل في ظهور إريك زمور، وهو متمرد يميني أكثر تطرفاً جعلها تبدو أقل تشدداً.
خسارة أكبر من المتوقع
وفي الانتخابات البرلمانية، كان السؤال المطروح هو ما إذا كان ائتلاف ماكرون الجديد المكون من ثلاثة أحزاب، سيفوز بأغلبية مطلقة (كما فعل حزبه بنفسه في عام 2017). وقال منظمو الاستطلاعات إنه لن يحدث، وفي الواقع لم يفعل ذلك. ولكن خسائره كانت أكبر من المتوقع. وفي البرلمان المكون من 577 مقعداً، الأغلبية هي 289. وحصل تحالف ماكرون على 245 مقعداً، فقط، وبالتالي، يدير الائتلاف حكومة أقلية تحتاج إلى 44 صوتاً، من أحزاب أخرى، لتمرير مشاريع القوانين.
ووضع الأقلية هذا ليس ميؤوساً منه كما يبدو، لأن أكبر أحزاب المعارضة، ضمن اليمين المتطرف واليسار المتطرف، يعارض بعضها بعضاً تماماً. وتتزعم لوبان التجمع الوطني اليميني (89 مقعداً)، بينما يقود جان لوك ميلينشون ائتلافاً مكوناً من 131 مقعداً للأحزاب اليسارية (حزبه فرنسا الأبية، إضافة إلى الخضر والاشتراكيين والشيوعيين).
وحتى لو عمل الحزبان على إسقاط الحكومة، فلن تكون لديهما الأصوات الكافية لفعل ذلك، وقد يدفعهم الناخبون إلى المخاطرة بالفوضى السياسية. في المقابل، هناك أصوات في أماكن أخرى في البرلمان يمكن لحكومة الأقلية التي يتزعمها ماكرون أن تأمل في حشدها، على أساس تفاوضي، وكل حالة على حدة. وأهمها أصوات حزب «الجمهوريون»، وهو حزب مؤسسي من يمين الوسط، حصل على 61 مقعداً، أي ما يكفي للوصول إلى أغلبية تصويتية مع ماكرون.
ضعف أوروبا
لكن الجمهوريين يعرّفون أنفسهم بأنهم في المعارضة، ويرفضون الانضمام إلى الائتلاف الحكومي «الماكروني». إنها مهارة برلمانية. وهذا يمنح الجمهوريين نفوذاً في السياسة، وكونهم في المعارضة يمنح قادتهم نظرة مستقلة كمنافسين للرئاسة في عام 2027. وقد انتخب زعيمهم، نيكولا ساركوزي، رئيساً في عام 2007، وكان آخر، وهو فرانسوا فيون، من كبار المنافسين في 2017، حتى وقع في فضيحة مالية.
باختصار، على عكس النمط المألوف- يسار/يمين، تنقسم السياسة الفرنسية الآن إلى ثلاث كتل، فهناك تجمع لوبان الشعبوي القومي، وتحالف ماكرون بين يسار الوسط ويمين الوسط، وائتلاف ميلينشون اليساري الشعبوي المناهض للرأسمالية.
وكل من ميلينشون ولوبان من القوميين المناهضين لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، وللاتحاد الأوروبي، وكانوا متعاطفين في السنوات الماضية مع روسيا كجزء من أوروبا الكبرى المستقلة، التي ستكون فيها فرنسا زعيمة دبلوماسية. وبمجرد وجودهما، ستضعف أوروبا، ويتوتر الاتصال عبر الأطلسي. وفي حال وصول أحدهما إلى السلطة، سيثير أزمة.
زعيم أوحد
وفي الوقت نفسه، من اللافت للنظر أن الكتل الثلاث تعتمد على زعيم واحد.
والتجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقاً) هو نوع من العلامات التجارية العائلية - مارين لوبان هي ابنة المؤسس جان ماري لوبان. بينما أنشئ التحالف اليساري المتطرف بسبب ميلينشون، فقد نجح مع «فرنسا الأبية»، بينما فشل الآخرون (الخضر والاشتراكيون والشيوعيون). وكان حزب ماكرون حركة أنشأها لانتخابات عام 2017.
من الناحية الافتراضية، يمكن أن تظل الحكومة الفرنسية مستقرة خلال ولاية البرلمان، لخمس سنوات: ماكرون هو الرئيس، ومن غير المرجح أن تسعى أغلبية لإسقاط الحكومة، ويجب أن يكون البرلمان مع ائتلاف الأقلية قادراً على الحكم، بدعم خاص من الجمهوريين، وربما آخرين. ويتحدث ماكرون الآن عن أغلبية «الوحدة الوطنية».
اختيارات صعبة
لكن التشريعات المبتكرة ستكون صعبة، خصوصاً في ما يتعلق بالاختيارات الصعبة التي تتعلق بحياة الناس، مثل سن التقاعد، وكذلك قضايا المعيشة، مثل التضخم والرواتب، والمعاشات التقاعدية، وسيكون الانتقال إلى الطاقة الخضراء، أيضاً، أكثر صعوبة.
ويرى الكثير من الناس أن ماكرون «مؤيد للأعمال»، وهذا صحيح، ولكنهم يفترضون أن كونه مؤيداً للأعمال التجارية، يعني أنه مناهض للطبقة الوسطى والطبقة العاملة، بدلاً من التطلع إلى النمو والمزيد من الوظائف، كسياسة اجتماعية واقتصادية على حدٍ سواء، ولكن هذا الصراع في الثقافة الاقتصادية لا يقتصر على فرنسا.
الاستنتاج العام هو، أنه على الرغم من خسارته للأغلبية البرلمانية، نجح ماكرون في الحفاظ على «الوسط»، باعتباره المبدأ السياسي الحاكم في فرنسا. والتأثير المتزايد لليمين واليسار المتطرفين، لم يخرج عن السيطرة أو لم يخرج بعد، ولم يكن بإمكان أي زعيم آخر في فرنسا، أن يفعل أفضل من ذلك، وإذا حالف فرنسا الحظ، فيمكن أن تنخفض حدة الخلافات السياسية.
والسؤال هو عما إذا كانت الظروف ستنتج المزيد من الصراع الاجتماعي، والمزيد من الاستقطاب المتطرف، وحركة «السترات الصفراء» لم تُنس بعد.
وبالنسبة للعالم، سيدير ماكرون السياسة الخارجية الفرنسية كما فعل في السنوات الخمس الماضية. وقد انتقده البعض لمحاولته الجادة السير في هذا المضمار، مع القليل من الوزن الجيوسياسي. وهذه قصة قديمة، تعود إلى شارل ديغول. وتحاول فرنسا أن تضرب فوق ثقلها.
لا أحد يقول إن ماكرون هو مفكر خفيف الوزن، وغير أمين، وغير موثوق به، وغير مستعد لتحمل مخاطر محسوبة، أو غير راغب، على سبيل المثال، في مساعدة أوكرانيا ضد العدوان الروسي، وبالتالي، هناك متسع كبير للنقد، ومع ذلك، ليس من الصعب الإعجاب بقائد مثل ماكرون.
245
مقعداً، فقط، حصل عليها ائتلاف ماكرون، في برلمان مكون من 577 مقعداً.
بمجرد وجود لوبان وميلينشون في كواليس السياسة، ستضعف أوروبا، ويتوتر الاتصال عبر الأطلسي، وفي حال وصول أحدهما إلى السلطة، سيثير ذلك أزمة.
على عكس النمط المألوف- يسار/يمين، تنقسم السياسة الفرنسية الآن إلى ثلاث كتل؛ فهناك تجمع لوبان الشعبوي القومي، وتحالف ماكرون بين يسار الوسط ويمين الوسط، وائتلاف ميلينشون اليساري الشعبوي المناهض للرأسمالية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news