حقيقة أم خداع.. لماذا أثارت تهديدات بوتين النووية قلق الغرب؟
طرح تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الآونة الأخيرة من استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن بلاده في ظل الحرب مع أوكرانيا سؤالا مقلقا بات أكثر إلحاحا: هل يمارس ضابط المخابرات السوفيتية السابق أساليب الخداع؟
حذر بوتين من أن الأمر ليس خدعة. وانقسم السياسيون والدبلوماسيون وخبراء الأسلحة الغربيون بهذا الشأن، إذ يقول البعض إنه يمكن أن يستخدم سلاحا نوويا تكتيكيا واحدا أو أكثر في محاولة لدرء الهزيمة العسكرية أو حماية حكمه أو تخويف الغرب أو ترهيب كييف ودفعها إلى الاستسلام.
تحذير بوتين، الذي أعقبه تهديد أكثر تحديدا باستخدام سلاح نووي في أوكرانيا من قبل حليف، قد يعني أن الكرملين يفكر في التصعيد بعد أن ضمت روسيا أربع مناطق أوكرانية تحتلها جزئيا فقط.
ومن المتوقع أن يعلن البرلمان الروسي ضم تلك المناطق في الرابع من أكتوبر. وبمجرد حدوث ذلك، سيكون الطريق واضحا، من وجهة نظر موسكو، لضربة دفاعية محتملة إذا شعرت أن المنطقة تتعرض لتهديد خطير.
وقد يكون التلويح باستخدام السلاح النووي علامة على اليأس، ومع ذلك فإن لجوء بوتين لاستخدامه أو لا قد يعتمد في نهاية المطاف على مدى شعوره بالحصار.
ويسيطر بوتين على أكبر ترسانة نووية في العالم، بما في ذلك جيل جديد من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وأسلحة نووية تكتيكية أكثر بعشر مرات من الغرب، وتتعامل معه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي العسكري بجدية.
وقال توني برينتون، السفير البريطاني السابق لدى روسيا، لرويترز في أغسطس قبل أن يصعد بوتين تحذيراته «إذا كان الخيار المتاح لروسيا هو بين خوض حرب خاسرة تكون الخسارة فيها فادحة تطيح ببوتين أو استعراض بعض القوة النووية فلن أراهن على أنها لن تختار استعراض القوة النووية».
وفي أحدث تعليقاته، حذر بوتين الغرب صراحة من أن روسيا ستستخدم جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن أراضيها واتهم الغرب بمناقشة هجوم نووي محتمل على روسيا.
وقال «هذه ليست خدعة. والذين يحاولون ابتزازنا بأسلحة نووية يجب أن يعلموا أنه من الممكن أن يرتد الأمر عليهم».
وهذه اللهجة الحادة من الكرملين تختلف اختلافا كبيرا عن الإشارات النووية الأكثر دقة التي كان يفضلها القادة السوفييت الراحلون بعد أن دفع نيكيتا خروتشوف العالم إلى شفا الحرب النووية في أزمة الصواريخ الكوبية في 1962.
قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لشبكات التلفزيون الأميركية يوم الأحد إن إدارة الرئيس جو بايدن تأخذ تصريحات بوتين «على محمل الجد بشدة» وحذرت موسكو من «عواقب كارثية» محددة إذا استخدمت أسلحة نووية.
ولم توضح واشنطن ردها المحتمل، لكن استخدام سلاح نووي قد يؤدي إلى تصعيد نووي، ولهذا السبب يعتقد معظم الخبراء أن هجوما تقليديا ضخما على الأصول العسكرية الروسية سيكون أكثر ترجيحا.
وردا على سؤال عما إذا كان بوتين يتجه نحو هجوم نووي، قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز لشبكة سي.بي.إس. أمس الثلاثاء «علينا أن نتعامل بجدية شديدة مع نوع التهديدات التي يلوح بها».
لكن بيرنز ذكر أن المخابرات الأميركية ليس لديها دليل فعلي على أن بوتين يتجه نحو استخدام وشيك لأسلحة نووية تكتيكية.
إذا أمر بوتين بشن هجوم نووي داخل أوكرانيا، فسيكون ذلك أول استخدام للأسلحة النووية في حرب منذ أن شنت الولايات المتحدة هجمات بالقنابل الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في أغسطس 1945.
ويمكن نظريا استخدام أسلحة أقصر مدى وأقل قوة يتم إطلاقها عن طريق البحر أو الجو أو الأرض ضد الأهداف العسكرية الأوكرانية، على الرغم من أن فاعليتها في مثل هذا السيناريو محل نقاش بين الخبراء العسكريين.
وثمة خيار آخر، كما يقولون، يتمثل في أن يقوم بوتين بتفجير مثل هذا السلاح فوق منطقة نائية وغير مأهولة بالسكان أو مسطح مائي، مثل البحر الأسود، كدليل تقشعر له الأبدان على صدق النية.
ويمكن أن تقتصر التداعيات الإشعاعية لسلاح تكتيكي روسي صغير على حوالي كيلومتر، لكن التأثير النفسي والجيوسياسي سيكون محسوسا في جميع أنحاء العالم.
في إشارة إلى أن واشنطن تراقب عن كثب الترسانة النووية الروسية، أظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية يوم السبت أن الولايات المتحدة نشرت ما لا يقل عن طائرتي تجسس من طراز آر.إس-135 كوبرا بول تستخدمان لتتبع نشاط الصواريخ الباليستية، بالقرب من الحدود الروسية.
وقال لورانس فريدمان، الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كينجز كوليدج في لندن، إنه لا يوجد دليل على أن موسكو تستعد لمثل هذه الضربة النووية في الوقت الحالي وأن واشنطن ستعرف «على وجه السرعة» إذا كانت كذلك.
وأضاف أنه لا يعتقد أنه سيكون من المنطقي أن يلجأ بوتين إلى سلاح نووي للدفاع عن الأراضي التي يتم ضمها في الآونة الأخيرة.
وتابع أنه بالنظر إلى الطبيعة غير العقلانية لاستخدام سلاح نووي في هذه الظروف، فإن التعامل بجدية مع التهديد ينطوي على افتراض أنه سيكون تصرفا انفعاليا نتيجة اليأس من جانب بوتين في موقف يشعر فيه بالتهديد.
وقال ريتشارد بيتس أستاذ دراسات الحرب والسلام في جامعة كولومبيا «يمكنك أن ترى الضغوط التي يتعرض لها والمبررات التي يفكر فيها على أساس أن استخدام سلاح نووي صغير قد يحقق أهدافه في قلب الموقف وإخافة الغرب وإخراجه مما تورط فيه».
يقول بوتين إن روسيا تقاتل الآن من أجل وجودها في أوكرانيا بعد سنوات من الإذلال على يد الغرب المتغطرس الذي يريد تدمير القوة العظمى السابقة.
وذكر في تحذيره الصادر في 21 سبتمبر «تجاوز الغرب كل الخطوط في سياساته العدوانية المعادية لروسيا».
وتسببت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في مقتل عشرات الآلاف، وفي زيادة التضخم العالمي، وأدى إلى أسوأ مواجهة مع الغرب منذ ذروة الحرب الباردة.
وبعد سبعة أشهر من الحرب تواجه قوات بوتين هجوما مضادا شرسا من القوات الأوكرانية التي تسلحها وتدربها الدول الغربية. وقال بيتس إنه كلما كان الأمر أفضل بالنسبة لأوكرانيا في ساحة المعركة، زادت احتمالات أن يلجأ بوتين للسلاح النووي.
وتسمح العقيدة النووية الروسية بتوجيه ضربة نووية بعد «العدوان على روسيا الاتحادية بالأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا».
ويقول صقور الكرملين إن الغرب يحاول الإطاحة ببوتين الذي يهيمن على السلطة في روسيا منذ 1999.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في مارس إن بوتين «لا يمكنه البقاء في السلطة» في تصريحات ذكر البيت الأبيض أنها تهدف إلى تهيئة الديمقراطيات في العالم لصراع ممتد حول أوكرانيا، وليس دعم تغيير النظام في روسيا.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد رفض من قبل التحذيرات الروسية، لكنه قال لشبكة سي.بي.إس يوم الأحد إن بوتين قد يكون جادا الآن.
وأضاف «ربما بالأمس كانت خدعة، الآن يمكن أن تصبح حقيقة».