د.أحمد سيد أحمد: مصر والإمارات و50 عاماً من الشراكة الإستراتيجية
في مقاله اليوم بصحيفة الأهرام المصرية كتب خبير العلاقات الدولية والشؤون الأميركية في الأهرام الدكتور أحمد سيد أحمد مقالاً عن أهم ما يميز العلاقات المصرية الإماراتية، والتي اتسمت على مدى نصف قرن بأنها علاقات شراكة إستراتيجية متميزة ومتشابكة فى جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية..
وكان هذا نص مقال الدكتور أحمد سيد أحمد:
على مدى نصف قرن اتسمت العلاقات المصرية - الإماراتية بأنها علاقات شراكة إستراتيجية متميزة وممتدة ومتشابكة فى جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، وشكلت نموذجا لما ينبغى أن تكون عليه العلاقات العربية العربية فى التعاون الثنائى، وفى التنسيق والتشاور المستمر لمواجهة التحديات المختلفة، وفى الدفاع عن القضايا العربية.
أهم ما يميز العلاقات المصرية - الإماراتية أنها بنيت على أسس صلبة ومتينة وضعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وسار عليها أولاده من بعده، وتقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الذى يصب فى مصلحة شعبى البلدين. وقد أسهم هذا الأساس القوى فى جعل العلاقات تأخذ منحى تصاعديا فى إطار تراكمى من التعاون الاقتصاى والتجارى وفى كل المجالات، حيث تطور التعاون الاقتصادى والاستثمارات المشتركة بشكل كبير خلال العقود الخمسة السابقة وشهد طفرة كبيرة فى العقد الأخير خاصة فى عهد الرئيس السيسى والشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، فى ظل توافر الإرادة السياسية المشتركة فى تطوير ودفع العلاقات بشكل مستمر. وقد انعكس هذا التعاون فى لغة الأرقام، حيث وصل حجم التبادل التجارى بينهما إلى ما يقارب 4 مليارات دولار، وتعد الإمارات ثانى أكبر شريك اقتصادى لمصر عربيا، وهناك العديد من الشركات والاستثمارات الإماراتية فى مصر. ولاشك أن التعاون بين البلدين قام على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة والتكامل فى الميزة النسبية، فالإمارات تعد اقتصاداً كبيراً ولديها العديد من المزايا النسبية خاصة فى مجالات المعرفة وتكنولوجيا المعلومات ولوجيستيات النقل والموانىء والعقارات وغيرها، وهو ما يتكامل مع المزايا النسبية المصرية خاصة فى المشروعات القومية العملاقة فى محور التنمية فى قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها التى تعد بيئة واعدة وجاذبة للاستثمارات الإماراتية.
العديد من القواسم المشتركة جمعت مصر والإمارات وأبرزها أن فلسفة التنمية فى البلدين ارتكزت على الاستثمار فى الإنسان باعتباره الثروة الحقيقية وهو الغاية من التنمية وأداتها فى ذات الوقت، ولهذا كان الاهتمام بصحة وعقل الإنسان المصرى والإماراتى والاستثمار فى الصحة والتعليم لتسليح المواطن بكل مهارات العصر الحديث. كما تتلاقى الدولتان فى مخاطبة المستقبل ومواكبة كل تطورات العصر من التكنولوجيا والتوسع فى الاقتصاد الأخضر وفى استخدام الطاقة النظيفة لمواجهة أثار التغيرات المناخية وبناء المدن الذكية وغيرها، وكانت الإمارات أول دولة عربية تخترق الفضاء. إضافة إلى أن التنمية فى البلدين شكلت مدخلا مهما لتحقيق الازدهار ليس فقط لشعبى البلدين، بل أيضا لتحقيق الازدهار فى المنطقة العربية وتجفيف بيئة التطرف والصراعات والحروب وتحويلها إلى بيئة للاستثمار والتنمية وتحسين مستوى شعوب المنطقة.
وسياسيا أسهم الأساس الصلب للعلاقات فى مواجهة أى عواصف أو أنواء قد تصيب تلك العلاقات، وشكل البلدان نموذجا ملهما فى كيفية التعامل مع التحديات المختلفة. فقد نجحا فى تكريس قيم التسامح والاعتدال والوسطية والتعايش بين الثقافات والحضارات المختلفة فى مواجهة التطرف والإرهاب وتشويه صورة الإسلام، ولذلك كان توقيع وثيقة الإخوة الإنسانية على أرض الإمارات فى 2019 بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس الثانى. كما شكل التنسيق المصرى ـ الإماراتى صمام أمان للأمة العربية والحفاظ على النظام العربى من الانهيار خاصة خلال ما عرف بالربيع العربى وتصاعد الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وانتشار الصراعات والحروب الأهلية الطائفية وتزايد التدخلات الخارجية والإقليمية فى شئون المنطقة، حيث نجحت الدولتان فى تحقيق التماسك العربى وتعظيم التعاون العربى المشترك وزيادة الدور العربى فى إدارة التفاعلات والأزمات العربية بما يعزز المصلحة العربية العليا، وأفشلت الدولتان المشروعات الخارجية التخريبية، سواء التى كانت فى عهد أوباما، أو من جانب بعض القوى الإقليمية، والتى كانت تهدف لتفتيت المنطقة وتقسيم دولها وتمكين جماعات الإسلام السياسى من الحكم وتكريس الطائفية الدينية.
وأسهمت السياسة الخارجية الرشيدة والنزيهة لكلا البلدين فى تحقيق التنمية فى الداخل، وعامل ضبط وتوازن فى العلاقات الدولية، التى تشهد حالة من الاضطراب نتيجة تزايد حدة الاستقطاب فى النظام الدولى بين القوى الكبرى خاصة أمريكا وحلفاءها من ناحية وروسيا والصين وحلفاءهما من الناحية الأخرى. وأسهمت سياسة الحياد الإيجابى وبناء الشراكات المتعددة والمتوازنة مع القوى الكبرى، التى تبنتها البلدان، فى تعظيم المصالح العربية وتقليل الآثار السلبية لتلك الأزمات وعلى رأسها الأزمة الروسية - الأوكرانية، خاصة فى مجال الأمن الغذائى وأمن الطاقة. وقدم البلدان نموذجا رائدا فى احترام قواعد القانون الدولى والتسوية السلمية للنزاعات والصراعات وأهمية تعظيم دور الأمم المتحدة، كما تؤيد الدولتان أهمية وجود نظام دولى متعدد الأقطاب لتحقيق التوازن والاستقرار فى العلاقات الدولية.
خلال النصف قرن الماضى كان كلا البلدين داعما للآخر والسند له، خاصة وقت الأزمات والمحن، ووقفت الإمارات إلى جانب مصر فى العديد من المحطات المهمة مثل حرب أكتوبر 1973، وبعد ثورة 30 يونيو 2013، كما تقف مصر دائما إلى جانب الإمارات فى حماية أمنها القومى ضد أى تهديدات خارجية، ولذلك يتطور منحى العلاقات يوما بعد الآخر ليعكس قوة ومتانة الشراكة الإستراتيجية بينهما بما يعود بالنفع على البلدين وعلى المنطقة العربية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news