أميركا الفائز الحقيقي من انضمام السويد إلى «الناتو»

في تحرك مفاجئ قررت تركيا دعم انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبالتالي سيصبح تعداد الدول التي انضمت إلى الحلف 32 دولة. وأعلن أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحافي في 10 يوليو الجاري أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «وافق على انضمام السويد إلى حلف الناتو. وأنه يتم إحالة بروتوكول انضمام السويد إلى الجمعية الوطنية الكبرى في أسرع وقت ممكن، والعمل عن كثب مع الجمعية لضمان التصديق»، ولم تكن هذه الأخبار متوقعة من قبل البعض، خصوصاً بالنظر إلى حقيقة أنه قبل ساعات عدة من هذه الأخبار كان أردوغان يطالب الاتحاد الأوروبي بعضوية لتركيا كشرط على موافقته على دعم السويد للانضمام إلى الحلف.

وجاءت محاولة استوكهولم الأولى للانضمام إلى الحلف في مايو 2022 كردّ على الحرب في أوكرانيا. ولكن أنقرة ترددت في دعم السويد نتيجة استضافة استوكهولم عدداً من أعضاء حزب العمال الكردستاني. وتستضيف السويد، التي لديها أكثر قوانين اللجوء سخاء في العالم، ملايين عدة من اللاجئين بمن فيهم عدد من الأكراد. وتقول أنقرة إن بعض هؤلاء الأكراد لهم علاقات مع حزب العمال، وبالتالي فإنهم يعملون ضد أنقرة انطلاقاً من السويد، بهدف نشر الفوضى في تركيا. وانتقد أردوغان السويد لرفضها إدانة ذلك الرجل المتطرف الذي حرق القرآن أخيراً.

صفقة طائرات «إف-16»

ولكن تم التغلب على العديد من العقبات بعد لقاء ستولتنبرغ مع كل من أردوغان ورئيس حكومة السويدأولف كريسترسون في ذلك اليوم. ولم تكن هناك مطالبات أخرى لتركيا تتعلق برغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن العامل الآخر الذي يؤثر في قرار أنقرة في رفض انضمام السويد هو رغبتها في عقد صفقة طائرات «إف-16» من الولايات المتحدة مقابل الوعود بأن تتوقف عن تهديد اليونان. وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تلعب على اتفاق بين أربع دول من شأنه أن يمهد الطريق من أجل صفقة طائرات «إف-16»، ولهذا فإن التقدم على تلك الجبهة يمكن استخدامه كرافعة لدفع تركيا إلى قبول انضمام السويد إلى الحلف.

ولهذا ينبغي ألا تكون هذه المساومة الجيوسياسية مفاجئة وإنما ببساطة هي تأكيد للمبدأ القديم القائل إنه من أجل الحصول على شيء يجب أن تقدم شيئاً مقابله. والأمر الأكثر أهمية أن انضمام السويد الوشيك برهاناً على الالتزام المتزايد بالأمن الجماعي الذي اكتسح أوروبا برمتها عشية الحرب في أوكرانيا. ويبلغ تعداد سكان السويد 10 ملايين نسمة في حين أن إجمالي الناتج المحلي لديها هو 500 مليار دولار، والتزمت أخيراً بزيادة نفقات الدفاع إلى نحو 2% من إجمالي هذا الناتج، وهو معيار ينبغي لجميع أعضاء «الناتو» الالتزام به.

منطق أوروبا المستقلة

ولسوء الطالع، لن تشجع هذه الحقيقة الولايات المتحدة على الخروج من أوروبا ودعم تشكيل إطار أمني أكثر استقلالية لها. ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لأعضاء حلف الناتو من غير الولايات المتحدة 20.1 تريليون دولار مقارنة ب 1.6 تريليون إجمالي الناتج المحلي لروسيا، كما أن تعداد سكان هذه الدول يبلغ نحو 585 مليون نسمة مقارنة بروسيا التي يبلغ تعداد سكانها 146 مليون نسمة. وبدأ منطق أوروبا المستقلة يتردد منذ عام 1991، ولكن الإرادة السياسية لتخفيض دور الولايات المتحدة المتضخم في الدفاع عن القارة غير موجودة في واشنطن ولا في برلين وبروكسل أيضاً.

ويعتبر النقاش حول مبيعات طائرات «إف-16» في هذا الإطار أكثر أهمية من العملية البسيطة المتعلقة بالأخذ والرد من أجل التسوية التي هي جزء محتوم من كل صفقة دولية. وإلا فإن وزن مبيعات الأسلحة الأميركية واحتمال تأمين شروط مقبولة من جانب أنقرة يشير إلى عامل رئيس يفرض على واشنطن الانخراط الأمني في أوروبا خصوصاً، والعالم عموماً. وتبلغ الإنفاقات العسكرية الأميركية حالياً نحو 800 مليار دولار مقارنة بدول «الناتو» الأخرى غير الولايات المتحدة إذ تبلغ نفقاتها العسكرية 300 مليار دولار. ومع ذلك، فإن تركيا هي الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري من بين جميع أعضاء الناتو غير الولايات المتحدة. واشترت أنقرة صواريخ إس إس 400 أرض جو في عام 2019، ونجم عن ذلك غضب كبير لواشنطن، ما جعلها تفرض عقوبات على تركيا.

علاقات جيدة مع واشنطن

وبالطبع فإن احتمال الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي يعتبر محفزاً اقتصادياً كبيراً لتركيا، ولكن العودة إلى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ربما لعب دوراً مهماً أيضاً. وليس من الغريب أن نتخيل أن الولايات المتحدة تطلب من أردوغان تأجيل محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي وقبول بعض المواقف السياسية من السويد، وأن ترضى بتصريحات عامة ضد الخوف من الإسلام، وبالتالي تتلقّى صفقة مقبولة للطائرات من الولايات المتحدة. وبعد فترة قصيرة من موافقة تركيا على انضمام السويد، أعلنت إدارة بايدن اكتمال صفقة طائرات «إف-16»، إضافة إلى دعم الولايات المتحدة لجهود تحديث الجيش التركي.

ولم يحاول أحد بمن فيهم أولئك الموجودون في غرف السلطة إخفاء دور الولايات المتحدة ودور صفقات الدفاع الأميركية في إملاء سياسة أوسع عبر الأطلسي. وبغض النظر عن الهواجس الأخلاقية، لا يوجد شيء غامض بشأن بيع واشنطن للأسلحة للحصول على النفوذ الجيوسياسي. ولكن من المهم الاعتراف بهذه الديناميكية إذا أراد المرء أن يفهم التطورات الدولية في مجملها.

الروابط الأيديولوجية مع أوروبا

وليس هناك أي شك بشأن حقيقة سيطرة الولايات المتحدة على البيئة الأمنية الأوروبية. وهذا لا يقلل من شأن الروابط الأيديولوجية مع القارة الأوروبية، وليس تعاملاً مع الديمقراطية الليبرالية بالمنفعة فقط، ويجب أن تبدد سياسة حافة الهاوية للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لدعم أوكرانيا أي شكوك بشأن ما إذا كان الغرب صادقاً في إيمانه بمبادئه. ولكن تطور الأحداث يشير إلى أن واشنطن هي الفائز الحقيقي على الصعيدين الاقتصادي أو الأيديولوجي.

ومن أطراف شبه جزيرة إسكندنافيا وعبر قلب القارة الأوروبية وإلى أطراف الأناضول، برز اهتمام بالالتزامات الجديدة للدفاع عن مبادئ السيادة الوطنية. ولكن على الرغم من أن حرب أوكرانيا أسهمت في التأكيد إلى تقريب القارة الأوروبية مع بعضها بعضاً، إلا أنها عززت سيطرة الولايات المتحدة على القارة الأوروبية.

• جاءت محاولة استوكهولم الأولى للانضمام إلى الحلف في مايو 2022 كردّ على الحرب في أوكرانيا. ولكن أنقرة ترددت في دعم السويد نتيجة استضافة استوكهولم عدداً من أعضاء حزب العمال الكردستاني. وتستضيف السويد، التي لديها أكثر قوانين اللجوء سخاء في العالم، ملايين عدة من اللاجئين بمن فيهم عدد من الأكراد.

دومينيك سانسون ■ أستاذ السياسة في كلية هيلسايد في ولاية ميشيغان الأميركية

الأكثر مشاركة