بسبب عجز الحكومة عن معالجة أزمات البلاد
الشباب الأميركي يفقد إيمانه بالديمقراطية ويشعر بخيبة أمل إزاءها
هناك ثورة هادئة تجري الآن بين جيل شباب هذا البلد، اتسمت بتآكل كبير في دعم الديمقراطية الدستورية في أميركا. هذا الجيل من الشباب لديه أسباب وجيهة للشعور بخيبة الأمل إزاء الديمقراطية؛ لقد كانوا في العشرينات والثلاثينات من عمرهم عندما بدأت البلاد تتعرض لأزمة تلو الأخرى، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر، والأزمة المالية العالمية لعام 2008، وتصاعد الكوارث المناخية، وتزايد عدم المساواة الاقتصادية، وجائحة كوفيد.
كما بدت الحكومة الأميركية مشلولة أو غير راغبة في الاستجابة للمشكلات اليومية التي يواجهها الأميركيون العاديون. وفي حين عاش الأميركيون الأكبر سناً أو عرفوا جيداً انتصارات الديمقراطية، مثل صفقة الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت، أو المجتمع العظيم في عهد الرئيس الراحل ليندون جونسون، فإن جيل الشباب يربط بين الديمقراطية والاستقطاب والجمود.
ولم تفعل مؤسساتنا الديمقراطية إلا أقل القليل لمعالجة القضايا التي تثير بشدة قلق جيل الشباب، بما في ذلك وباء العنف المسلح، والعنصرية المنهجية، والتشرد، والاحتباس الحراري العالمي. إن الحرب الحالية في الشرق الأوسط ليست سوى أحدث حدث يتصدر عناوين الأخبار ويهز ثقة الشباب في الطريقة التي تستجيب بها الديمقراطية الأميركية للصراع هناك.
ويقع جزء من اللوم عن خيبة الأمل لدى الشباب على عاتق المعلمين على المستويات كافة، الذين فشلوا فترة طويلة في أن يكونوا مناصرين للديمقراطية خوفاً من الوقوع في حروب ثقافية أو اعتبارهم مدافعين عن العنصرية والتمييز الجنسي وما شابه ذلك؛ لهذا السبب تخلَّوا عن التثقيف المدني. وتتطلب سبع ولايات فقط الآن سنة كاملة من التربية المدنية في المناهج الدراسية من مرحلة الروضة إلى الصف الثاني عشر بشأن الديمقراطية.
إن تآكل الدعم للديمقراطية يتطلب اهتماماً عاجلاً واستراتيجية واضحة لتنبيه الشباب إلى المخاطر الناجمة عن تشككهم في المؤسسات الديمقراطية. الإشارات التحذيرية في هذا المجال كثيرة للغاية، لكنها حتى الآن لم تُثر القلق الذي تستحقه. دعونا نُلقِ نظرة على بعض تلك الإشارات.
في ديسمبر 2021، أظهرت دراسة أجراها معهد السياسة بجامعة هارفارد أن 52% من الشباب «يعتقدون أن ديمقراطية البلاد إما في ورطة، أو ديمقراطية فاشلة». وقال 7% فقط منهم إن الديمقراطية في الولايات المتحدة هي «ديمقراطية فاشلة». وكشف استطلاع آخر قبل عامين أن «الأميركيين الأصغر سناً لا يعبرون عن قدر أعظم من التشكك في الديمقراطية الأميركية فحسب، بل إن شكوكهم تمتد إلى مشاعرهم حول كونهم أميركيين وما إذا كانت الولايات المتحدة تمثل رمزاً أخلاقياً في العالم».
لقد تبين أن الأميركيين الأصغر سناً «يفخرون بشكل أقل بكثير بجنسيتهم مقارنة بالأميركيين الأكبر سناً» (23% مقابل 55%). وتشير دراسة أحدث للتوقعات المدنية للناخبين الأصغر سناً إلى أن «الشباب غير راضين عن نظامنا السياسي (57٪)، ومعظمهم ليس لديه ثقة كبيرة في المؤسسات الحكومية (52٪)». ويخطط أقل من النصف (48٪) للتصويت في الانتخابات العامة المقبلة، مقارنة بنحو ثلثي عامة الناس. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تلك الدراسة وجدت أن «الشباب، بغض النظر عن مستوى التعليم، يفتقرون إلى المعرفة المدنية الأساسية».
وتظهر دراسة أخرى، نُشرت في يونيو من هذا العام، أن «واحداً فقط من كل أربعة أميركيين تراوح أعمارهم بين 18 و39 عاماً، مؤيد ثابت للديمقراطية»، أي أقل بمقدار 16 نقطة مئوية عن متوسط درجة الدعم لجميع المواطنين في سن التصويت. وبالمقارنة، فإن 65% من السبعينيين في أميركا، وإخوانهم من الجيل الأعظم والصامت، يدعمون الديمقراطية بشكل ثابت.
ويخلص بحث آخر إلى أن «ما يقرب من ثلثي الشباب الأميركيين لديهم مخاوف أكثر بشأن مستقبل الديمقراطية في أميركا». ولا يعتقد الكثير منهم أيضاً أن الديمقراطية ضرورية بالنسبة لهم للحصول على الأشياء التي يحتاجونها، مثل الحرية والمجتمع والعدالة الاجتماعية. وربما لهذا السبب وجد معهد بروكينغز أن «29% من الشباب الأميركيين يعتقدون أن الديمقراطية ليست دائماً مفضلة على الأشكال السياسية الأخرى، وهي نسبة أعلى بكثير من الأميركيين الأكبر سناً، الذين يستطيعون تذكر الحرب الباردة وحتى الحرب ضد الفاشية في العالم». ويعتقد بعض الشباب الذين أصيبوا بخيبة أمل في الديمقراطية أن «الزعيم القوي الذي لا يبالي بنتائج الانتخابات أو يعترف بسلطة الكونغرس زعيم مقبول». ويقول آخرون إن الحكومة غير الديمقراطية يمكن أن تكون أفضل من الديمقراطية الحقيقية. ويؤكد البعض أن الديمقراطية هي وسيلة سيئة لحكم الولايات المتحدة.
إلا أن تآكل الدعم للديمقراطية بين الشباب لا يمثل مشكلة أميركية فحسب، فعلى حد تعبير منظمة «فريدوم هاوس»، وهي مجموعة مناصرة للديمقراطية، فإن «التراجع الديمقراطي أصبح اتجاهاً عالمياً». ووسط هذه البيئة تأتي سلسلة من الإحصاءات التي تشير إلى أن شباب العالم ينفصلون على نحو متزايد عن الحياة السياسية؛ فهم يصوتون بشكل أقل، ويرفضون عضوية الأحزاب، ويقولون للباحثين إن زعماء بلادهم لا يعملون من أجل مصالحهم. وكشف استطلاع للرأي أجري في سبتمبر 2023 لأشخاص في 30 دولة أن 86% من المشاركين فيه «يفضلون العيش في دولة ديمقراطية»، ويعتقد 20% فقط أن الأنظمة الاستبدادية أكثر قدرة على تحقيق «ما يريده المواطنون»، ومع ذلك فإن 57% فقط من المشاركين في الاستطلاع هم من كبار السن.
وبالعودة إلى هذا البلد، يعتقد 55% من الشباب حالياً أن «البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، حيث يقول 16% إنها تسير على الطريق الصحيح، ويقول البقية (28%) إنهم غير متأكدين». كما أن العديد من الناخبين الشباب «قلقون بشأن قيم البلاد، ولا يثقون في المؤسسات الكبرى». وأعرب ما يقرب من ثلثي الشباب (62%) عن قلقهم بشأن قيم الشعب الأميركي، وقال 45% إنهم يعتقدون أن البلاد تفشل في الوفاء بوعودها بالحرية والعدالة، مقارنة بـ18% فقط يعتقدون أن البلاد تفشل في الوفاء بوعودها بالحرية والعدالة.
ما يعنيه كل هذا البحث هو أنه كما يوضح رئيس مؤسسة المجتمع المفتوح والنائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة، مارك مالوك براون، أن «الإيمان (بالديمقراطية) يتلاشى جيلاً بعد جيل، مع تزايد الشكوك حول قدرتها على تحقيق النتائج، وإحداث تغييرات ملموسة في حياتهم».
وعلينا أن نعمل الآن لوقف هذا الاتجاه المثير للقلق. وبوسعنا، بل وينبغي لنا، أن نعترف بإخفاقات الديمقراطية والحاجة إلى التحسين. ومن الواضح أن أولئك الذين يتولون شؤون التدريس يجب أن يصبحوا من المدافعين النشطين عن الديمقراطية، ويجب علينا أن نتأكد من أن طلابنا يفهمون ذلك، كما قال الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل في عبارته الشهيرة: «الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى التي تم تجربتها».
وفي كلية أمهيرست، حيث أقوم بالتدريس، تُبذل مثل هذه الجهود، لقد أطلقنا مبادرة جديدة بعنوان «التفكير ديمقراطياً»، لإثراء عروض الكلية بدورات دراسية حول تاريخ الديمقراطية ووضعها الحالي في الولايات المتحدة ودول أخرى. وقد بدأ الطلاب هنا أيضاً في تناول قضية الديمقراطية، لقد أنشأوا مجموعة جديدة أطلقوا عليها «طلاب أمهيرست من أجل الديمقراطية»، والتي أطلقت حملة لحمل أقرانهم على التعهد بالعمل مع المنظمات المكرسة للحفاظ على الديمقراطية وتحسينها.
البروفيسور أوستن سارات*
*مؤسس كلية «أمهيرست»
عن «ذي هيل» الأميركية
. الحرب الحالية في الشرق الأوسط ليست سوى أحدث حدث يتصدر عناوين الأخبار، ويهز ثقة الشباب في الطريقة التي تستجيب بها الديمقراطية الأميركية للصراع هناك.
. أظهرت دراسة أجراها معهد السياسة بجامعة هارفارد أن 52% من الشباب «يعتقدون أن ديمقراطية البلاد إما في ورطة، أو ديمقراطية فاشلة». وقال 7% فقط منهم إن الديمقراطية في الولايات المتحدة هي «ديمقراطية فاشلة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news