الإكوادور تتحول من ملاذ هادئ إلى بلد في حالة طوارئ
في غضون بضعة أيام من هذا الشهر، أدت أعمال الشغب في السجون وعنف العصابات في الإكوادور إلى إعلان الرئيس دانييل نوبوا حالة الطوارئ، و«مواجهة مسلحة» ضد المجرمين المنظمين. ووصف 22 عصابة بأنها تنظيمات إرهابية، وطلب من الجيش أن يعمل على تحييدها.
ويُنظر إلى الإكوادور منذ فترة طويلة على أنها بلد يتوافر فيه الأمن والاستقرار، لكن على مدى السنوات الست الماضية ارتفعت معدلات جرائم القتل بمعدلات مثيرة للقلق، ما أدى إلى أعمال العنف الصارخة التي وقعت هذا الأسبوع.
وأعلن الرئيس نوبوا حالة الطوارئ في الثامن من يناير، حيث قام بنشر الجيش في أماكن مثل السجون، وتنفيذ حظر تجوال على مستوى البلاد من المقرر أن يستمر شهرين، وجاءت هذه الخطوة في أعقاب هروب زعيم إجرامي سيئ السمعة هو أدولفو ماسياس، المعروف باسم «فيتو». واندلعت المزيد من الاضطرابات خلال الأسبوع، حيث استهدفت الجماعات الإجرامية المنظمة الجامعات، ومحطة تلفزيون خلال برنامج على الهواء مباشرة، والسجون، والشرطة.
ويقول رئيس تحرير مجلة «تو أميركاس» الفصلية، بريان وينتر، إن العصابات لديها نفوذ كبير في أميركا اللاتينية، وتسيطر على أجزاء من المكسيك وبعض المدن البرازيلية، لكن هذا النوع من الاعتداءات التي تشنها عصابات قوية للغاية في الإكوادور، قد تشكل تهديداً لسيادة القانون وقدرة الحكومة المركزية على إظهار السلطة. ويضيف: «لست متأكداً من أننا رأينا شيئاً كهذا منذ الأيام الخوالي السيئة لبابلو إسكوبار في كولومبيا».
كيف بدأ كل هذا؟
في عام 2018 كان لدى الإكوادور أحد أدنى معدلات جرائم القتل في أميركا اللاتينية، ويقع هذا البلد الصغير بين كولومبيا والبيرو، أكبر منتجي الكوكايين في المنطقة، وكانت الإكوادور تعتبر ملجأً لطالبي الهدوء، لكن مع الطلب العالمي المتزايد على الكوكايين، وتغيير طرق وأساليب الشحن، والتحالفات المتنامية بين العصابات المحلية والمنظمات الإجرامية الدولية في المكسيك وألبانيا، صعدت الإكوادور بسرعة لتصبح من أكثر البلدان عنفاً في المنطقة، وارتفعت جرائم قتل الشباب بنسبة 500% منذ عام 2018، واليوم يبلغ معدل جرائم القتل 45 شخصاً لكل 100 ألف.
ويقول الصحافي الإكوادوري، أرتورو توريس، الذي يغطي شؤون الأمن ومؤسس موقع الأخبار الاستقصائية «كوديغو فيدريو»، إن هناك عوامل داخلية وخارجية أوصلت الإكوادور إلى ما هي عليه اليوم. ويوضح أن «المشكلة الأساسية في البلاد هي الفساد المنهجي الموجود على جميع مستويات الدولة». وقد جعل الفساد من الإكوادور أرضاً خصبة لوصول العصابات الدولية التي تسعى إلى نقل المخدرات وغسل الأموال.
ويقول توريس: «لا توجد دولة مستعدة لمواجهة هذا النوع من الظواهر الإجرامية، ناهيك بدولة تعاني الفساد المؤسسي على نطاق واسع». وقد زاد الأمر سوءاً منذ الوباء. ويعتقد توريس أن أعمال العنف التي وقعت هذا الأسبوع تم التخطيط لها قبل أسابيع عدة، لكن جهاز المخابرات الحكومي المختل وظيفياً، إضافة إلى سوء تمويله، يعني أن الأمر فاجأ الجميع.
ما هي المخاطر؟
تولى نوبوا منصبه في نوفمبر في انتخابات خاصة لإكمال فترة ولاية سلفه غييرمو لاسو، التي تنتهي في مايو من العام المقبل، ما لم يمنحه سوى القليل من الوقت لإحداث التغيير، فخلال حملته الانتخابية وعد باتخاذ نهج «القبضة الحديدية» في التعامل مع التحديات الأمنية المتزايدة، واقترح أخيراً إجراء استفتاء عام للتصويت على إمكانية تمديد أحكام السجن على الجرائم الخطيرة والسماح للجيش بمحاربة الجماعات الإجرامية.
وكان العديد من الناخبين يأملون أن يتمكن زعيمهم المقبل من محاكاة النجاحات الأمنية التي حققها الرئيس المثير للجدل نايب بوكيلي في السلفادور، حيث انخفضت معدلات جرائم القتل إلى مستويات غير مسبوقة، إلى جانب الحريات المدنية. وقال نوبوا في مقطع فيديو نُشر على موقع «إنستغرام» هذا الأسبوع: «الزمن الذي تملي فيه العصابات الإجرامية والقتلة على الحكومة ما يجب فعله قد ولى». وأعلنت القوات المسلحة أنها اعتقلت أكثر من 320 شخصاً بموجب حالة الطوارئ الجديدة، وأن خمسة مجرمين مزعومين قتلوا في اشتباكات حتى 10 يناير.
وفي غضون ذلك قدمت الدول المجاورة المتوترة بما في ذلك بيرو وكولومبيا والأرجنتين، والقوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، عروضاً أولية للمساعدة، وفقاً للرئيس نوبوا، لكن نهج الأخير ليس جديداً تماماً. يذكر أن الإدارة السابقة للرئيس غييرمو لاسو قد أعلنت حالة الطوارئ في 20 مناسبة، ووصفت العديد من الجماعات الإجرامية بأنها إرهابية دون أن يغير ذلك الكثير.
وفي هذا السياق يقول توريس: «لا يوجد شيء جديد في كيفية استجابة الحكومة»، ويخشى من أنه دون خطة لمواجهة تسلل الجريمة المنظمة إلى صفوف القوات المسلحة والمؤسسات الأخرى فلن يكون هناك سبب لتوقع تحسن أي شيء، وهناك أيضاً مسألة تجنيد الشباب من قبل العصابات في وقت تنعدم فيه الفرص الاقتصادية والتعليمية بشكل خاص. ويضيف: «الدولة ضعيفة للغاية وفاسدة للغاية، لدرجة أنها غير قادرة على ضمان الأمن لأي شخص في الوقت الحالي».
عن «كريستيان ساينس مونتور» و«الغارديان»
شهية المستهلكين
تقع الإكوادور بين جارتين منتجتين للكوكايين، ولها خط ساحلي طويل يسهل اختراقه. والاقتصاد المعتمد على الدولار يجعل من السهل نقل الأرباح غير المشروعة وغسلها. وقد شجعت عمليات مكافحة المخدرات في بلدان أخرى وحلّ الجماعات المسلحة في كولومبيا، تجار المخدرات على النظر إلى أماكن أبعد.
إن خفض الإنفاق على الأمن في الماضي بسبب مطالب ميزانية صندوق النقد الدولي لم يساعد، وكانت شهية المستهلكين النهمة للكوكايين خصوصاً في أوروبا، السوق الأكثر ربحية، سبباً في تغذية هذه التجارة.
والرئيس الإكوادوري، دانييل نوبوا، الذي يواجه انتخابات العام المقبل، لديه حتى الآن الجمهور إلى جانبه، لكن أحداث يوم الثلاثاء تظهر مدى صعوبة النضال الذي يواجهه في محاولة كبح جماح العصابات. وهناك أيضاً أسئلة عميقة حول نهجه، وأعلن أنه أمر بإنشاء سجون جديدة ذات إجراءات أمنية مشددة وسجون فائقة الحراسة على غرار تلك الموجودة في السلفادور من قبل رئيسها نايب بوكيلي. وحظيت حملة «القبضة الحديدية» التي شنها الأخير ضد العصابات بشعبية كبيرة، لكنها أضرت كثيراً بالحقوق، ومن غير المرجح أن تثبت استدامتها. والتوصل إلى حل حقيقي طويل الأمد سيكون أصعب كثيراً من الإجراءات الحالية، وهو ما يتطلب من الإكوادور التعاون دولياً في التصدي للجريمة المنظمة وبذل جهود صارمة ومخططة جيداً ودائمة لمعالجة الفساد والفقر في الداخل.
. يُعتقد أن أعمال العنف التي وقعت هذا الأسبوع تم التخطيط لها قبل أسابيع عدة.
. مع الطلب المتزايد على الكوكايين، والتحالفات بين العصابات الدولية، صعدت الإكوادور بسرعة لتصبح من أكثر البلدان عنفاً.
45 شخصاً لكل 100 ألف هو معدل جرائم القتل اليومي في الإكوادور.