الركود والبؤس يخيمان على إيرلندا الشمالية في 2024

في البداية انهارت حكومتها، ثم بدأ التقشف المؤلم. والآن من المقرر إلغاء الانتخابات المقبلة، في حين يضرب عشرات الآلاف من العمال. هذه هي إيرلندا الشمالية، في عام 2024، أرض الجمود السياسي، وتخفيضات القطاع العام، والاضطرابات العمالية الجماعية، مع عدم وجود وزراء بريطانيين في لندن أو وسطاء السلطة المحليين في الحزب الوحدوي الديمقراطي، على استعداد للقيام بما هو مطلوب لتشكيل حكومة متماسكة.

بعد مرور ما يقرب من عامين على قيام الحزب الديمقراطي الوحدوي بزعزعة السلطة التنفيذية في إيرلندا الشمالية، التي تمثلت في حكومة مشتركة بين الطوائف التي تمثل قلب عملية السلام المستمرة منذ عقود في المنطقة، لا يبدو أن قيادة الحزب أقرب إلى إنهاء مقاطعته، والتعاون مع حزب الـ«شين فين» المناهض للوحدة مع بريطانيا. وتفوق الحزب الجمهوري الإيرلندي على خصمه - الحزب الديمقراطي الوحدوي - باعتباره الحزب الأكثر شعبية في الانتخابات الأخيرة، في مايو 2022، لكنه ظل ينتظر منذ ذلك الحين لقيادة الحكومة بموجب نظام تقاسم السلطة الذي يرفض الحزب الوحدوي الديمقراطي إحياءه.

وعلى نحو مماثل، فإن وزير الدولة لشؤون إيرلندا الشمالية، كريستوفر هيتون هاريس، غير راغب في ملء الفراغ السياسي، والذي يرفض استئناف «الحكم المباشر» من وستمنستر. وكانت إيرلندا الشمالية تُحكم مباشرة من لندن خلال معظم عقود إراقة الدماء خلال القرن الـ20، وأثناء الانهيار السابق لتقاسم السلطة في برلمان «ستورمونت»، بين عامي 2002 و2007.

وكان كبار موظفي الخدمة المدنية في إيرلندا الشمالية قد ملأوا، جزئياً على الأقل، الفراغ الذي حدث خلال العام الماضي، والذين تركوا لإدارة بلادهم دون مساعدة من السياسيين المنتخبين. إنهم يحتجون على افتقارهم إلى القوة والتفويض الديمقراطي لاتخاذ قرارات الإنفاق الأساسية وخفض التكاليف، وهو الضعف الذي ترك الخدمات العامة تترهل من الداخل.

وأثارت هذه الأزمة المستمرة منذ فترة طويلة أشهراً من الاضطرابات العمالية، ما أدى أخيراً إلى شلل في إيرلندا الشمالية، يوم الخميس، حيث نظمت 16 نقابة أول إضراب جماعي منسق في المقاطعة منذ نصف قرن، وقد لا يكون الأخير.

وقال جيري ميرفي، من الكونغرس الإيرلندي لنقابات العمال «إنها حملة سنواصلها»، موضحاً «هذه حملة سنفوز فيها».

ألم عمالي

أغلق أكثر من 170 ألف عامل – ما يقرب من خُمس القوة العاملة بأكملها – المدارس وخطوط النقل والرعاية الصحية غير الطارئة، وجميع الخدمات التي تمولها الحكومة، تقريباً، يوم الخميس، في مطالبة جماعية لزيادات الأجور التي طال انتظارها.

وتم التصديق على الزيادات في الرواتب منذ سنوات، كجزء من اتفاقيات العمل الأوسع في المملكة المتحدة، لكن معظم هذه الأموال لم يصل بعد إلى الرواتب ومعاشات التقاعد في إيرلندا الشمالية، لأن وزراء المقاطعة المعنيين لم يلتحقوا بمناصبهم. وفي غيابهم، تقوم وزارة الخزانة البريطانية بحجب الأموال المطلوبة.

وكان من المفترض أن يتغير ذلك كجزء من حزمة التمويل المشروط الذي قدمه هاريس للأحزاب المحلية، الشهر الماضي، في محاولة لكسر مأزق الحزب الديمقراطي الوحدوي. وأعلن هاريس أنه إذا وافق الزعيم الوحدوي الديمقراطي، جيفري دونالدسون، على قيادة حزبه مرة أخرى إلى البرلمان في «ستورمونت»، فإن المملكة المتحدة ستقدم 3.3 مليارات جنيه إسترليني، في شكل دعم مالي استثنائي لإنجاح إعادة إطلاق تقاسم السلطة. وتتضمن الحزمة 584 مليون جنيه إسترليني لمطالبات الدفع المستحقة.

ولكن مما أثار سخط الأحزاب الأخرى، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها دونالدسون لإبلاغه بالخطوة المقبلة، فشل زعيم الحزب الديمقراطي الوحدوي في إقناع أقوى نوابه بالتعامل مع العرض باعتباره لحظة للتسوية.

ومنذ ذلك الحين، أصر دونالدسون على أن المحادثات مع مسؤولي حكومة المملكة المتحدة ستستمر إلى أجل غير مسمى، حتى يحصل الحزب الديمقراطي الوحدوي على مزيد من التنازلات بشأن الترتيبات التجارية المعقدة، في إيرلندا الشمالية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي يخشى النقابيون من أنها تدفع الاقتصاد نحو توحيد شطري إيرلندا.

والحقيقة أن عرض المليارات، من قبل لندن، لم يؤدِ إلا إلى نتائج عكسية. وقال هاريس، وزير إيرلندا الشمالية، مراراً إن مبلغ 3.3 مليارات جنيه إسترليني لن يتم توفيره حتى يعود الحزب الديمقراطي الوحدوي إلى البرلمان في ستورمونت، وهو الشرط الذي أدانه كل من النقابيين البريطانيين والقوميين الإيرلنديين باعتباره ابتزازاً.

اضطرابات جماعية

ما يعكس هذا الغضب، هو تحدي عشرات الآلاف من العمال المضربين الظروف المتجمدة، لتنظيم مسيرة في وسط بلفاست ولندنديري وإنيسكيلين، للتنفيس عن غضبهم، والمطالبة بزيادة رواتبهم إلى مستويات أقرانهم المحترفين في إنجلترا واسكتلندا وويلز.

وتشير الإحصاءات الرسمية في بريطانيا إلى أن العاملين في القطاع العام في أيرلندا الشمالية شهدوا انخفاض قيمة دخلهم بنسبة 11%، خلال العامين الماضيين منذ انهيار الحكومة.

وقد كافح هاريس، وهو من أشد المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي تم تعيينه في هذا المنصب من قبل رئيسة الوزراء السابقة، ليز تراس، خلال فترة حكمها القصيرة في داونينغ ستريت، للعثور على أي نقطة ضغط ضد دونالدسون، الذي كثيراً ما يُستشهد به باعتباره السياسي الأكثر عناداً في البلاد، وربما في أوروبا.

لقد ثبت أن التهديد الأكثر خطورة، المتمثل في دعوة هاريس إلى انتخابات مبكرة، سخيف بشكل خاص، لأنه من المحتمل أن يساعد الحزب الديمقراطي الوحدوي. ويأمل دونالدسون في استعادة الأرض التي خسرها أمام السياسيين الذين يمثلون الوسط المعتدل، والذين حققوا أداءً جيداً بشكل غير عادي في انتخابات عام 2022.

كسب الوقت

والواقع أن احتمال إجراء انتخابات جديدة هو أحد الأسباب التي تدفع دونالدسون - الزعيم الوحدوي الديمقراطي - إلى الاستمرار في كسب الوقت. إن قبول الصفقة الآن، وبالتالي قبول الترتيبات التجارية الحالية لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي موجودة لتبقى، من المرجح أن يؤدي إلى تقسيم حزبه، ودفع الدعم نحو الصوت التقليدي في الحزب، وهو منافس وحدوي أكثر تشدداً، يرفض العمل مع الـ«شين فين»، في جميع الظروف.

وهكذا يبدو أن الركود والبؤس سيستمران. وتعهدت النقابات التي تقف وراء الإضراب الجماهيري، يوم الخميس، بإجراء سلسلة متواصلة من الاحتجاجات المماثلة حتى يقوم هاريس بالاستجابة لمطالبها المتعلقة بالأجور، وفصلها عن أي صفقة مقترحة مع الحزب الديمقراطي الوحدوي.

ولكن يبدو أن هاريس مستعد للتعامل مع الوضع السياسي الراهن مرة أخرى، ما يعني أن الخدمات العامة في إيرلندا الشمالية ستستمر في المعاناة من خلال أنصاف تدابير التمويل الجزئي. ومن المتوقع أن يكشف الوزير النقاب عن تشريع الطوارئ الأسبوع المقبل، والذي يمنحه، والأمناء الدائمين في إيرلندا الشمالية، مزيجاً جديداً «هجيناً» من السلطات والمسؤوليات في المنطقة.

ولكن السكرتير الدائم السابق الذي أشرف على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إيرلندا الشمالية، أندرو ماكورميك، قال إن سوء إدارة هاريس للوضع، حتى الآن، يعني أنه لا يوجد لدى كبار المسؤولين في إيرلندا الشمالية، ولا وزير الخارجية نفسه «أساس قانوني للقرارات الاستراتيجية التي يجب اتخاذها»، متابعاً «يمكن للحكومة، بل وينبغي لها، أن تغير مسارها على سبيل الاستعجال، فالتنازل غير مقبول».

ومن المتوقع، أيضاً، أن يؤجل التشريع، مرة أخرى، الموعد المطلوب قانوناً للانتخابات المقبلة إلى أوائل عام 2025، وهو الوقت الذي من المرجح أن تنهي فيه الانتخابات العامة على مستوى المملكة المتحدة حكم المحافظين، الذي دام 14 عاماً، وتحول إيرلندا الشمالية إلى مشكلة حقيقية لحزب العمال البريطاني، الذي سيتولى الحكم في بريطانيا.

عن «بوليتيكو»

. دونالدسون يأمل استعادة الأرض التي خسرها أمام السياسيين الذين يمثلون الوسط المعتدل.

. تم التصديق على الزيادات في الرواتب منذ سنوات، لكن معظم هذه الأموال لم يصل بعد إلى الرواتب ومعاشات التقاعد في إيرلندا الشمالية.

11% نسبة انخفاض قيمة الدخل في القطاع العام.

الأكثر مشاركة