وزير خارجية بريطانيا ديفيد كامرون يعيد بناء سمعته ويلمع صورته بعد بريكست
بعد أن انطبعت مسيرته بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، يمضي رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كامرون على مسار إعادة تلميع صورته وكذلك سمعة الدبلوماسية البريطانية، كوزير للخارجية يجوب العالم.
عاد كامرون البالغ 57 عامًا ليتصدر المشهد البريطاني على المسرح العالمي حيث زار العديد من البلدان منذ عودته غير المتوقعة الى الحكومة في نوفمبر، بعد تغيب ارتبط بفضيحة استخدام نفوذه للتأثير على الحكومة.
وفي حين تتوقع استطلاعات الرأي أن يخسر حزب المحافظين الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ريشي سوناك الانتخابات العامة هذا العام، يعرف كامرون أن فترة توليه منصبه ستكون قصيرة على الأرجح، لذلك يحاول الاستفادة من الوقت المتاح إلى أقصى حد.
قال سايمون فريزر، المسؤول في وزارة الخارجية خلال تولي كامرون رئاسة الوزراء، لوكالة فرانس برس "أعتقد أن الأمر يتعلق جزئيا بالنسبة له بتحسين صورته بعد بريكست وبعض الأمور التي حدثت عندما ترك منصبه".
أضاف "إنه رجل يتحلى بالتصميم وتركيزه ينصب على تحقيق هدفه".
تولى كامرون رئاسة الحكومة في عام 2010 واستقال في يوليو 2016 بعد أن خسر رهانه في الاستفتاء الذي طرحه حول بريكست عندما صوت البريطانيون لصالح مغادرة الكتلة الأوروبية.
وانكفأ إلى كوخ تبلغ تكلفته 25 ألف جنيه استرليني (31 ألف دولار) في حديقته الريفية لكتابة مذكراته بينما كان البرلمان يتجادل حول صيغة اتفاق بريكست وتبعاته.
- عمل لم يُستكمل -
وفي 2021، تورط كامرون في فضيحة الضغط على الحكومة لصالح مجموعة غرينسيل كابيتال المالية التي انهارت لاحقًا. كما تعرض لانتقادات بسبب الترويج لمشروع استثماري صيني، في وقت كان كبار المشرعين البريطانيين ينادون بإجراءات أكثر صرامة ضد بكين.
وقال أناند مينون، مدير قسم شؤون المملكة المتحدة في مؤسسة "تغيير أوروبا" Changing Europe البحثية، لوكالة فرانس برس "لقد شُوِّهت سمعته على نحو سيء جدا"، تماماً في الوقت الذي أخرجه فيه سوناك من العزلة.
وأضاف "أنا متأكد من أنه كان لديه شعور بأنه لم يكمل عمله عندما قبل تولي الوظيفة".
أذهلت عودته إلى السياسة بعد أكثر من سبع سنوات، الأوساط البرلمانية والحكومية. وأشار المعلقون ونواب المعارضة إلى سجله المتفاوت في السياسة الخارجية كرئيس للوزراء.
وساقوا مثالاً على ذلك فشل بريطانيا في الرد على الهجوم الكيماوي الذي وقع عام 2013 وألقي باللوم فيه على قوات الحكومة السورية، ودوره في التدخل الدولي للإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011 والذي غرقت ليبيا بعده في أزمة.
وفي خطاب ألقاه الخميس، قال كامرون إنه صمم "على الاستفادة من كل يوم" خلال الأشهر الستة التي قضاها كوزير للخارجية حتى الآن.
وبحسب جدوله الخاص، زار كامرون 33 دولة في القارات الست، بما في ذلك أوكرانيا وإسرائيل والولايات المتحدة حيث حث دونالد ترامب على إقناع الجمهوريين بإمرار حزمة المساعدات العسكرية لكييف.
أصبح أول وزير خارجية بريطاني يزور قيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، بل وكذلك جزر فوكلاند النائية التابعة لبريطانيا في جنوب المحيط الأطلسي.
وصفه فريزر بأنه "رجل في عجلة من أمره".
ويقول حلفاؤه إنه يستمتع باستخدام نفوذه وعلاقاته التي بناها عندما كان رئيساً للوزراء، في حين ينسب إليه الموظفون الحكوميون الفضل في ضخ الطاقة وإشاعة مناخ من العمل الجاد في الخارجية بعد أن تولاها وزراء أقل جدية مثل بوريس جونسون وليز تراس.
ورأى فريزر أن كامرون "يتمتع بالخبرة في القضايا الرئيسية، ومن الواضح أن لديه شبكة من العلاقات الدولية التي تتيح له الوصول إلى كبار الشخصيات كما رأينا مع ترامب".
وقال مينون إن كامرون "يعمل بسلاسة وهو متحدث مُفوه" وهو ما "يُحدث فرقا في عالم الدبلوماسية".
- رئيس وزراء في الخارج؟ -
يقال إن سوناك ترك لكامرون مهمة الشؤون الخارجية حتى يتمكن من التركيز على الأجندة الداخلية ومحاولة تحويل الاتجاه التنازلي في استطلاعات الرأي خلف حزب العمال الرئيسي المعارض قبل الانتخابات.
وأطلق البعض في الأوساط الحكومية والبرلمانية على كامرون لقب "رئيس الوزراء للشؤون الخارجية".
ويشير مطلعون على الوضع إلى أنه نظرًا لأنه عضو غير منتخب في مجلس اللوردات وغير مقيَّد بتوجيهات كتلة حزب المحافظين البرلمانية، فإنه يشعر بأن لديه الحرية في الذهاب أبعد قليلا، مثلما حدث عند لقائه مع ترامب.
ويقول المراقبون إنه كان أكثر انتقادًا لرد إسرائيل على هجوم حماس من الوزراء الآخرين، وبدا أنه يشير إلى أن بريطانيا يمكن أن تعترف بالدولة الفلسطينية قبل التوقيع على اتفاق سلام.
وقال فريزر "إذا نظرت إلى غزة، فأعتقد أنه اتخذ موقفا مختلفاً قليلاً وعبّر عن صوت متميز للسياسة البريطانية بهذا الخصوص، في حين كان الموقف في السابق مجرد ظل شاحب للسياسة الأميركية".
ولكن مع احتمال تعيين وزير خارجية جديد بعد الانتخابات، ليس من الواضح بعد ما هو الإرث الجديد الذي سيتركه كامرون.
قال مينون "إنه يتمتع بالكفاءة وبحضور قوي ويختار لقاء الشخصيات المناسبة، ويسافر كثيرًا، ويبدو أن الناس يستمعون إلى ما يقوله... لا يمكنك حقاً أن تتوقع أكثر من ذلك".