ميلوني تبدو «صانعة الملوك» في انتخابات البـــرلـمـــان الأوروبي
يجري تقديم رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني على أنها صانعة الملوك غير المتوقعة قبل الانتخابات الأوروبية، في السادس من يونيو الجاري، حيث تتودد لها أورسولا فون دير لاين، من يمين الوسط، ومارين لوبان الفرنسية، من اليمين المتطرف.
وقالت مارين لوبان لصحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، الأحد الماضي، إنها تسعى إلى الحصول على دعم ميلوني لتوحيد أحزاب اليمين المتطرفة في البرلمان الأوروبي في مجموعة يمينية متطرفة قوية، تنقسم حالياً بين مجموعة الهوية والديمقراطية التي تتزعمها لوبان، ومجموعة الحزب القومي الأوروبي المحافظ، وحزب الإصلاحيين الذي تتزعمه ميلوني.
ويشير استطلاع محطة «يورو نيوز الإخبارية» الذي أُجري قبيل الانتخابات البرلمانية في يونيو الجاري، إلى أن هاتين المجموعتين يمكن أن تحصلا على ما يصل إلى 144 مقعداً في ما بينهما، ولا يشمل ذلك حزب البديل من أجل ألمانيا الذي طُرد الأسبوع الماضي من مجموعة أحزاب الهوية والديمقراطية. وإذا تم توحيدهما فيمكنهما التغلب على أحزاب يسار الوسط، والأحزاب الليبرالية، بحيث تصبحان ثاني أكبر قوة حزبية في البرلمان الأوروبي.
ويتقدم حزب لوبان اليميني المتطرف «الجبهة الوطنية» في استطلاعات الرأي، ويمكن أن ينتزع ثلث الأصوات الفرنسية في انتخابات البرلمان الأوروبي. واختلف الحزب أخيراً عن حزب البديل من أجل ألمانيا الأكثر تطرفاً والمؤيد لروسيا، كما أنه خفف موقفه المتشكك في الاتحاد الأوروبي في محاولة واضحة للاقتراب من التيار اليميني السائد.
ولكن في الوقت ذاته، تطمح أورسولا فون دير لاين، من حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) للحصول على دعم جورجيا ميلوني، ونواب حزب «إخوة إيطاليا» لتضمن فترة بقاء ثانية في منصب المفوضة الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية القوية للاتحاد. وتحتل فون دير لاين موقع الصدارة لقيادة السلطة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس المقبلة، بالنظر إلى أنها المرشحة الرئيسة لحزب الشعب الأوروبي، الذي من المتوقع أن يتصدر استطلاعات الرأي في أوروبا.
وأوضحت فون دير لاين خلال الحملة الانتخابية، أنها تشعر بأن ميلوني أظهرت دعمها للاتحاد الأوروبي ومصداقيتها لدعم أوكرانيا، منذ وصولها إلى السلطة في إيطاليا عام 2022، ما جعل حزبها شريكاً موثوقاً به في بروكسل. وأسهم موقف ميلوني في جعل المحللين في حالة من الحيرة. ويقول البعض إن رئيسة الحكومة الإيطالية لا يمكنها سوى مواصلة مغازلة إما فون دير لاين أو لوبان. وقال الخبير في العلوم السياسية، نيكولاي فون أوندرزا: «تجد ميلوني نفسها أمام يدين ممدودتين الأولى من لوبان، والأخرى من فون دير لاين، ولا تستطيع سوى أخذ واحدة فقط».
وأدرجت فون دير لاين حزب لوبان في القائمة السوداء، نتيجة موقفه المتعاطف تاريخياً مع روسيا، ووصفت الحزب بأنه دمية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووكلائه، وهذا يعني أن التقرب من لوبان يمكن أن يُنهي بسرعة فرصة ميلوني لممارسة نفوذ أكبر في بروكسل. ويقول فون أوندرزا، إن «ميلوني تقبل دعوة فون دير لاين من أجل قيادة سياسة الاتحاد الأوروبي بصورة مباشرة معاً»، وليست لديها أي خيارات سوى «إبعاد لوبان ورفاقها».
النفوذ السياسي
ولكن فرانسيسكو نيكولي من مؤسسة «بروغل» الفكرية في بروكسل، قال لمحطة «يورو نيوز»، إن ميلوني ستحتاج إلى استخدام «براغماتيتها» الجديدة لانتزاع أكبر قدر ممكن من النفوذ السياسي، من خلال الرد التكتيكي على مبادرات لوبان وفون دير لاين. وأضاف نيكولي: «من وجهة نظر سياسية، ما أزال أعتقد أن هاذين الخيارين (أي لوبان وفون دير لاين) في الواقع ليسا متناقضين بالضرورة». ووفق ما يقوله نيكولي، فإنه «من الممكن تماماً» بالنسبة لميلوني أن تضم جهودها إلى لوبان لتشكيل مجموعة متطرفة قوية في البرلمان الأوروبي، وأن تقوم أجزاء من المجموعة «بتقديم الدعم» للتحالف الذي تقوده فون دير لاين. وأوضح نيكولي: «حتى لو شكلن مجموعة مشتركة، فإن هذا لا يعني أن المجموعة المشتركة ستصوت بعد ذلك بصورة متماسكة». وأضاف أن «هذه المجموعة المتطرفة نحو اليمين يمكن أن تتشكل بعد انتخابات البرلمان من أجل انتخاب رئيسة المفوضية الأوروبية المقبلة، وهو ما يتوقع القيام به في منتصف سبتمبر المقبل، وهي خطوة يمكن أن تسمح للمرشحة الأوفر حظاً (فون دير لاين) بالاعتماد على دعم حزبها الوسطي واليساري التقليدي، إضافة إلى دعم المشرعين اليمينيين من حزب ميلوني».
تحذيرات
ولكن الحلفاء التاريخيين، خصوصاً من يسار الوسط، عززوا تحذيراتهم لفون دير لاين بأن تتوقف عن مغازلة ميلوني وأشباهها من الحلفاء اليمينيين المتطرفين.
وفي يوم الجمعة الماضي، حذر المستشار الألماني أولاف شولتس - الذي يقود حكومة ائتلافية ثلاثية الاتجاه مع يسار الوسط والليبراليين - فون دير لاين من الاعتماد على شركاء من اليمين المتطرف، عند تشكيل مفوضيتها الأوروبية الجديدة.
وفي وقت سابق من مايو الماضي، وقع حلفاء فون دير لاين التقليديون - وهم من الاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط، ومجموعة تجديد أوروبا الليبرالية وحزب الخضر - على إعلان تعهدوا فيه بعدم التعاون أبداً مع اليمين المتطرف على «أي مستوى».
ودعوا رئيسة المفوضية إلى «الرفض القاطع لأي تطبيع أو تعاون أو تحالف مع الأحزاب اليمينية والمتطرفة».
وتأتي مناورة لوبان في وقت تشهد فيه أحزاب الهوية والديمقراطية التابعة لها اضطرابات طُرد إثرها أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا، الأسبوع الماضي، نتيجة تعليقاتهم التي صرح بها رئيسهم ماكسميليان كراه، مدعياً أنه لم يكن جميع أعضاء الأمن النازي مجرمين بصورة «تلقائية».
ووفق مصدر من حزب الجبهة الوطنية، تدرس لوبان إمكانية ضم جهودها لرئيس حكومة هنغاريا، فيكتور أوربان، وحزبه الحاكم المعروف باسم «فيدس»، الذي ظل بلا مأوى سياسي في البرلمان الأوروبي منذ إجباره على الخروج من حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط في عام 2021، ومن المتوقع أن يفوز «فيدس» بعشرة مقاعد في انتخابات يونيو الجاري.
ولكن مع استمرار أوربان في عرقلة القرارات الأوروبية المتعلقة بأوكرانيا، بما فيها استخدام الأرصدة الروسية المجمدة لشراء الأسلحة للجيش الأوكراني، والانطلاقة الرسمية لمحادثات انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي، فإن هذه الخطوة قد تمنع لوبان من تطهير نفسها من سياساتها التقليدية المتمثّلة في العلاقات مع روسيا بوتين.
ويقول نيكولي موضحاً: «فهمت مارين لوبان أنه إذا أرادت أن تكون لها فرصة حقيقية لتصبح الرئيس المقبل لفرنسا (وهو هدفها النهائي)، فإن نهج ميلوني هو النهج الذي ربما يحقق أعلى فرص النجاح لها».
• تطمح أورسولا فون دير لاين من حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) لدعم جورجيا ميلوني ونواب حزب «إخوة إيطاليا» لتضمن فترة بقاء ثانية في منصب المفوضة الأوروبية.
• وقّع حلفاء فون دير لاين التقليديون، في وقت سابق من مايو الماضي، على إعلان تعهدوا فيه بعدم التعاون أبداً مع اليمين المتطرف على «أي مستوى».