أوكرانيا تصدر قانوناً لتجنيد المدانين في قضايا جنائية

بعد مرور أكثر من عامين من اشتعال الحرب بينها وبين روسيا، تكافح أوكرانيا من أجل تجديد صفوفها العسكرية المستنزفة. ولمعالجة هذه المشكلة، أصدرت الحكومة قانوناً جديداً الشهر الماضي يسمح بتجنيد المدانين في قضايا جنائية، وهذا القانون يسمح للمدانين الذين يستوفون شروطاً معينة، بالحصول على إفراج مبكر مشروط إذا وقعوا عقداً للخدمة مع الجيش.

إلا أن هذا القانون الجديد لا يسمح بتجنيد الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم ضد أسس الأمن القومي الأوكراني، أو جرائم الفساد الخطرة بشكل خاص. ويستبعد أيضاً من ارتكبوا جرائم أشد عنفاً، أو المدانين بارتكاب جريمتي قتل مع سبق الإصرار، أو أكثر، أو جرائم ارتكبت بقسوة، أو جرائم قتل مقترنة بالاغتصاب أو العنف الجنسي.

ويبقى أن نرى كيف سيعمل هذا القانون على أرض الواقع، فبعد إقراره، قالت وزارة العدل الأوكرانية إن السجناء الذين يتعين عليهم التوقيع بمحض إرادتهم للانضمام إلى القوات المقاتلة، سيخدمون في وحدات منفصلة، لكن قادة الألوية الهجومية يرغبون في أن يخدم مجنّدو السجن مع المشاة النظاميين.

أحد قادة الكتائب واسمه دميترو كوخارشوك يسعى إلى تجنيد الرجال المدانين في أحد السجون، ووقف أمامهم متحدثاً عن تجربته في القتال من أجل أوكرانيا في باخموت وأفديفكا، إلا أن كوخارشوك لا يَعِد السجناء بوعود خلابة، ويقول لهم: «لن يكون الأمر سهلاً بالنسبة لكم، لكن عندما تنضمون إلينا فستكون لديكم عائلة».

لكن قادة آخرين، على الرغم من دعمهم لتجنيد المدانين، ليسوا متأكدين من أن هؤلاء المدانين سيندمجون في المجتمع العسكري. ويقول أحد القادة: «يجب على السجناء القتال في وحدات منفصلة». ويضيف: «إنهم بحاجة إلى قادة جيدين جداً لقيادتهم». ويعلق زميله: «لست ضد انضمام السجناء للقتال على الإطلاق، لكنني مندهش لأننا لم نستغل هذه الفكرة في بداية الحرب». وأضاف: «هناك دائماً كثير من الضحايا بين المشاة، وإذا أراد المدانون المخاطرة بحياتهم والذهاب للقتال في المشاة، فهذا قرار جيد».

ويبدو للوهلة الأولى أن حملة تجنيد السجناء في الجيش توازي حملة تجنيد المساجين التي نظمتها شركة «فاغنر» الروسية للمرتزقة في وقت مبكر من الحرب، واستمرت تحت إشراف وزارة الدفاع منذ العام الماضي. لقد أزهقت تلك الحملة حياة الآلاف من المدانين الروس فيما يسمى «مفرمة اللحم»، وخصوصاً في القتال الدائر في مدينة باخموت شرق أوكرانيا.

لكن وزير العدل الأوكراني، دينيس ماليوسكا، تحدث لشبكة «سي إن إن» في كييف، رافضاً هذه المقارنة. ويعلق قائلاً: «في أوكرانيا، يعتمد الدافع إلى حد كبير على الوطنية، سجناؤنا يلتحقون بالجيش طوعاً. أما في روسيا فكان الأمر طوعياً وقسرياً». وأضاف: «لقد رأيت شخصياً سجناء روس أُجبروا على الانضمام إلى (فاغنر)»، مضيفاً أنه تم تجنيد السجناء في روسيا في الشركة العسكرية الخاصة السيئة السمعة، بينما في أوكرانيا ينضمون إلى القوات المسلحة الأوكرانية طواعية». ويختتم بقوله: «هذه خدمة عسكرية حكومية عادية مع جميع الضمانات: الراتب والتأمين الاجتماعي، والمدفوعات في حالة الإصابة والوفاة، وما إلى ذلك.. هذه قصة مختلفة تماماً من حيث الدوافع والآليات».

وسيسمح القانون الجديد للمجندين المدانين بالتمتع بالإجازة العائلية مثل الجنود الآخرين، وسيحق لهم الحصول على الراتب نفسه، لكنهم لن يحصلوا على الإجازة السنوية المعتادة للقوات الأخرى، وفقاً للقانون. ووفقاً لوزارة العدل، يوجد حالياً 26 ألف شخص في السجون بأوكرانيا. وتقول الوزارة إنه منذ دخول القانون حيز التنفيذ، تقدم خمسة آلاف سجين بطلبات للانضمام إلى الجيش. وقد اجتاز نحو 2000 شخص بالفعل الفحص الطبي، وتم إطلاق سراحهم من السجن والتجنيد من قِبل المحاكم. وتخضع الدفعة الأولى من المجنّدين السجناء للتدريب الأساسي.

ويقول وزير العدل، إنه يتوقع تسجيل مزيد من المدانين، مضيفاً أن الكثيرين منهم ينتظرون رؤية ما سيحدث للجولة الأولى من المجنّدين المدانين. ويعتقد ماليوسكا أن العديد من السجناء يعتبرون البرنامج فرصة للتخلص من ربقة «السجين السابق» التي يصمهم بها الناس حتى بعد إطلاق سراحهم. ويقول ماليوسكا: «هناك بالتأكيد مخاطر، لكنّ معنويات ومزاج من أُطلق سراحهم من السجن أعلى بكثير من أولئك الذين تم تجنيدهم قسرياً في مكان ما في الشارع». ويبرّر الوزير ذلك بقوله: «الشخص المجند قسرياً والذي لا يريد الذهاب إلى الجيش يعدّ ذلك مأساة، ويمكنك أن تتوقع منه الفرار في أي لحظة أكثر بكثير ممن يعدّ التجنيد ارتقاء للسلم الاجتماعي، واكتساب دخل وأسلوب حياة بصورة محترمة».

ويعتقد الوزير أن الحكومة تعلم بأن السجناء قد يشكلون تحديات للقادة على الأرض، لكنه قال إنه يمكن تعديل القانون حسب الحاجة اعتماداً على كيفية سير الأمور في الممارسة العملية. وقال إن الأمر سيعتمد على قادة الوحدات وقدرتهم على فرض الانضباط في وحدات السجناء.

وفي ساحة تدريب وسط أوكرانيا، دخلت مجموعة من السجناء الأسبوع الثاني من التدريب الأساسي. ومن بينهم دميترو البالغ 28 عاماً، الذي قُتلت زوجته وطفلاه الصغيران في غارة روسية على مدينة إيزيوم الشرقية بعد أسابيع قليلة من بداية الحرب، بينما كان يقضي عقوبة السجن لمدة أربعة أعوام. وقال دميترو لشبكة «سي إن إن»، إنه كان يريد القتال منذ اللحظة التي بدأت فيها الحرب. وعندما زار القائمون على التجنيد سجنه، كان من أول من قاموا بالتسجيل. يقول: «كانت لديّ زوجة وأطفال، وكان ينبغي أن أحميهم، لكن بما أنني لم أستطع، فسأقوم الآن بحماية العائلات الأخرى التي تريد العيش وإنجاب الأطفال». وقال دميترو إنه نشأ يتيماً وبدأ ممارسة السرقة عندما كان صغيراً، وإنه يعتقد أن السجن يعلم الناس كيفية البقاء على قيد الحياة في بيئة صعبة، ما يعني أن السجناء السابقين قد يكونون قادرين على التعامل مع ضغوط الخطوط الأمامية بشكل أفضل من المدنيين العاديين. وقال إنه عندما قُتلت عائلته، أراد الانتقام، ولا يستطيع أن يتحمل الحديث عمن فقدهم الآن، لكنه يحلم باليوم الذي قد يتمكن فيه من البدء من جديد وإنجاب أطفال ليكونوا فخورين به. ويختتم بقوله: «لم يتبق لي سوى عام وخمسة أشهر من عقوبتي، هذا ليس كثيراً، يمكنني البقاء في السجن وعدم الذهاب إلى الحرب، لكنني متحمس، لا أريد أن يمر الآخرون بمأساتي».

وبالعودة إلى السجن، يختار كوخارشوك المجندين بعناية، ويجلس قبالتهم في غرفة المقابلة، ويسأل المتطوعين عن خلفيتهم ودوافعهم. ولا يقبل من يزيد عمره على 50 عاماً أو يعاني أي مشكلات صحية خطرة أو غير لائق بدنياً. ومن ناحية أخرى، يتم تفضيل الأيتام على الفور. وقال كوخارشوك لشبكة «سي إن إن» الأيتام الذين عاشوا طفولة صعبة واعتادوا على البقاء والتغلب على الصعوبات يميلون إلى تحقيق نتائج جيدة في الجيش. وبعد كل مقابلة يتصافح السجناء مع القائمين على التجنيد، ويملأ مَن اختيروا الأوراق ثم ينتظرون مزيداً من التعليمات.

• العديد من السجناء يعتبرون البرنامج فرصة للتخلص من ربقة «السجين السابق» التي يصمهم بها الناس حتى بعد إطلاق سراحهم.

• القانون الجديد لا يسمح بتجنيد المدانين بارتكاب جرائم ضد الأمن القومي، أو جرائم الفساد الخطرة، ويَستبعد أيضاً من ارتكبوا جرائم أشد عنفاً، أو المدانين بارتكاب جريمتي قتل مع سبق الإصرار، أو جرائم ارتُكبت بقسوة، أو جرائم قتل مقترنة بالاغتصاب أو العنف الجنسي.

الأكثر مشاركة