ماكرون يراهن على مجلس النواب في الانتخابات لكسر زخم اليمين المتطرف
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في طريقه إلى الإفلاس السياسي، بعد أن دعا إلى انتخابات مبكرة، من المرجح أن تستفيد منها زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، لكنها في الوقت ذاته، يمكن أن تعرقل خطوات لوبان في الوصول إلى منصب الرئاسة في عام 2027.
وهذه مقامرة لجأ إليها الرئيس الفرنسي، بعد الفوز الذي حققه التجمع الوطني اليميني. فمن المتوقع أن يفوز حزب اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين في الانتخابات الأوروبية في فرنسا بنسبة 32% من الأصوات أكثر من ضعف ما حققه حزب الوسط الليبرالي.
ولأسابيع عدة، ظل حزب التجمع الوطني يعلن عن «استعداده للحكم»، ويريد حل الجمعية الوطنية، إذا خسرت القائمة الرئاسية الانتخابات. حتى أن المرشح الرئيس لحزب التجمع الوطني، جوردان بارديلا، 28 عاماً، عرض أن يكون رئيساً لوزراء ماكرون إذا فاز بأغلبية في البرلمان.
اليمين يحصل على مزيد من الدعم
لم يكن التجمع الوطني، الذي كان يطلق عليه الجبهة الوطنية قبل عام 2018، قريباً من السلطة، ولم يكن لديه أعضاء في البرلمان كما هو الآن، وتظهر استطلاعات الرأي العام، أن الدعم الذي يحصل عليه اليمين الفرنسي المتطرف يزداد من خلال فئات جديدة من الناخبين. ويترقب الجميع ما إذا كانت لوبان ستتمكن من قلب دورها، باعتبارها تأتي في المرتبة الثانية في الانتخابات الفرنسية، وتفوز بمنصب الرئاسة في عام 2027.
وينظر الاتحاد الأوروبي برعب لإمكانية وصول لوبان إلى قصر الإليزيه. وعلى الرغم من أنها عملت على تجميل صورتها وتخفيف لهجتها النارية وخطابها المعادي للاتحاد الأوروبي، فإن حزبها لايزال على هامش السياسة في العديد من القضايا. وعارض حزب التجمع الوطني مراراً وتكراراً تقديم المساعدات لأوكرانيا، كما أنه يريد في نهاية المطاف مغادرة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويعارض العديد من الإجراءات القضائية الأساسية للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة. وتحدثت لوبان بلهجة شعبوية وطنية الأحد الماضي، وبعثت برسالة مناهضة للاتحاد الأوروبي قائلة إنها تريد «وضع نهاية لهذه المرحلة المؤلمة من العولمة».
وتبدو مراهنة ماكرون بسيطة، وهي تهدف إلى جعل لوبان تدرك الواقع. وعلى الرغم من أن الانتخابات الأوروبية حققت انتصاراً للتجمع الوطني، فإن الانتخابات التشريعية من غير المرجح أن تحقق مثل هذا الانتصار. وربما يحصل التجمع الوطني على مزيد من المقاعد في البرلمان إلا أنه على الأرجح لن يفوز بمقاعد كافية كي يتسلم مقاليد الحكم. وقال رئيس مجموعة يوراسيا الأوروبية مجتبى رحمان: « بالتأكيد سيضع ذلك حداً للوبان، ولا أعتقد أنها ستحقق النصر أيضاً في الانتخابات التشريعية». ولا تستخدم الانتخابات البرلمانية الفرنسية النظام الانتخابي ذاته المعمول به في الانتخابات الأوروبية. ولكي تفوز بمقعد كعضو في البرلمان الأوروبي، يجب أن تفوز بنسبة 50% في الجولة الأولى، وإذا لم تحقق تلك النسبة عليك أن تواجه إعادة الجولة. وبصورة أساسية، من الصعب كثيراً على مرشح اليمين المتطرف الفوز بمقعد في البرلمان الوطني.
ونظراً إلى أنه يتم النظر إلى بروكسل باعتبارها مصدر قلق، فإن الانتخابات الأوروبية عادة ما تكون المكان الذي يتم فيه التعبير عن التصويت الذي يعبر عن الاحتجاج بقوة. وبالمقارنة، فإن الانتخابات التشريعية عبارة عن تصويت من جولتين، في 30 يونيو والسابع من يوليو، التي تفضل تاريخياً الأحزاب الأكثر تقليدية، حيث يتجمع الناخبون من اليسار واليمين عادة حول المرشح الأكثر انتشاراً للتغلب على اليمين المتطرف.
وهذا الحشد ضد اليمين المتطرف هو التيار السياسي ذاته الذي وظفه ماكرون لهزيمة لوبان، بنسبة 59% مقابل 41%، في الانتخابات الرئاسية في عام 2022. ولكن مع تزايد مد اليمين المتطرف في عموم أوروبا، لم تعد تلك الحقائق التي ظهرت في الانتخابات الأوروبية الأخيرة في بروكسل، مضمونة في الحقائق السياسية اليوم.
وعلى الأرجح فإن ماكرون سيستغل الأسابيع الثلاثة المقبلة، لحشد الدعم ضد تهديد اليمين المتطرف. وعلى الرغم من أن مثل هذا الحشد قد نجح في الماضي، فإن اليمين المتطرف أصبح الآن أكثر انتشاراً في فرنسا مما كان عليه في السابق. وثمة فرصة ضئيلة أن يحقق التجمع الوطني الفوز بأغلبية المقاعد، ويجبر الرئيس الفرنسي على تشكيل حكومة ائتلافية، الأمر الذي سيمنح اليمين المتطرف سلطة غير متوقعة.
الصدمة
أدى إعلان ماكرون إجراء انتخابات تشريعية قبل بضعة أسابيع من ألعاب باريس 2024 الأولمبية، إلى إصابة كثيرين بالصدمة، حتى من هم في حزبه، وأطلق العنان لحالة من انعدام اليقين السياسي. وأعلن الرئيس الفرنسي مساء يوم الأحد الماضي، أي بعد ساعة واحدة من ظهور نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، أنه لن يبقى في منصبه «وكأن شيئاً لم يحدث» بعد هزيمة حزبه. وقال ماكرون «فرنسا بحاجة إلى أغلبية واضحة ومنسجمة. ولكي تكون فرنسياً في القلب عليك أن تختار كتابة التاريخ وليس البقاء خلفه».
ويعكس قرار الرئيس الفرنسي محاولة رئيس الحكومة البريطانية السابق ديفيد كاميرون الفاشلة في إسكات زملائه المتشككين في الاتحاد الأوروبي عن طريق الدعوة إلى استفتاء بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه لحل مشكلة عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي.
وقال كاميرون عندما أعلن عن الاستفتاء بعضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي عام 2013 «أؤمن في مواجهة هذه القضية، وصياغتها، وقيادة الجدل».
ووفقاً لما يقوله رحمان، فإن ماكرون يتجه نحو أزمة سياسية هذا العام مهما كانت نتيجة الانتخابات. وأضاف رحمان: «كان بإمكانه رؤية الكتابة على الحائط، كان يعلم أن الانتخابات المبكرة قادمة، ولقد أراد أن يقف أمامها ويأخذ زمام المبادرة».
وأصيبت الجمعية الوطنية الفرنسية بالشلل منذ أن خسر ائتلاف ماكرون أغلبيته المطلقة في الانتخابات البرلمانية عام 2022.
وكان يعتمد على صفقات مع حزب الجمهوريين المحافظ لتمرير التشريعات، ولكن الحكومة لم يكن بوسعها المراوغة لفترة أطول. وستتم دعوة المشرعين في الخريف المقبل، للتصويت على قضية أساسية هي الميزانية، وسط ارتفاع العجز المتزايد.
اللعب بالنار
وفي حين تغير خطوة ماكرون الجريئة السرد في الأسابيع المقبلة، فإن نتيجة الانتخابات التشريعية المبكرة ليست مؤكدة على الإطلاق.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس بانثيون، بنجامين موريل: بعد الانتخابات الرئاسية، عادة ما توفر الانتخابات البرلمانية أغلبية قوية للرئيس، لأن ناخبيه يشعرون بالانتعاش وتصبح المعارضة مترنحة. لكنه أضاف متسائلاً: «من يدري من سيحشد قواه من أجل هذه الانتخابات المبكرة؟». فمن غير الواضح هل سيكون معسكر ماكرون أم أن ناخبي لوبان سيكونون الأكثر تضرراً من الامتناع عن التصويت بعد الانتخابات الأوروبية.
لكن من المرجح أن يزيد التجمع الوطني عدد مقاعده في البرلمان من 88 مقعداً في المجلس المؤلف من 577 مقعداً. لكن السؤال الآن هو إلى أي مدى سيقدمون أداء جيداً؟
وأظهر استطلاع أجرته صحيفة ألجي ريبيبليكان الفرنسية في ديسمبر من العام الماضي، أن حزب التجمع الوطني يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة في انتخابات مبكرة ويحصل على ما بين 243 و305 مقاعد في البرلمان، وهو ما يحتمل أن يكون أكثر من العتبة المطلوبة للأغلبية. وفي هذا السيناريو غير المرجح، سيكون ماكرون ملزماً بحكم التقاليد بترشيح رئيس وزراء من حزب التجمع الوطني، يكون مسؤولاً عن وضع سياسات الحكومة. وهذا من شأنه أن يجعل لوبان أقرب خطوة إلى السلطة.