يشكل خطراً مستمراً على المساعدات الاقتصادية والعسكرية من أميركا والغرب       

«الفساد في أوكرانيا».. مصدر توتر متزايد بين كييف وأقوى مؤيديها

صورة

تقول واشنطن وحلفاؤها الغربيون إن كييف لا تفعل ما يكفي لمحاربة الفساد. ويعتقد خبراء أن أوكرانيا ربما تبالغ في الادعاء بنجاحها في محاربة الفساد لإرضاء الداعمين وإخفاء المساءلة. ويصر المسؤولون الأوكرانيون على أنهم يحاربون الفساد بالشراسة نفسها التي تقاتل بها قواتهم الجيش الروسي في الشرق، لكن الحكومات الغربية - بما في ذلك الولايات المتحدة - تقول إن ذلك لا يزال غير كافٍ، الأمر الذي يخلق مصدر توتر على نحو متزايد بين كييف وبعض أقوى مؤيديها، ما يشكل خطراً مستمراً على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الإضافية.

وتفتح كييف كل شهر تقريباً قضية جديدة ضمن سلسلة الاعتقالات والفصل من الخدمة رفيعة المستوى. ففي أواخر مايو، اتُهم النائب السابق لرئيس الإدارة الرئاسية، أندري سميرنوف، بـ«الإثراء غير المشروع» من قِبل المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا، حيث ادعى المكتب أن سميرنوف حصل على عقارات ومركبات وأصول أخرى تبلغ قيمتها أكثر من 10 أضعاف ما تم الإبلاغ عنه.

وفي أبريل، أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رئيس قسم الأمن السيبراني في جهاز الأمن الأوكراني، إيليا فيتيوك، بعد أيام من نشر وسائل الإعلام المحلية خبراً مفاده أن زوجة فيتيوك اشترت شقة بأكثر من 500 ألف دولار في أحد أحياء النخبة في كييف.

وخلال العام الماضي، اتُهم رئيس المحكمة العليا في البلاد، فسيفولود كنيازيف، بتلقي أكثر من مليوني دولار على شكل رشاوى، وتم فصله فوراً. وسُجن أحد رجال الأعمال البارزين، واسمه إيهور كولومويسكي - كان سابقاً من أشد المؤيدين لزيلينسكي - للاشتباه في تورطه في الاحتيال والاختلاس وغسل الأموال، ثم اتُهم بتمويل مخطط قتل مقابل أجر في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

ويقول المسؤولون الأوكرانيون، إن التحقيق في هذه الحالات دليل على جهود متضافرة وناجحة لمكافحة الكسب غير المشروع. ويصر جميع المتهمين على براءتهم، على الرغم من أنهم لم يمثلوا أمام المحكمة بعد. ويقول رئيس وحدة خاصة لمكافحة الفساد في مكتب المدعي العام الأوكراني، واسمه أولكسندر كليمينكو: «إن تضاعُف عدد القضايا لا يعني أن الفساد تضاعف، بل على العكس من ذلك: هذا يعني أننا أصبحنا فعّالين مرتين في هذا الخصوص عما كان عليه الحال من قبل».

لكن العواصم الغربية ليست متأكدة من فاعلية ذلك، فهناك مليارات الدولارات على المحك في حرب أوكرانيا على الفساد، وليس فقط أموال الضرائب في البلاد، وإنما أيضاً المساعدات العسكرية والاقتصادية الغربية. وفي حين لم تكن هناك مزاعم مباشرة عن إساءة التعامل مع الأموال والأسلحة الأميركية أو اختلاسها، فقد أشار الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس إلى مخاوف الفساد باعتبارها من بين الأسباب التي دفعتهم إلى عرقلة حزمة مساعدات بقيمة 61 مليار دولار، وهو التأخير الذي استمر لأشهر عدة، ما سمح للقوات الروسية بالتقدم.

أحد الاتهامات هو أن زيلينسكي استخدم أموالاً أجنبية لشراء يختين فاخرين، ثبت كذبه وإرجاعه إلى مصادر معلومات مضللة روسية.

ولعقود من الزمن، استشرى الفساد في أوكرانيا، وسيطرت قلة من المواطنين على الصناعات الرئيسة والمقاعد في البرلمان. وكان الموظفون العموميون - بما في ذلك القضاة - معروضين للبيع، لكن العديد من المسؤولين الأوكرانيين يقولون، إن البلاد خطت خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة، لكنها لا تحصل على مصداقية كافية في هذا الصدد. ويُعد مكتب كليمينكو واحداً من هيئات عدة لمكافحة الفساد تم إنشاؤها منذ ثورة الميدان عام 2014، عندما خرج مئات الآلاف من الأوكرانيين إلى الشوارع جزئياً، لأنهم سئموا الفساد المستشري في عهد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش.

وتشمل المكاتب الجديدة الأخرى: المكتب الوطني لمكافحة الفساد الذي يحقق في قضايا الفساد، والمحكمة العليا لمكافحة الفساد، والوكالة الوطنية للوقاية من الفساد، التي تتولى صياغة سياسة مكافحة الفساد، وإدارة خاصة لمكافحة الفساد في وزارة الدفاع، كما تكرس العديد من المجموعات المدنية ووسائل الإعلام جهودها لكشف الفساد.

لكن المسؤولين الأميركيين - بمن فيهم وزير الخارجية - أنتوني بلينكن، يقولون إن هذا لا يزال غير كافٍ. وقال في كييف، الشهر الماضي، إن أوكرانيا «اتخذت خطوات مهمة، لكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين عليها القيام به». وقال في خطاب ألقاه، إن أوكرانيا تحتاج إلى «بيئة تنظيمية قوية يمكن التنبؤ بها، مثل المنافسة المفتوحة والعادلة، والشفافية وسيادة القانون، وتدابير فعالة لمكافحة الفساد». وأضاف بلينكن: «النصر في ساحة المعركة سيمنع أوكرانيا من أن تصبح جزءاً من روسيا، وإن الانتصار في الحرب على الفساد سيمنع أوكرانيا من أن تصبح مثل روسيا». ويشعر كبار المسؤولين في كييف - بما في ذلك وزير الخارجية دميترو كوليبا - بالغضب من مثل هذا التوبيخ الضمني.

وشاب التوتر الاجتماع بين زيلينسكي وبلينكن، وأعرب الزعيم الأوكراني عن تقديره للمساعدات العسكرية الأميركية، لكنه بدا محبطاً بسبب تركيز بلينكن على الفساد، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشة.

ويشكو كبار المسؤولين الأوكرانيين من أن الأميركيين والأوروبيين غالباً ما يستخدمون الصورة النمطية لأوكرانيا، باعتبارها فاسدة، كذريعة لتأخير أو معارضة المساعدات التي تحتاج إليها بشدة، وأن الاتهام ليس مجرد مبتذل فحسب، بل دليل على النفاق في العواصم في ما يتصل بقضايا الفساد الخاصة بها.

وتقول نائبة رئيس الوزراء، أولها ستيفانيشينا، التي تشرف على ملف الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، في مقابلة العام الماضي: «لماذا ينعتوننا بالفساد؟ هناك بعض من مسؤوليهم أدينوا بالفساد». وتقول ستيفانيشينا إنها لا تعني بلداً بعينه، لكن أحداث العامين الماضيين تقدم أمثلة عدة. وتقول إن القادة في البرتغال وإسبانيا، وكذلك المسؤولين في البرلمان الأوروبي، واجهوا مزاعم بالفساد.

وبعد أن حث المسؤولون الغربيون كييف على فرض قواعد أكثر صرامة لمحاربة الفساد، أشارت ستيفانيشينا إلى تقرير صدر العام الماضي مفاده أن المسؤول الكبير عن شؤون الاتحاد الأوروبي، جيرت يان كوبمان، يمتلك منذ عام 2009، فندقاً فخماً في بالي بإندونيسيا، وهو الأمر الذي لم يكن مطلوباً منه الكشف عنه بموجب قانون الاتحاد الأوروبي.

وتقول مديرة شبكة مكافحة الفساد في المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية، أولغا سافران، إن بعض أشد منتقدي أوكرانيا كانوا ينشرون «معلومات مضللة مسيسة». وتقول إن أوكرانيا ليست «قضية فاشلة ولا قضية خاسرة». وتضيف سافران: «هناك كثير من التقدم في هذا الصدد، لكن الفساد سيظل يمثل مشكلة كبرى في بنية السلطة في أوكرانيا، والتي لا تزال قائمة على سيطرة القلة واستشراء الفساد على أعلى المستويات، والذي يمتد إلى كل المستويات الأخرى».

حتى إن بعض أكبر قضايا الفساد في العالم الغربي تعكس صورة مختلطة، فقد زار كنيازيف واشنطن قبل أسابيع فقط من اعتقاله بتهمة الرشوة في مايو 2023، وتم تقديمه كأحد أعمدة اللياقة. والتقى العديد من كبار المسؤولين الأميركيين وأثار إعجابهم، بما في ذلك السيناتور جيمس إي. ريش (أيداهو)، وهو أكبر عضو جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

ويقول المسؤولون إن الضغط الأكبر للقضاء على الفساد لا يأتي من الغرب، بل من الشعب الأوكراني، فقد أثار الغضب العام بشأن تزوير الانتخابات والفساد الحكومي ثورتين في البلاد. وفي عام 2019، دفع غضب مماثل زيلينسكي إلى الرئاسة على وعود بالقضاء على الفساد. وتقول رئيسة مركز مكافحة الفساد، داريا كالينيوك، وهو أحد هيئات مراقبة الفساد الرئيسة في أوكرانيا، إن مفتاح هذه الجهود هو الإصلاح القضائي، وهو «حجر الزاوية» لمكافحة الفساد. وتضيف كالينيوك: «إذا كان القضاة فاسدين، فإن المجتمع يصبح بلا حقوق، ومن السهل أن يميل إلى الاستبداد». ويقول الرئيس السابق لمنظمة الشفافية الدولية في أوكرانيا، ياروسلاف يورتشيشين، وهو الآن عضو معارض في البرلمان: «في وقت الحرب، لدينا صحافيون يحققون في قضايا الفساد، فهل تمتلك روسيا أو بيلاروسيا ذلك».

• المسؤولون الأوكرانيون يقولون إن التحقيق في حالات الفساد دليل على جهود ناجحة لمكافحة الكسب غير المشروع.

• أميركا والعواصم الغربية تؤكد أن كييف لا تفعل ما فيه الكفاية لمحاربة الفساد.

 

تويتر