من الضروري إفساح المجال أمام المتنافسين
التسرع في دعم هاريس قد يكلف الديمقراطيين ثمناً باهظاً
قبل أيام فعل الرئيس جو بايدن الشيء المُشرف، بعد أسابيع من إنكار ضرورة القيام بأي شيء على الإطلاق، وقد فاجأ حزبه بإعلانه الانسحاب من السباق الانتخابي، والآن، وعلى عجل، يرتكب الديمقراطيون خطأً فادحاً، إذ يبدو أنهم لن يجنوا سوى أقل قدر ممكن من الفائدة من قرار بايدن. والخطأ ليس في اختيار كامالا هاريس، إنما هو الحشد المفاجئ خلفها، وسيل التأييد، اللذان جاءا مباشرة بعد اتخاذ بايدن قراراً بعدم الترشح. ولم تكن شيخوخة بايدن سوى جزء من أزمة الحزب، أما الجزء الآخر فكان الانطباع بأن سياسة الديمقراطيين بدت وكأنها دمية يتلاعب بها أطراف لصالح مرشح من اختيارهم، ومحاولة دعمه بشتى الطرق رغم المخاطر المرتبطة بالحملات الانتخابية.
لمدة 27 دقيقة بين الوقت الذي أعلن فيه بايدن انسحابه والوقت الذي أعلن فيه تأييده لنائبته، بدت المنافسة مفتوحة على مصراعيها بشكل مثير، وكان ينبغي للديمقراطيين أن يبقوا الباب مفتوحاً طوال الوقت إلى المؤتمر الشهر المقبل في شيكاغو.
وكتبت تريسي ماكميلان كوتوم، في عمود بعنوان «كامالا أو الفشل»، أن «المؤتمر الوطني الديمقراطي ليس هو الوقت المناسب للتقاضي بشأن قدرة (هاريس) على تولي منصب بايدن»، متابعة: «كان الوقت للقيام بذلك في عام 2020»، وهي على حق في ما يتعلق بالجزء الثاني. لقد أقنعت الضرورة الملحة لهزيمة دونالد ترامب في عام 2020 العديد من الديمقراطيين بضرورة تأجيل المناقشات الداخلية المشاكسة حول اتجاه الحزب لصالح وحدة الحزب، وفي تلك الظروف لم يتم التدقيق لا على بايدن ولا نائبته بشكل كافٍ.
لقد كانا تجسيداً للرغبة في ولاية أوباما الثالثة، وعلى هذا الأساس حصلوا على الموافقة «القلبية» والأكثر عفوية من الحزب. وبعد مرور أربع سنوات، كان الرئيس ونائبته يعملان وفق سجلهما (اقتصاد قوي وإن لم يكن يحظى بشعبية، وسياسة خارجية مشوشة إلى حد ما)، ولكنهما لم يعبّرا بعد عن رؤية مميزة، وكان ينبغي للحزب أن يطالب بهذه الرؤية في عام 2020، أو في الواقع في عام 2016.
وجهات نظر متماسكة
المرشحون الذين لا يطورون مبادئ واضحة ووجهات نظر متماسكة ينتهي بهم الأمر إلى شن حملاتهم الانتخابية على لا شيء على الإطلاق، مثل ثرثرة هاريس الشهيرة الآن حول «الإيمان بما يمكن أن يكون غير مثقل بما كان». ويعتمد غالبية الساسة على خطاب تافه من هذا النوع في وقت مبكر من حملتهم الانتخابية، مثل: «نعم نستطيع»، و«ألف نقطة من الضوء»، و«لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» وغيرها، ولكن في مرحلة ما من الطبيعي أن يفسح السياسي المجال لتفاصيل سياسته ورؤيته، ما لم يظل في دور شرفي إلى حد كبير، مثل منصب نائب الرئيس، إذ لا يواجه أبداً ضغوط الحملة الانتخابية.
يود الناخب الأميركي أن يعرف ما إذا كانت هاريس «غير المثقلة بالأعباء»، يعني أنها كرئيسة ستزود أوكرانيا بقدرات هجومية بعيدة المدى ضد أهداف في روسيا، وما إذا كانت تخطط لإلغاء التعريفات الجمركية أو تعزيزها.
وإذا كان إطلاق الحملة الانتخابية بمثابة فرصة للمرشح لإظهار ابتسامته اللؤلئية، فإن الانتخابات التمهيدية هي فرصة المرشح الحقيقية لإظهار تلك الابتسامة بعد تعرضه للانتقاد مرات عدة، وكما هي الحال في الملاكمة من الأفضل أن يتلقى المرء ضربات التدريب من شريك السجال بدلاً من الخصم المدافع الذي ينتظره في ليلة النزال.
وتواجه هاريس الآن فترة حرجة، والتي كان من الممكن أن يمددها الديمقراطيون على مدى أسابيع، حيث سيسعى مرشحون آخرون إلى إزاحتها، وإذا فشلوا باتوا أشخاصاً مرشحين لمنصب نائب الرئيس. ومن شأن هذه العملية أيضاً أن تخلف مثلها كمثل الانتخابات التمهيدية العادية تأثيرات مفيدة وطويلة الأمد على الحزب من خلال إظهار المواهب الشابة التي من المرجح أن تنضج وتتحول إلى قيادات ديمقراطية.
عملية اختيار مطولة
ومن شأن عملية الاختيار المطولة أن تمنح مزايا استراتيجية أيضاً، وعادةً ما يلتزم الحزب بالبرنامج وتذكرة المرشحين قبل أشهر عدة (أو سنوات في حالة شاغلي المناصب) قبل الانتخابات. ووصف المحلل تيم ألبرتا التخطيط الدقيق لحملة ترامب، قائلاً: «حتى اختيار السيناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو لمنصب نائب الرئيس كان يهدف إلى زيادة الهوامش مع القاعدة بدلاً من إقناع الناخبين المتأرجحين». والآن بعد أن التزم ترامب بمساره، أصبح لدى الديمقراطيين فرصة غير عادية لمراجعة استراتيجيتهم لمواجهة تكتيكاته.
وقال المستشار السابق لترامب، ستيفن ميلر، على قناة «فوكس نيوز» إن «الحزب الجمهوري أنفق عشرات الملايين من الدولارات في الانتخابات ضد جو بايدن» مع إحساس متذمر وجريح بأن الديمقراطيين انتهكوا حدود اللعب النظيف، وقد فعلوا ذلك في بعض النواحي، ولكن الآن بعد أن أعادوا رسم تلك الحدود في منتصف الحملة، ربما عليهم أيضاً الاستفادة الكاملة من الفرصة المتاحة لهم. وهذا يعني عدم تزويد ترامب بهدف ثابت، ومعايرة عملية اختيارهم لتحقيق أقصى قدر من النيل من حملته المغلقة.
مزيد من الزخم
والميزة الاستراتيجية الأخرى هي الاهتمام. وللحصول على مزيد من الزخم بعد انسحاب بايدن، كان على ترامب أن يحصل على رصاصة في أذنه الأخرى. وقد اعتمدت حياته السياسية بأكملها على افتتان الجمهور، الأمر الذي كان مرضياً أحياناً عندما يقول أشياء غريبة وغير متوقعة. ولا يمكن لأي سياسي أميركي - بشكل منفرد - أن يضاهي قدرته، ولكن بشكل جماعي، ومع ضغط المنافسة الحقيقية على مدى الأسابيع القليلة المقبلة، يمكن إنشاء مشهد أكثر قدرة على إقناع الناخبين، ومواجهة سلسلة من التجمعات الانتخابية لترامب. وبدت هاريس نفسها مستعدة لتجنب خطأ الثناء المبكر على نفسها، ووعدت بـ«الفوز» بترشيح حزبها دون أي توقع واضح بأن الترشيح سيتم إغلاقه في وجه الآخرين، وبدا أيضاً أن الرئيس السابق باراك أوباما، وهو سياسي موهوب استراتيجياً في حزبه، مستعداً للاستفادة من المنافسة. وقال إنه يتوقع من الحزب أن «يخلق عملية يخرج منها مرشح بارز»، ولكن هذه الخيارات بدأت تتلاشى الآن.
ومهما يكن فقد كان لزاماً على بايدن أن يرحل، وكان استبداله بأي مرشح وُلد بعد الحرب الكورية ضرورياً لتحسين فرص الديمقراطيين، ولكن طريقة هذا الاستبدال يفترض أن تقدم فرصاً للمتنافسين، وحتى السيناتور البارز جو مانشين من ولاية فرجينيا، كان قد جاء خلف هاريس في القائمة. ويبدو أن الديمقراطيين «لا يتركون أبداً مجالاً لتفويت الفرصة»، كما يقال.
• أقنعت الضرورة الملحة لهزيمة ترامب في 2020 العديد من الديمقراطيين بتأجيل المناقشات الداخلية المشاكسة لمصلحة وحدة الحزب.
• أصبح لدى الديمقراطيين فرصة غير عادية لمراجعة استراتيجيتهم لمواجهة تكتيكات ترامب.
• بايدن وهاريس كانا تجسيداً للرغبة في ولاية أوباما الثالثة، وعلى هذا الأساس حصلوا على الموافقة «القلبية» من الحزب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news