الرئيسان واجها أمة منقسمة بشدة خلال فترة توليهما منصبهما
جونسون آخر رئيس أميركي ينسحب من السباق الرئاسي قبل بايدن
«لن أسعى ولن أقبل ترشيح حزبي لفترة انتخابية ثانية كرئيس للدولة»، كانت هذه كلمات الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أعلن انسحابه من الحملة الانتخابية يوم الأحد الماضي. وكان رئيس سابق للولايات المتحدة سحب نفسه من الانتخابات أيضاً هو ليندون بي. جونسون، قال مثل هذه الكلمات من مكتبه في المكتب البيضاوي في 31 مارس عام 1968.
وكنت في المدرسة الثانوية في ذلك الوقت، وأتذكر مشاهدتي لخطاب جونسون مع والدي على جهاز تلفاز قديم باللونين الأبيض والأسود. وكانت الأحداث الكبرى طوال فترة الستينات تتصادم بكثافة فوضوية يصعب فك تشابكها عند النظر إليها من منظور حالي، وهو الأمر الذي قد يبدو مألوفاً للغاية في أيامنا الحالية.
ومن بين كل السنوات، كان عام 1968 الأكثر توتراً، إذ إنه بدأ الأمر بهجوم «تيت» في فيتنام، والذي كان في النهاية هزيمة عسكرية لفيتنام الشمالية ومقاتلي الفيت كونغ، ولكنه كان ضربة نفسية لم تتعافَ منها الولايات المتحدة. وفي مارس من العام ذاته، كان الأداء القوي في الانتخابات التمهيدية في ولاية نيو هامبشاير من قبل المرشح المناهض للحرب السيناتور يوجين مكارثي ضد جونسون الحالي، يبدو وكأنه بمثابة فوز. وفي أبريل من العام ذاته جاء اغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور، وفي يونيو من العام ذاته جرى اغتيال السيناتور روبرت ف. كينيدي، وفي أغسطس من العام ذاته حدثت التظاهرات وكانت استجابة الشرطة عليها شرسة للغاية خارج المؤتمر الديمقراطي في شيكاغو.
مفاجأة لأميركا
وجاء انسحاب جونسون من السباق الرئاسي بمثابة مفاجأة كبيرة لأميركا أكثر من خروج بايدن، وغطى على إعلانه، في الخطاب نفسه، عن توقف القصف في فيتنام وعودة متجددة للمفاوضات. ولطالما تساءلت عن نوع اللحظة التي كانت بالنسبة له.
وفي وقت سابق من هذا العام، نشرت مجلة «ذا أتلانتيك» مقتطفات من مذكرات المؤرخة والصحافية الأميركية دوريس كيرنز غودوين المستندة إلى أكثر من 300 صندوق من المواد الأرشيفية التي احتفظ بها زوجها ريتشارد «ديك» غودوين من وقته ككاتب خطابات بارز ومستشار رئاسي. ولعب جونسون دوراً مهماً في حياة كل منهما. وكتب ديك غودوين بعض خطابات جونسون البارزة، ونشرت دوريس كيرنز غودوين، والمساعد الخاص السابق لجونسون، أول كتاب لها في عام 1976 عن جونسون، الذي عملت معه عن كثب أثناء كتابة مذكراته.
وضع محفوف بالمخاطر
وقالت لي دوريس عندما تحدثنا معاً في الأسبوع الماضي: «أول شيء يجب أن تعرفه أنه في مارس 1968 كان الرئيس جونسون يواجه وضعاً سياسياً محفوفاً بالمخاطر. فقد لقي صدمة كبيرة في ولاية هامبشاير وكان من المتوقع أن يخسر خسارة مدوية في ولاية ويسكونسن. والأمر الأكثر أهمية فقد أبلغه جنرالاته أنه تعين عليه إرسال نحو 200 ألف جندي إلى فيتنام، ولكن حتى في ذلك الوقت كان أقصى ما يمكن توقعه هو الجمود في ساحة القتال، والأمر الأكثر أهمية أيضاً مسألة صحته. فقد أصيب جونسون بنوبة قلبية حادة في عام 1955، وتميز رجال عائلته بتاريخ من الوفيات المبكرة. وفي عام 1967، خضع لدراسة تقديرية سرية حول متوسط عمره المتوقع، وقيل له إنه سيموت في سن الـ64، وهو التنبؤ الذي تحقق بالفعل. وقال غودوين «كان جونسون سيموت في تلك الفترة، لو كان قد فاز بولاية ثانية».
ويتذكر غودوين حتى اللحظة الأخيرة في الـ31 من مارس 1968، لم يكن أقرب الناس إلى جونسون متأكدين من أنه سيلقي الجزء الأخير من خطابه الذي يحوي فقرة الانسحاب. وفي عام 1964، فكّر في عدم الترشح لولاية كاملة كرئيس، وساعدته زوجته، ليدي بيرد جونسون، في تغيير رأيه. وفي هذه الحالة، كان الانسحاب من السباق ضرورياً لصدقيته بشأن فيتنام، فقد اعتقد أنه لن يصدقه الآخرون باعتباره يتصرف بحسن نية لإنهاء الحرب إذا كان لايزال مرشحاً للانتخابات الرئاسية.
المبادئ أهم من السياسة
وقال غودوين معلقاً على تلك اللحظة «في تلك الليلة، أعتقد أنه شعر بالارتياح وعرف أنه فعل الشيء الصحيح. لقد وضع المبادئ في مكانة أكثر أهمية من السياسة. وهذه تضحية شخصية بالنسبة له. وذهب إلى كاتدرائية القديس باتريك، ونال هناك تصفيقاً حاراً. وأشارت استطلاعات الرأي إلى انتقاله من نسبة 57% عدم موافقة إلى نسبة 57% موافقة. والأهم من ذلك، في 3 أبريل، تلقّى رسالة مفادها أن فيتنام الشمالية مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وقال مساعده هوراس باسبي إن ذلك كان بالنسبة لجونسون أحد أسعد أيام رئاسته».
وبعد وقت قصير من إلقاء جونسون لخطابه، وصف الكاتب الصحافي في صحيفة نيويورك تايمز، توم ويكر، أحد أبرز الكتاب السياسيين في زمانه كيف اندفع جونسون بلا هوادة إلى فيتنام، فقد كانت خلفية الحرب المستعصية صعبة، إذ إن أكثر من نصف مليون جندي أميركي يقاتلون على أرض أجنبية، وهذه واحدة من الاختلافات الكثيرة بين قرار جونسون بعدم الترشح وقرار بايدن للقيام بذلك. ولم يكن جونسون في حالة تدهور جسدي واضح، كما بدا عليه بايدن، كما أن المؤسسات السياسية والمدنية في ذلك الوقت كانت أقوى بكثير مما هي عليه الآن. ولم يكن هناك شخص شعبوي واستبدادي ينتظر في الكواليس، ولم يكن مستقبل الديمقراطية الأميركية على المحك. ولكن كلا الرئيسين واجه أمة منقسمة بشدة، وبدا أن كليهما يفهم أنه لا يمكن أن يكون الأداة المطلوبة لعلاج هذه الانقسامات.
انسحاب مشحون بالحزن
وكان خطاب بايدن القصير للأمة الذي أعلن فيه انسحابه مشحوناً بالحزن. وكما هي الحال لدى جونسون، كان بايدن سياسياً قديماً، وكان في سنته الأخيرة في كلية الحقوق عندما ألقى جونسون خطاب الانسحاب. وتم انتخابه لعضوية مجلس مقاطعة نيو كاسل بعد عامين تقريباً، ثم لمجلس الشيوخ الأميركي بعد ذلك بعامين. ولقد ساعدته السياسة في اكتساب هدف في مواجهة المأساة الشخصية التي تمثلت في وفاة زوجته وابنته في حادث سيارة عام 1972، ووفاة ابنه لاحقاً بسبب سرطان المخ عام 2015.
فهل سيجرب بايدن الإحساس بالتحرر الذي شعر به جونسون؟ بالنسبة لجونسون، فقد كانت عبارة عن ذكريات. وفي الرابع من أبريل 1968، قُتل داعي الحقوق المدنية. ودارت بقية أحداث عام 1968 في حالة من الغضب والاحتجاج والعنف. وتعثرت محادثات السلام في فيتنام، ولم يكن التقاعد سهلاً عندما جاء. وأسهم كاتب الخطابات السابق في البيت الأبيض ليو جانوس، في تقديم رواية مؤلمة لمجلة «ذا أتلانتيك» عن حياة جونسون بعد الرئاسة في مزرعة جونسون في تكساس، حيث واجه جونسون المزيد من المشكلات الصحية وكافح من أجل التأقلم مع نفيه من السياسة. ويتذكر غودوين، قائلاً: «لقد أراد كثيراً أن يتذكر الناس ما فعله»، ويتملك بايدن الكثير الذي يجب أن يتذكره الناس عنه أيضاً. وقد يستغرق الأمر عقوداً من الزمن لتقدير قيمته، وقد تهدره البلاد على أي حال. وهناك شيء واحد يمكن قوله على وجه اليقين: أياً كان ما سيفعله جو بايدن عندما يترك منصبه، فلن يقود سيارته في مزرعة مساحتها نحو 140 هكتاراً في ديلاوير لتفحص ماشيته.
• انسحاب جونسون من السباق الرئاسي جاء بمثابة مفاجأة كبيرة لأميركا أكثر من خروج بايدن، وغطى على إعلانه، في الخطاب نفسه، عن توقف القصف في فيتنام وعودة متجددة للمفاوضات.
• الرئيس جونسون كان يواجه وضعاً سياسياً محفوفاً بالمخاطر، فقد لقي صدمة كبيرة في ولاية نيو هامبشاير وكان من المتوقع أن يخسر خسارة مدوية في ولاية ويسكونسن.
كولين مورفي صحافي وكاتب أميركي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news