أسعار المواد الغذائية تتحول إلى معركة سياسية خلال الانتخابات
تعهدت نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الرئاسية الديمقراطية، كامالا هاريس، بمحاربة الاحتكار على أرفف البقالات. ويريد الاتحاد الأوروبي أجوراً أكثر عدالة للمزارعين، بينما يدعو الخبراء إلى مزيد من الشفافية في سوق المواد الغذائية. فقد أعلنت هاريس خلال خطاب حملتها الأول في ولاية كارولينا الشمالية في 16 أغسطس، أنها ستعمل «على تمرير أول قانون فيدرالي يحظر على الإطلاق الاحتكار في أسعار المواد الغذائية». وأصبحت مكافحة التضخم قضية مركزية في الحملة الرئاسية الأميركية، حيث ركز النقاش بشكل أساسي على تضخم أسعار المواد الغذائية، على الرغم من أنه عاد إلى معدل «طبيعي» تقريباً بنسبة 2.9% في يوليو 2024.
وبينما لم يعد تضخم أسعار المواد الغذائية في أوروبا يتسارع مثلما كان في 2021 و2023، كما تُظهر بيانات «يوروستات»، «تظل مستويات الأسعار مرتفعة، مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاث سنوات» في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما يقول الباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، جوزيف جلاوبر. ويضيف أنه في الولايات المتحدة مثلاً «منذ يونيو 2021، بلغ متوسط التضخم الغذائي المحلي 6% سنوياً».
آلية تسعير غير شفافة
على جانبي الأطلسي، يعود أصل التضخم إلى اضطراب سلسلة التوريد الناجم عن جائحة «كوفيد-19»، وخصوصاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وارتفاع أسعار الطاقة الذي بدأ أواخر عام 2021، واشتدت حدته بعد حرب روسيا على أوكرانيا، لكن بالنسبة للمدير السابق للاستراتيجية وتحليل السياسات في المديرية العامة للزراعة في المفوضية الأوروبية، تاتسوس هانيوتيس، فإن هذه العوامل «لا يبدو أنها تفسّر مستوى التغيير واستمرار ارتفاع الأسعار، خصوصاً أن الشفافية تظل مجرد أمنية أكثر من كونها حقيقة في سلسلة الغذاء». ويقول رئيس سياسة الغذاء في منظمة المستهلكين الأوروبية، كاميل بيرين: «على جانبي الأطلسي هناك مخاوف من أن بعض الشركات ربما استغلت السياق التضخمي لرفع أسعارها فوق الزيادة في تكاليف الإنتاج، من أجل زيادة هوامشها».
وكان الافتقار إلى الشفافية في سلسلة الغذاء إحدى القوى الدافعة وراء احتجاجات المزارعين التي هزت أوروبا في الشتاء الماضي. واستجابة لذلك، أطلقت المفوضية الأوروبية في يوليو مرصداً لتحسين الشفافية في الأسعار، وتوزيع القيمة في سلسلة توريد الأغذية الزراعية. وفي الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تعزز التدابير توجيه الممارسات التجارية غير العادلة في سلسلة الغذاء لضمان تطبيقه عبر الحدود، وإدخال تغييرات على لائحة السياسة الزراعية المشتركة بشأن العقود والمفاوضة الجماعية للمزارعين، لكن «دون شفافية الأسعار الحقيقية، لن يكون هناك فهم واضح للأسباب الجذرية لتغيرات الأسعار، وستظل الشكوك في استخدام تطورات أسعار السلع الأساسية والتوترات الجيوسياسية ذريعة»، كما أكد هانيوتيس.
تركيز السوق
وبالنسبة لهذا الخبير، أصبحت السوق الأوروبية مركزة بشكل متزايد في اتجاه المنبع والمصب لسلسلة الغذاء: أقل من 10 لاعبين مسؤولون عن 50% من إنتاج الغذاء. إن تركيز السوق في «عدد صغير من الشركات الكبيرة» بالاتحاد الأوروبي، كما اعترفت المفوضية، واضح أيضاً في الولايات المتحدة، لذلك يدعو الحزب الديمقراطي الأميركي في بيانه الانتخابي الجهات التنظيمية الفيدرالية إلى «مراجعة مجموعة فرعية من عمليات الاندماج والاستحواذ التي حدثت منذ تولي الرئيس ترامب منصبه».
وتقول هاريس في خطابها: «سنساعد صناعة الأغذية على أن تصبح أكثر تنافسية، لأنني أعتقد أن المنافسة هي شريان الحياة لاقتصادنا. مزيد من المنافسة يعني انخفاض الأسعار لك ولأسرتك»، مضيفة أنها ستفرض «عقوبات جديدة» على الشركات «التي تستغل الأزمات وتخرق القواعد».
المزارعون والمستهلكون
تتميز المناقشات على جانبي الأطلسي بفارق رئيس واحد: تركز هاريس على إبقاء الأسعار منخفضة للمستهلكين، بينما يركز النقاش الأوروبي على تحسين دخول المزارعين من خلال منحهم قوة مساومة أكبر في مواجهة الشركات، وفي كلتا الحالتين تدور إحدى الأفكار المتداولة حول إدخال بعض أشكال تحديد الأسعار، حتى إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في الأول من فبراير أن تسمح قواعد الاتحاد الأوروبي أثناء المفاوضات التجارية بتحديد أسعار المواد الخام الزراعية بناء على تكاليف الإنتاج. ويبدو أن هذه القضية أقل أهمية في الولايات المتحدة، حيث يوجد ما يزيد قليلاً على مليوني مزرعة (أقل بخمس مرات من الاتحاد الأوروبي)، بمتوسط حجم 178 هكتاراً (أكبر بـ10 مرات من متوسط مزرعة الاتحاد الأوروبي).
إجراء منتقَد
سارع معارضو هاريس إلى انتقاد إعلانها عن «أول حظر فيدرالي - على الإطلاق - على التلاعب بأسعار المواد الغذائية»، لأنه من شأنه أن يؤدي إلى نقص بسبب زيادة الطلب وانخفاض العرض. وفي المجر، على سبيل المثال، حدد رئيس الوزراء فيكتور أوربان أسعار الوقود والمواد الغذائية في عام 2021، ما أدى إلى نقص وتضخم في المنتجات الأخرى.
وحذّر جلاوبر من أن «الولايات المتحدة لن تكون قادرة على التحكم في أسعار المواد الغذائية. لقد جربت الولايات المتحدة هذا النهج في السبعينات دون أي تأثير. عندما تم وضع ضوابط الأسعار خلال إدارتي نيكسون وفورد، كانت غير فعالة إلى حد كبير».
وفي الآونة الأخيرة هاجم ترامب خطة هاريس لفرض حظر فيدرالي على احتكار محال البقالة ومورّدي المواد الغذائية، باعتبارها ضوابط «على الطريقة السوفييتية»، لكن المسؤولين الجمهوريين في جميع أنحاء البلاد تبنّوا فكرة تحديد الأسعار المفرطة لسنوات.
وتحرك المدعون العامون الجمهوريون في الولايات، فضلاً عن العديد من نظرائهم الديمقراطيين، لمنع الشركات من فرض ما يعتبرونه زيادات باهظة في كلفة بعض السلع في ظروف معينة. في تكساس، على سبيل المثال، رفع المدعي العام، كين باكستون (وهو جمهوري) دعوى قضائية بحق مورد كبير للبيض لرفع الأسعار بنحو 300% في ذروة عمليات الإغلاق بسبب الوباء عام 2020.
ويقاضي المدعي العام الجمهوري لولاية كانساس، كريس كوباتش، مورّد كبير للغاز الطبيعي بسبب مزاعم بأنه احتال على المستهلكين في أعقاب عاصفة شتوية عام 2021. وفي فلوريدا المعرضة للعواصف، ينشر مسؤولو الولاية على نطاق واسع قانوناً يحظر الزيادات الحادة في أسعار المواد الأساسية أثناء حالات الطوارئ.
وتقول نائبة المدعي العام السابقة لولاية فلوريدا، تريش كونرز: «لا أحد يحب أن يتعرض للاستغلال عندما يفقد سقف منزله». وتتناول قوانين الولاية «الدور الأساسي الذي يلعبه المدّعون العامون بالولاية في مجال السلامة العامة، وهو دور ثنائي الحزبية إلى حد كبير. ولا ترى فرقاً كبيراً بين المدعين العامين في هذا الصدد».
وتؤكد قوانين الولاية بعض الفوائد والتحديات التي قد تواجهها هاريس في الترويج لخطتها. ومن الشائع على نطاق واسع أن يحمي الساسة المستهلكين من الأسعار المفرطة، حتى لو اختلف العديد من خبراء الاقتصاد مع هذا النهج. ولكن في الوقت نفسه، حدّت معظم الولايات من تدخلها في السوق بمجموعة أضيق بكثير من الظروف، ومن المرجح أن تمثّل خطة هاريس للنهج الوطني توسعاً كبيراً لدور الحكومة في الأسعار. عن موقع «يورواكتف»
• أصبحت مكافحة التضخم قضية مركزية في الحملة الرئاسية الأميركية، حيث ركز النقاش بشكل أساسي على تضخم أسعار المواد الغذائية، على الرغم من أنه عاد إلى معدل «طبيعي» تقريباً بنسبة 2.9% في يوليو 2024.
• سارع معارضو هاريس إلى انتقاد إعلانها عن «أول حظر فيدرالي - على الإطلاق - على التلاعب بأسعار المواد الغذائية»، لأنه من شأنه أن يؤدي إلى نقص بسبب زيادة الطلب وانخفاض العرض.