يتعاملن مع الإرث الوحشي للحرب الأميركية
13 امرأة فيتنامية يطهرن الأرض من الألغام لكسب لقمة العيش
بعد مرور نحو 50 عاماً على أكبر قصف أميركي جوي في التاريخ على فيتنام، لا تزال النساء الفيتناميات يتعاملن مع الذخائر غير المنفجرة، حتى أثناء حملهن. كانت تران ثي لي فان في العاشرة من عمرها عندما سمعت لأول مرة انفجاراً في مسقط رأسها وسط فيتنام. وقد ترك الانفجار المميت الذي قتل امرأة على الفور، انطباعاً دائماً لديها. وتروي تران قائلة: «لقد ظل هذا يطاردني حتى الآن ويشكل تهديداً مستمراً للذين يعيشون في المنطقة الملوثة بالألغام، حيث بقي العديد منها دون أن ينفجر بعد الحرب».
وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تعمل تران البالغة 40 عاماً، الآن، قائدة لفريق إزالة الألغام الوحيد المكوّن من النساء بالكامل والذي يعمل في فيتنام لصالح مؤسسة خيرية تسمى مجموعة استشارات الألغام.
ويوماً بعد يوم يخطو فريق من 13 امرأة فيتنامية بعناية عبر الحقول الملوثة بالألغام، بحثاً عن قذائف الهاون والقنابل اليدوية والذخائر العنقودية التي خلفتها الحرب، والتي استمرت عقداً من الزمن. فبين عامي 1965 و1975، ألقت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 7.5 ملايين طن من القنابل على فيتنام ولاووس وكمبوديا، ما يمثّل ضعف الكمية التي ألقيت على أوروبا وآسيا أثناء الحرب العالمية الثانية. وبالمقارنة الكمية، يظل هذا القصف الجوي هو الأكبر في تاريخ البشرية.
كانت مقاطعة كوانغ تري - وهي مقاطعة شديدة الحرارة مليئة بحقول الأرز والمزارع - المنطقة الأكثر تعرضاً للقصف في فيتنام. وحتى الآن بعد نحو نصف قرن من توقف القنابل عن السقوط، لا يزال الشعب الفيتنامي يموت جراء الذخائر الكامنة.
ولا توجد في فيتنام قاعدة بيانات وطنية شاملة لحوادث الذخائر غير المنفجرة، ولكن يُعتقد أن أكثر من 100 ألف شخص قُتلوا أو أصيبوا بسبب هذه الأسلحة منذ عام 1975، عندما انتهت الحرب. وكانت آخر وفاة موثّقة في مقاطعة كوانغ تري في مايو من هذا العام.
ويجري فريق عمل التطهير بلا هوادة، ويتطلب جهداً بدنياً كبيراً ومحفوفاً بالمخاطر بطبيعته. ولكن بالنسبة لهؤلاء النسوة، فإن الأمر أكثر من مجرد وظيفة، إنه مهمة لشفاء الأرض وخلق مستقبل أكثر أماناً للجيل القادم، كما أن العمل شخصي للغاية، وقد فقد العديد - بما في ذلك تران - أفراداً من عائلاتهم وأصدقائهم بسبب الذخائر غير المنفجرة.
وتقضي عاملات إزالة الألغام ساعات طويلة سيراً في الحقول الريفية مستخدمات أجهزة الكشف عن المعادن، غالباً تحت أشعة الشمس الحارقة. وبصفتها قائدة الفريق، تقرر تران كيفية التعامل مع أي أسلحة يتم تحديدها بأمان. فهي تقترب من كل لغم يتم اكتشافه، وتزيل عنه الغبار والأوساخ بفرشاة بدقة شديدة لتحديد الخطوات التالية. وأوضحت تران: «الأمر خطر بالفعل، فالقنابل موضوعة في مواقع مختلفة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بمكانها، ويجب أن أكون حذرة للغاية».
ينتهي اليوم عادة بتدمير متحكم فيه، وهو ما يُعد الطريقة الأكثر أماناً للتعامل مع الذخائر القديمة. وتتولى تران العد التنازلي قبل الضغط على المفجر، ما يؤدي إلى انفجار قوي من مسافة آمنة تبلغ 300 متر. إنه الجزء المفضل من يومها، لأنها «تعرف أنه لن يكون هناك خطر في المنطقة ولا تهديدات للأشخاص الذين يعيشون هناك».
اكتشف الفريق 112 ذخيرة غير منفجرة خلال 109 أيام في موقع مهمته الحالية. ويمكنه إزالة ما يصل إلى 4500 متر مربع يومياً (أي ما يعادل تقريباً مساحة ملعب كرة قدم)، لكن التقدم يعتمد على الطقس والتضاريس وصحة الفريق.
وتتوقع كيم آنه (36 عاماً)، أن تضع مولودها الثالث في ديسمبر، وهي واحدة من ثلاث عاملات في إزالة الألغام حوامل في الفريق. وعلى الرغم من أنها تعاني انتفاخ الحمل في بطنها تحت زيها «البيج» النظيف، فإن كيم منخرطة في العمل مثل بقية النساء. حتى حرارة 35 درجة مئوية والرطوبة التي لا تطاق لا تمنعها من العمل الذي تحبه. وتقول: «عندما أقوم بإزالة قنبلة بأمان، أشعر وكأنني أقلل خطر الحوادث وأشعر بالفخر».
تدعم هذه العمليات أهداف مجموعة استشارات الألغام الأوسع نطاقاً لإلهام النساء المحليات وتغيير العقلية المحيطة بهذا النوع من العمل. ولا تزال إزالة الألغام عملاً يهيمن عليه الذكور، ولكن في حين تهدف مجموعة استشارات الألغام عادة إلى إنشاء فرق إزالة الألغام المختلطة بين الجنسين لموازنة عبء العمل، تقول المجموعة النسائية بالكامل، إنهنّ سعيدات بممارستهن هذا النوع من العمل، حيث يشعرن بالرفقة المستمرة والشعور الملحوظ بالأخوة أثناء عملهن، فضلاً عن كونهنّ مثالاً قوياً لدور المرأة في تطهير المناظر الطبيعية بعد الصراع.
وأضافت تران: «نشعر بفرح ليس له مثيل أبداً مع فريق من الذكور. نتشارك الخبرات حول الأسرة ورعاية الأطفال، وهو ما يعزز الروابط». ومع ذلك يعتمدن على سائق ذكر، لأن أياً من الفريق لم تكن لديه رخصة القيادة اللازمة.
وتعمل الجمعية الخيرية التي أسسها المهندس السابق في الجيش البريطاني، راي ماكغراث عام 1989، في مختلف مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم. ولديها 735 موظفاً في فيتنام، ويتم دعمها من خلال التمويل الدولي الذي يأتي معظمه من الولايات المتحدة. وحتى الآن تبرعت واشنطن بمبلغ 234 مليون دولار لمكافحة الألغام في فيتنام، وإن كان ذلك يشكل جزءاً صغيراً مما أنفقته الدولة على حملتها الجوية.
ومن المقرر أن يتم تطهير المنطقة التي يعمل بها الفريق النسائي بالكامل بحلول نهاية هذا العام، ما سيفتح الباب أمام فوائد اقتصادية واجتماعية لـ640 أسرة محلية. وسينتقل الفريق بعد ذلك إلى المنطقة الملوثة التالية، وتضع السلطات هدفاً طموحاً لتطهير المقاطعة بأكملها بحلول عام 2035.
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من فريق التطهير، كان المزارع نغوين داو دونغ يستعد لزراعة حقل من الثوم. لقد امتلك الأرض منذ ثمانينات القرن الـ20، لكن لم يتم تطهيرها من قِبل مزيلات الألغام الإناث إلا منذ أكثر من شهر بقليل. وقال نغوين لصحيفة «التايمز» إنه فقد العديد من أفراد أسرته بسبب الذخائر غير المنفجرة، لكنه يستطيع الآن العيش والعمل بثقة، بعد أن وثق بأن كل خطوة يخطوها على أرضه آمنة.
وبعد يوم كامل في الحقل تعود معظم النساء إلى المنزل لطهي الطعام لأسرهن وإعداد أطفالهن للنوم. وتعود تران إلى ابنها البالغ 12 عاماً، والذي كان يبلغ 17 شهراً فقط عندما بدأت هذا النوع من العمل. ولم يسمع ابن تران بالانفجارات التي كانت تسمعها والدته، لكن شبابه يتشكل من خلال إدراكه لشجاعتها في إزالة الألغام. ويعيش أجداده في الجوار ولديهم ذكريات أكثر وضوحاً عن الحرب. إن التأثير الذي خلفه الصراع عبر الأجيال هو تذكير صارخ بما قد يحمله المستقبل للدول الأخرى التي مزقتها الحرب في جميع أنحاء العالم. ويقول والد تران البالغ 75 عاماً: «لا أحد يريد الحرب. إن التفكير في قصة أوكرانيا وكيف تعاني الحرب الآن، هو ما عانيناه من قبل». عن «التايمز» اللندنية
• تقضي عاملات إزالة الألغام ساعات طويلة سيراً في الحقول الريفية مستخدمات أجهزة الكشف عن المعادن، وغالباً تحت أشعة الشمس الحارقة.
• حتى الآن تبرعت واشنطن بمبلغ 234 مليون دولار لمكافحة الألغام في فيتنام، وإن كان ذلك يشكل جزءاً صغيراً مما أنفقته على حملتها الجوية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news