العراقيون لا يرون داعياً لبقاء الجنود الأميركيين في البلاد

قال رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، بداية الشهر الماضي إنه لم تعد هناك حاجة لوجود الجنود الأميركيين في بلاده. وربما يبدو هذا مفاجئاً، لكن ليس فيه أي شيء جديد، إذ لطالما طالب القادة العراقيون الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق منذ سنوات عدة.

وأكملت القوات الأميركية في العراق مهمتها على نحو تام منذ خمس سنوات، أي في مارس 2019، عندما خسر تنظيم «داعش» الإرهابي جميع المناطق التي كان يسيطر عليها، لكن على الرغم من ذلك - ولأسباب لا يمكن تفسيرها - ظلت القوات الأميركية في العراق، وتجاوزت المدة التي كانت مقررة، وأصبحت عبارة عن محطة جذب لهجمات الميليشيات، بمن فيهم الميليشيات التابعة لإيران.

ويجب أن يكون التفويض لمغادرة الجنود الأميركيين للعراق واضحاً، لكن ليس الجميع يريدون انسحاب هذه القوات من العراق، فهناك من يفعل كل ما بوسعه، بحثاً عن حجج مضادة للانسحاب. وربما كان من المحتم - نظراً للذكرى الأخيرة لهجمات الـ11 من سبتمبر - أن يلجأوا إلى تكتيكات التخويف، فاستحضروا صور أعمدة الدخان والأبراج المحترقة، بينما حذروا بلا هوادة من عودة «داعش» التي سترعب العالم.

تهديد لا يذكر

إثارة المخاوف بهذه الطريقة تنطوي على بعض الاحتيال، ويتعين على الشعب الأميركي أن يفهم ذلك، والحقيقة أن تهديد «داعش» للأراضي الأميركية لا يذكر، وهو دائماً كذلك، وبالتأكيد فإنه ليس سبباً لمرابطة القوات الأميركية في العراق.

ولطالما تم الترويج لمهاجمة «داعش» للمدنيين الأميركيين على نحو غير منطقي. أولاً لم يكن تنظيم «داعش» عازماً على إيذاء أميركا. وتعتبر السمة المميزة للإرهاب هي مهاجمة الأهداف السهلة مثل المدنيين، لبث الذعر في قلب الدول القوية، وحملها على تلبية المطالب السياسية، لكن تنظيم «داعش» كان - خلال أوج قوته - يسعى إلى اكتساب الأراضي، وهذا يعني - رغم أن «داعش» ارتكب هجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا - أنه ركز جل طاقته على العراق وسورية.

وبلاشك فإن تنظيم «داعش» عامل السكان في المناطق التي احتلها بصورة وحشية، لكن قلة من مقاتليه، قاموا بمهاجمة الأراضي الأميركية، وبالفعل فإن الأغلبية العظمى مما يعرف بـ«إرهاب داعش» في الولايات المتحدة جرى على أيدي أشخاص محليين يريدون الانضمام إلى «داعش» ولا تربطهم به أي علاقات مادية. ووفق ما ذكرته «قاعدة بيانات الإرهاب العالمي» في جامعة ميريلاند، فإن الحوادث الإرهابية البالغة 455 في الولايات المتحدة والتي وقعت ما بين 2014 و2020، نفذها متطرفون «استلهموا عملهم من ميليشيات» بلغت 31 هجوماً وقتلوا خلالها 94 شخصاً، في حين أن «داعش» والأذرع التابعة له لم يرتكب أي حادث.

«داعش» والكمائن البدائية

معارضو الانسحاب يخلطون بمهارة بين هجمات «داعش» في العراق، وعلى القوات السورية، واحتمال وقوع هجمات إرهابية على المدنيين الأميركيين، وكأن الأمرين متماثلان، لكن الأمر ليس كذلك. فمجرد قدرة تنظيم «داعش» على شن كمائن بدائية على أهداف غير محمية بشكل جيد في سورية، لا يعني أن المجموعة قادرة على تهديد الأميركيين العاديين على الأراضي الأميركية بشكل ملموس. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون صحيحاً، فإن نشاط «داعش» في الشرق الأوسط قد زاد هذا العام، إلا أن الإيحاء بأن الولايات المتحدة أصبحت أكثر عرضة للخطر بطريقة أو بأخرى نتيجة لذلك، هو مجرد إثارة للذعر.

ولا ينبغي للتهديد المزعوم من تنظيم «داعش» في خراسان أن يفسد الأساس المنطقي لرحيل الولايات المتحدة عن العراق. فقد أثبت «داعش» في خراسان أنه أكثر فتكاً في السنوات الأخيرة من تنظيم «داعش» الأصلي، نتيجة هجومه في قاعة كروكس سيتي للموسيقى في موسكو خلال مارس وإيقاعه عدداً كبيراً من الضحايا في 2024، وهجومه في كرمان بإيران قبل شهرين من ذلك، لكن تنظيم «داعش» في خراسان يتمركز أيضاً في أفغانستان وباكستان، على بعد آلاف الأميال من العراق.

ليست هناك حاجة لقوات برية

والأمر الأكثر أهمية أنه حتى مع عدم وجود القوات الأميركية في أفغانستان، فقد تمكنت السلطات الأميركية من كشف الحادثين السابقين، ونبهت الحكومتين الروسية والإيرانية قبيل وقوعهما. ولو تم أخذ التحذيرات على محمل الجد، كما يفعل حلفاء الولايات المتحدة، لكان من الممكن منع وقوع الحادثين، وهذا يوضح مدى تطور قدرات الاستخبارات الأميركية في تحييد التهديدات الإرهابية، من دون الحاجة إلى قوات برية.

ويبالغ المروّجون للخوف في تقييم خطر المؤامرات التي تم إفشالها أخيراً، والتي لم تكن مرتبطة بتنظيم «داعش» إلا بصورة بسيطة للغاية. وخلال الشهر الماضي اعتقلت السلطات النمساوية شابين في سن المراهقة «أصبحا متطرفين عن طريق الإنترنت»، ولم ينخرطا في «داعش» طوال حياتهما، وتم الاشتباه في قيامهما بالتخطيط للهجوم على حفل المغنية الأميركية تايلور سويفت في فيينا. وكانت صلتهما بالتنظيم عبارة عن «قسم الولاء» للتنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم قاما بحذفه لاحقاً، وتم العثور على بعض أدوات «داعش» بحوزتهما. وأما سلاحهما فكان عبارة عن أشياء يستخدمها الهواة، تمثلت في «سكاكين ومتفجرات قاما بصنعها يدوياً».

ومع ذلك، كانت عناوين الصحف تردد صدى إصرار المسؤولين الأميركيين على أن اثنين من المراهقين النمساويين كانا يرتديان زيّ «داعش» وشكّلا خطراً جسيماً على الأميركيين. وصرح نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ديفيد كوهين، بأنهما «كانا يخططان لقتل عدد كبير من الناس قد يصل إلى عشرات الآلاف»، وأثنى على دور وكالته التي شاركت في اعتقالهما.

ويتشكل تنظيم «داعش» من مجموعة من «البلطجية» الذين عملوا على تحويل دول عدة ضدهم. وليس هناك من يشبه هذا التنظيم، ولا ينبغي أن يكون هناك من هو شبيه به. وأثار صعود التنظيم قبل عقد من الزمن رداً ساحقاً من العديد من دول المنطقة في الشرق الأوسط، وحتى من طالبان وروسيا ودول غربية أيضاً، لكن هذا التنظيم لا يشكل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة، وليس هناك أي سبب يدعو لبقاء 2500 جندي أميركي في العراق.  عن «ذا هيل»

• يبالغ المروّجون للخوف في تقييم خطر المؤامرات التي تم إفشالها أخيراً، والتي لم تكن مرتبطة بتنظيم «داعش» إلا بصورة بسيطة للغاية.

• يجب أن يكون التفويض لمغادرة الجنود الأميركيين للعراق واضحاً، لكن هناك من يفعل كل ما بوسعه، بحثاً عن حجج مضادة لانسحاب القوات.

الأكثر مشاركة