على الرغم من أنها على مقربة من العاصمة الإسبانية

كانادا ريال أكبر مدينة عشوائية في أوروبا بلا كهرباء

صورة

في الثاني من أكتوبر 2020، انقطعت الكهرباء في قطاعين من منطقة كانادا ريال، وهي مستوطنة عشوائية مترامية الأطراف تقع على بُعد نصف ساعة بالسيارة من وسط مدريد. وقد أثر انقطاع الكهرباء الذي تنسبه شركة ناتورجي للطاقة إلى الاستخدام غير القانوني والمكثّف، الذي أدى إلى زيادة أحمال الطاقة بنحو 4000 شخص، بما في ذلك 1800 طفل. وبعد شهرين من انقطاع التيار الكهربائي، حذّر خبراء الأمم المتحدة من أن نقص الكهرباء ينتهك حق الأطفال في السكن اللائق، ويخلف «تأثيراً خطراً للغاية على حقوقهم في الصحة والغذاء والمياه والصرف الصحي والتعليم». وبعد عامين تقريباً من ذلك، وصف أمين المظالم العامة في إسبانيا، الحياة في أجزاء من كانادا ريال - حيث ينتمي معظم السكان إلى أصول مختلفة - بأنها «حالة طوارئ إنسانية غير مستدامة».

ولكن على الرغم من كل الغضب والتحذيرات والاحتجاجات، لم يتغير كثير بالنسبة لأولئك الذين لازالوا في كانادا ريال، والذين أصبحوا حرفياً ومجازياً، عاجزين ومشلولين. ومن بين هؤلاء عائلة فرنانديز التي تجلس خارج منزلها في القطاع السادس، وتستمتع بأكبر قدر ممكن من ضوء النهار. ويكلف الوقود الذي اضطرت إلى شرائه للمولدات الكهربائية ما بين 15 و20 يورو في اليوم، ولا يشمل إنارة غرفها المظلمة أثناء النهار. وبحلول منتصف الليل، يتم إيقاف تشغيل المولدات وإحضارها إلى الداخل لحمايتها من السرقة.

يقول كينيتو فرنانديز البالغ 30 عاماً، والذي يعيل أسرته من خلال جمع وبيع الخردة: «هناك أيام لا نملك فيها ما يكفي من المال لشراء الوقود لتشغيل المولدات، حيث استمر هذا الحال منذ أربع سنوات».

وفي الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة حول العاصمة الإسبانية إلى ما يزيد على 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت)، يرش أطفاله بخراطيم المياه. وفي الشتاء عندما تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، يستيقظ الأطفال في الظلام ويغسلون وجوههم في الماء المتجمد، كما يعني نقص الكهرباء أن الثلاجة تعد من أدوات الرفاهية باهظة التشغيل، لذا فإن معظم الطعام معلب أو يتم شراؤه كل يومين للحيلولة دن تلفه. ويتساءل: «هل تعرف كيف يكون الأمر عندما لا يكون لديك طعام طازج ومناسب لطفلك؟». ويرد: «هذا يجعلهم مرضى». انقطاع الكهرباء يعني عدم وجود غسالة، ما يستلزم رحلات متكررة ومكلفة إلى المغسلة.

ثم هناك التأثير التعليمي. يقول فرنانديز: «في الشتاء يتعين على أبنائي أداء واجباتهم المدرسية على ضوء الشموع، وفي بعض الأحيان يتعين عليّ أن أوقف ابني عن أداء واجباته المدرسية، لأن المكان مظلم للغاية وسيؤذي عينيه. نحن نعيش مثل الحيوانات البرية، هناك كلاب تعيش بشكل أفضل منّا».

مثل العديد من جيرانه، يريد فرنانديز الاستفادة من الشبكة الكهربائية، ويريد أن يدفع ثمن فاتورته: «أودّ أن أحصل على فاتورة شهرية مثل أي شخص آخر، سيكون ذلك أرخص بكثير». وعلى الرغم من أنه وعمه أنطونيو يائسان من إعادة توطين الأسرة، فإنهما يعرفان أن الأمر قد يستغرق سنوات. وبينما ينتظران، فإن كل ما يريدانه هو الكهرباء. ويضيف أن الساسة - بما في ذلك رئيس الوزراء الاشتراكي الإسباني بيدرو سانشيز - ربما ينبغي لهم أن ينزلوا إلى هنا ويجربوا بأنفسهم العيش دون كهرباء. ويقول أنطونيو: «لماذا لا يأتون ويحاولون العيش بدون كهرباء لمدة أسبوع؟ لن يستطيعوا ذلك».

وتقول الحكومة الإقليمية في مدريد، إن انقطاع التيار يرجع إلى مزارع الماريغوانا التي تم ربطها بالشبكة وتستهلك قدراً كبيراً من الطاقة لدرجة أن النظام يتعطل مراراً وتكراراً. ولكن في حين تتمتع أجزاء من كانادا ريال بسمعة سيئة في بيع المخدرات وتعاطيها، فإن أطفال المدينة وأسرها يدفعون الثمن الأعلى لعدم وجود الكهرباء.

وقال مؤلفو دراسة حديثة حول وضع الكهرباء في المستوطنة غير الرسمية، إن الانقطاع كان على الأرجح «أكبر انقطاع عالمي للطاقة تم تسجيله في أوروبا منذ عقود»، وهو انقطاع له عواقب وخيمة على نصف سكانها. ويؤكد التقرير «أن التدني الشديد في الطاقة الذي يتعرض له آلاف الأشخاص الذين يعيشون في كانادا ريال - وعواقبه من حيث المزيد من الفصل باعتبارهم سكان هذه المستوطنة - يمثّل ضرراً حقيقياً لكرامتهم كبشر».

وتقول شركة ناتورجي إن نقص الطاقة يرجع إلى «زيادة الأحمال على الشبكة بسبب الاستخدام المرتفع وغير القانوني»، مضيفة أنه لا يمكن استعادة الإمداد لأسباب تتعلق بالسلامة. ويقول متحدث باسم الشركة: «تتشاطر الشركة مخاوف أولئك الموجودين في الحي.. عندما يتعلق الأمر بمشكلة اجتماعية خطرة ومعقدة، تتأثر الشركة نفسها أيضاً بالتوصيلات غير القانونية، والاستخدام المكثف وغير المنتظم لخط الكهرباء الخاص بها».

وهناك مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في حقيقة أن المسؤولية عن كانادا ريال مشتركة بين مؤسسات مختلفة، بما في ذلك جهة مدينة مدريد، وحكومة منطقة مدريد، ومندوب الحكومة المركزية في المنطقة. ويقول أولبيانو رويز ريفاس هيرناندو، أحد مؤلفي الدراسة: «عندما نتحدث عن فقر الطاقة في أوروبا، فإننا نتحدث عن أشخاص غير قادرين على دفع فواتيرهم، لكن هنا لا يتعلق الأمر بعدم القدرة على دفع فواتير الطاقة، بل يتعلق بعدم وجود الحق في الحصول على فاتورة، وهذا في حد ذاته يولد حالة من انعدام الأمن والهشاشة». ويعتقد أن الحل الأمثل هو توفير الكهرباء.

ولم يقدم مجلس مدينة مدريد ولا مندوب الحكومة المركزية ردوداً عن استفسارات حول الإجراءات التي تم اتخاذها لمساعدة أولئك الذين لم يحصلوا على الطاقة الكهربائية خلال السنوات الأربع الماضية. ولكن في مارس، تم التوصل إلى اتفاق بين السلطات المختلفة لإنفاق 330 مليون يورو على إعادة إسكان الأسر الضعيفة في كانادا ريال على مدى السنوات الـ10 المقبلة. وتقول الحكومة الإقليمية إنها تعمل على مساعدة الناس في المدينة، وقد أعادت إسكان نحو 300 من 1600 أسرة مؤهلة على مدار السنوات السبع الماضية.

ويقول مصدر في وزارة الحقوق الاجتماعية الإسبانية، إنه في حين أن الوزير بابلو بوستيندوي «ليس لديه أي سلطات على الإطلاق» بشأن هذه القضية، فقد التقى أمين المظالم العامة لمحاولة إنجاز شيء ما. ويقول المصدر نفسه: «خلال الاجتماع، تحدث بوستيندوي عن الافتقار إلى الحماية الذي يعانيه الأشخاص الذين يعيشون في كانادا ريال، قائلاً: «إنه وضع مؤلم لأي ديمقراطية، ولكن للأسف لا يقع ضمن مسؤوليات هذه الوزارة». وغير بعيداً عن منزل عائلة فرنانديز، يوجد جدار مكتوب عليه رسالة مفعمة بالأمل: «بعد كل ظلام ضوء عظيم».

لكن هذا التفاؤل يتضاءل مع اقتراب شتاء آخر. بالنسبة لمونيكا مورينو، مساعدة الطبيب البيطري التي تعيش في كانادا ريال، فإن الجانب الأكثر تدميراً في السنوات الأربع الماضية لم يكن الافتقار إلى التدفئة والضوء، ولا الثلوج الكثيفة التي تساقطت عام 2020، ولا حتى جائحة «كوفيد-19». تقول: «كان الجزء الأصعب هو تقبل حقيقة أننا لا نتمتع بأي حقوق على الإطلاق، هناك أطفال وكبار في السن يعانون هنا، ولكن لا أحد يريد الاستماع. أكبر حزن في كل هذا هو أنك ببساطة لا يُنظر إليك كبشر».  عن «الغارديان»

• يقول فرنانديز: «في الشتاء يتعين على أبنائي أداء واجباتهم المدرسية على ضوء الشموع، وفي بعض الأحيان يتعين عليّ أن أوقف ابني عن أداء واجباته المدرسية، لأن المكان مظلم للغاية وسيؤذي عينيه. نحن نعيش مثل الحيوانات البرية، هناك كلاب تعيش بشكل أفضل منّا».

• غير بعيداً من منزل عائلة فرنانديز، يوجد جدار مكتوب عليه رسالة مفعمة بالأمل: «بعد كل ظلام ضوء عظيم».

تويتر