مرشحا الرئاسة الأميركية يقدمان رؤيتين متناقضتين للسياسة الخارجية
يقدم المرشحان للرئاسة الأميركية، الديمقراطية كامالا هاريس، والجمهوري دونالد ترامب، رؤيتين متناقضتين للناخبين في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويمكن أن يكون لهما تأثير عميق في النظام العالمي.
ففي الأشهر التي تلت حرب روسيا على أوكرانيا في فبراير 2022، أبقت الولايات المتحدة الأميركية، أوكرانيا على أجهزة الإنعاش من خلال جهد دبلوماسي عالمي، مع أكثر من 55 مليار دولار من المساعدات العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والساحلي، وأكثر من 2000 صاروخ «ستينغر» مضاد للطائرات، فضلاً عن آلاف المركبات المدرعة وملايين قذائف المدفعية وقذائف الهاون.
إلا أن هذا الدعم الاستثنائي الذي قدمته إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بدأ يدخل أسابيعه الأخيرة.
وما سيأتي بعد ذلك لايزال في حكم المجهول، لأن المرشحين الرئاسيين هاريس وترامب، يقدمان وجهتي نظر للناخبين تؤثر تأثيراً عميقاً في السياسة الخارجية لأميركا.
ورقة الاقتراع
وأعرب مراقبون عن اعتقادهم أن انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، يمكن أن تربك النظام العالمي، وتنفر الحلفاء وترسخ عصراً من القادة الأقوياء على المسرح العالمي، مشيرين إلى أن الدور الذي تلعبه أميركا - بوصفها «شرطياً للعالم»، والذي غذته درجات متقلبة من الحماسة منذ أربعينات القرن الماضي - أصبح الآن على ورقة الاقتراع فعلياً.
وقالوا: «من غير المرجح أن يرى الناخبون الأمر بهذه الطريقة. لقد تجنب المرشحان إلى حد كبير الإعلانات التفصيلية عن السياسة الخارجية أثناء تنقلهما في جميع أنحاء البلاد على مسار الحملة، فهما يعرفان أنهما لا يستطيعان أن يحصدا عادة الكثير من الأصوات، من خلال العلاقات الدولية».
ومع ذلك وبعيداً عن أميركا، وفي العواصم الأوروبية، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي بكين وموسكو وطهران، تتم دراسة الانتخابات الأميركية بشكل مكثف، ربما أكثر من أي انتخابات أخرى في التاريخ الحديث.
لقد ظلت هاريس - التي لم تمنحها خلفيتها مدعية عامة في كاليفورنيا وعضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، سوى القليل من التعرض للسياسة الخارجية - تقرأ من كتاب بايدن.
من ناحية أخرى، دفع ترامب بنظرة عالمية أكثر انعزالية، وأشار إلى أنه سيستأنف هذا النهج الذي كان يتعامل به مع القوى الأجنبية التي شكلت ولايته الأولى.
فترة خطرة
وتقول مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، كوندوليزا رايس، في خطاب ألقته في مركز أبحاث المجلس الأطلسي: «نحن في فترة الفرسان الأربعة الذين سيدفعوننا لنهاية العالم، حيث يبدو أن الشعبوية والقومية والانعزالية والحمائية تطل برأسها مرة أخرى».
وتضيف رايس: «هذه الفترة خطرة للغاية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تؤكد استعدادها للبقاء منخرطة في الشؤون العالمية».
وبالنسبة لرايس، فإنها لم تؤيد ترامب ولا هاريس، لكن تعليقاتها التي تعكس «العقيدة الجمهورية» في حقبة ما قبل ترامب، تشكل تناقضاً صارخاً مع موقف الحزب الجمهوري اليوم، ومع مرشح يؤكد وجهة نظره على أن «أميركا أولاً»، ويروج لضوابط هجرة أكثر صرامة، والانفصال عن الالتزامات الخارجية المكلفة، والإيمان الراسخ بقوة التعرفات الجمركية.
رسالة واضحة
وعندما وصف ترامب الرئيس الأوكراني بأنه «أعظم بائع في التاريخ»، لم يكن ذلك مجاملة، بل كانت رسالته واضحة للناخبين في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة بأن معركة كييف ستؤذيهم في جيوبهم.
وقال ترامب - في إشارة إلى المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا - التي تمت الموافقة عليها في أبريل بعد أشهر من معارضة بعض الجمهوريين: «في كل مرة يأتي فيها زيلينسكي إلى البلاد، يرحل ومعه 60 مليار دولار»، مؤكداً أنه «يريد بشدة» أن يفوز على هاريس في الانتخابات، وسيفعل شيئاً مختلفاً، كما أنه سيعمل على تحقيق السلام.
ولاشك في أن ترامب سيفعل الأمور بشكل مختلف، فقد قال في تجمع حاشد في جورجيا: «لقد دفعنا بايدن وكامالا إلى هذه الحرب في أوكرانيا، والآن لا يستطيعان الخروج منها».
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست «داخل» أوكرانيا بالفعل، وعارضت ضربات زيلينسكي في روسيا، فقد وعد ترامب بأنه «سيتفاوض على ذلك»، كما يزعم أنه سينهي الحرب في غضون أيام من أداء اليمين.
وهذا النهج يسبب قلقاً لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقد وعد ترامب بأنه سيجعل أعضاء الحلف يدفعون إسهاماتهم الدفاعية، واقترح أن تتحمل الدول المضيفة كلفة القوات الأميركية المتمركزة في جميع أنحاء العالم، من الشرق الأوسط إلى ألمانيا وكوريا الجنوبية.
وإذا أنفق «الناتو» أقل مما ينبغي على الدفاع ثم تعرض لهجوم من روسيا، فلن يرد ترامب عليه، كما يزعم، ويمكن لموسكو أن «تفعل ما تريد».
حلفاء أميركا
وفي بروكسل يستعد حلفاء أميركا منذ فترة طويلة بالفعل لرئاسة ترامب، حيث يناقش حلفاء «الناتو» خطة مدتها خمس سنوات بقيمة 100 مليار دولار «لحماية» الدعم الغربي لأوكرانيا، كما ظهر في أبريل، «للحماية من رياح التغيير السياسي» في واشنطن.
وعندما سُئل خلال المناقشة ضد هاريس عما إذا كان يريد أن تفوز أوكرانيا بالحرب، كان ترامب مراوغاً، وعرض إجابة على سؤال مختلف تماماً.
وكان هناك إنذار مماثل في عام 2016 بعد انتخاب ترامب للمرة الأولى، لكن أسوأ المخاوف التي كانت تنتاب العاملين في دوائر السياسة الخارجية آنذاك، أنه سيدير ظهره لـ«الناتو»، ويمنح حرية التصرف لمن وصفهم بـ«الزعماء المستبدين».
ويقول الزميل البارز في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، ستيفن ويرثيم: «أعتقد أننا سنرى نهجاً مختلفاً للشؤون الخارجية في فترة ولاية ترامب الثانية».
ويضيف: «في فريقه الأول ورث أو عيّن الكثير ممن يُسمون بالناضجين، من بقايا الإدارات الجمهورية السابقة الذين لم يشاركوا بالضرورة ميوله وكبحوا جماحه. أما هذه المرة فقد خطط مستشاروه بشكل أكثر شمولاً لتحقيق النصر.. إنهم يعتزمون تفريغ الإدارات الحكومية، بما في ذلك وزارة الخارجية، وملؤها بالموالين، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى قدرتهم على القيام بذلك».
نهج بايدن
وفي المقابل ستكون رئاسة هاريس أقل انحرافاً عن نموذج بايدن. ويقول عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي من ولاية كونيتيكت وحليف هاريس، كريس مورفي الذي قد يتم اختياره وزير خارجية محتملاً في المستقبل: «إذا فازت كامالا هاريس، فسيرى العالم أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم أوكرانيا والدفاع عنها».
ولم تقدم هاريس تفصيلاً دقيقاً لنهجها تجاه أولويات السياسة الخارجية الحالية، لذلك فمن الصعب التنبؤ بما إذا كانت ستكون أكثر أو أقل تدخلاً من بايدن في بعض الأزمات الأقل شهرة التي تشارك فيها الولايات المتحدة.
وكانت حملة هاريس الانتخابية أصدرت إعلاناً تلفزيونياً، يصف ترامب بأنه «خطر على القوات الأميركية والديمقراطية»، فيما يتضمن قسم السياسة الخارجية - على موقعها على الإنترنت - تعهداً غامض الصياغة «بتعزيز، وليس التخلي عن قيادة أميركا العالمية»، والدفاع عن المصالح الأميركية. عن «التايمز» اللندنية
العصا والجزرة
• العالم يراقب الانتخابات الأميركية الحالية بشكل مكثف، ربما أكثر من أي انتخابات أخرى في التاريخ الحديث.
• يتعين على الولايات المتحدة تأكيد استعدادها للبقاء منخرطة في الشؤون العالمية.
كوندوليزا رايس:
نحن في فترة الفرسان الـ4 الذين سيدفعوننا لنهاية العالم.