تراجعه عن التعهد بأن تأخذ العدالة مجراها جعله عُرضة لاتهامات بالكذب
عفو بايدن عن ابنه هانتر يضعف ثقة الناخبين بقادتهم السياسيين
يحتاج الأمر إلى بعض التأني لكي نفهم سبب استخدام الرئيس الأميركي، جو بايدن، صلاحياته الفريدة للعفو عن ابنه هانتر في قضيتَي احتيال ضريبي وحيازة أسلحة نارية بشكل غير قانوني.
وكان بايدن، البالغ من العمر 82 عاماً، اتخذ من قبل موقفاً أخلاقياً، أثناء ترشحه لمنصبه، وتعهد بعدم العفو عن ابنه، تاركاً للقانون أخذ مجراه، وهو في هذه الحالة حاول أن يسمو بنفسه إزاء تصرفات الرئيس آنذاك، دونالد ترامب، في ولايته الأولى، ومنافسه لاحقاً في السباق الرئاسي، الذي استخدم بسخاء صلاحية العفو عن العديد من مساعديه المدانين، وكذلك والد زوج ابنته إيفانكا.
وحتى قبل فترة قصيرة، كان بايدن لايزال يستبعد العفو عن هانتر، وتعهد بترك العدالة تأخذ مجراها من دون أي تدخل.
وواصلت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، الإصرار على أن بايدن سيتمسك بوعده حتى بعد انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكن بايدن غيّر رأيه في تجمع عائلته السنوي بعيد الشكر في نانتوكيت بكيب كود، وهذا التجمع تقليد يعود إلى سبعينات القرن الماضي، درج عليه بايدن لتأبين زوجته الأولى وابنته، اللتين توفيتا في حادث سيارة.
ثم فقد بعد ذلك ابنه بو، شقيق هانتر، الذي توفي بسرطان المخ عام 2015، وتحمل بايدن سنوات طويلة من العذاب، عندما كان هانتر يكافح للتخلص من إدمان المخدرات، وكان بايدن قلقاً من أن السجن قد يتسبب في عودة ابنه إلى المخدرات، بعد بداية جديدة مع زوجة جديدة وطفل جديد.
وكان من المرجح أن يواجه هانتر السجن لمدة 25 عاماً، بسبب إدانته بتهمتين، إحداهما الكذب للحصول على سلاح، والأخرى التهرب الضريبي.
حرب قانونية
وعلاوة على ذلك، هدد ترامب، في يونيو من العام الماضي، بتعيين مُدّعٍ خاص إذا أعيد انتخابه «لملاحقة الرئيس، الذي وصفه بالأكثر فساداً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية (جو بايدن)، وعائلته الإجرامية بأكملها»، على حد تعبير ترامب.
وسيكون هذا استمراراً لـ«الحرب القانونية» التي يعتقد أنه كان مستهدفاً بها طوال حياته السياسية.
ويمنح الدستور الأميركي الرئيس «سلطة منح الإعفاءات والعفو عن الجرائم ضد الولايات المتحدة، باستثناء حالات العزل».
رئيسان أميركيان فقط لم يستخدما هذه الصلاحية على الإطلاق، وذلك لأنهما توفيا في وقت قصير من توليهما السلطة، هما: ويليام هنري هاريسون، الذي ظل رئيساً لمدة شهر واحد فقط قبل مرض مميت، وجيمس جارفيلد الذي اغتيل بعد ستة أشهر من توليه الرئاسة.
لقد أصدر العديد من الرؤساء السابقين عفواً عن أقاربهم، بما في ذلك العفو الذي أصدره بيل كلينتون عن أخيه غير الشقيق روجر، على الرغم من أن ذلك جاء بعد فترة طويلة من قضائه عقوبة السجن بتهمة حيازة «الكوكايين» والاتجار في المخدرات.
كان كل ذلك مثيراً للجدل في ذلك الوقت، لكن تعامل بايدن مع قضية ابنه، ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أدى إلى ضعف وتآكل ثقة الناخبين بقادتهم السياسيين.
كما أن تراجعه عن التأكيدات القاطعة بعدم العفو عن ابنه جعله عُرضة لاتهامات بالكذب.
وجاء تراجعه، ليلة الأحد الماضي، في بيان صدر قبل لحظات من سفره إلى إفريقيا، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، ما أعطى الانطباع بالهروب من هذا الموقف.
وامتد العفو الواسع النطاق إلى عام 2014، على الرغم من أن تهم السلاح التي وجهت إلى هانتر نشأت عن إجراءات في عام 2018، وتهم الضرائب بين عامَي 2016- 2019.
المحسوبية
وعلى الفور، أثار الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، احتمال العفو عن المسجونين لمشاركتهم في اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير 2021، الذين يشير إليهم ترامب بالرهائن، وكتب ترامب على موقع «تروث سوشيال»: «هل يشمل العفو الذي منحه جو لهانتر إطلاق الرهائن الذين اقتحموا الكونغرس وسُجنوا الآن لسنوات؟ هذه إساءة وخطأ في تنفيذ العدالة».
ظلت سلطة العفو الرئاسية الأميركية دائماً في خطر من أن تصبح مجرد رافعة أخرى للمحسوبية، وربما لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئاً في نظام قانوني مسيّس بشكل صريح من أعلى إلى أسفل بفضل نظامه من المدعين العامين المنتخبين والقضاة المعينين سياسياً.
لكن حتى بعض الديمقراطيين يشعرون بالقلق من الطريقة التي تخلى بها بايدن عن تعهده، ما أدى إلى تآكل قيمة الوعود السياسية بعد تعهده بإعادة الكرامة إلى منصب الرئيس.
وقارن الأميركيون أفعال بايدن بما فعله ترامب، الذي رشّح والد زوج ابنته إيفانكا، تشارلز كوشنر، سفيراً في فرنسا، وكان ترامب قد عفا عنه بعد أن سُجن بتهمة التلاعب بالشهود والتهرب الضريبي، لكن تأطير بايدن لملاحقات ابنه باعتبارها «خطأ قضائياً» أعطى الذخيرة لترامب وخططه الخاصة للعفو.
تراجع
لقد تراجع بايدن بما تعهد به مراراً وتكراراً بعدم العفو عن ابنه هانتر، لكنه استخدم في أحد آخر أعماله المهمة في منصبه، الصلاحيات الاستثنائية للرئاسة، لمنح «عفو كامل وغير مشروط» لابنه في قضايا جنائية في كاليفورنيا وديلاوير، ما أنقذه من عقوبة سجن محتملة.
وأعلن الرئيس أن أعداءه السياسيين «استهدفوا» هانتر (54 عاماً)، في محاولة «لكسر» الأب والابن، وقال بايدن إنه اضطُر للعفو عن هانتر بسبب تلوث العدالة بالسياسة، على حد قوله.
وقال الرئيس إنه امتنع عن التدخل في الوقت الذي كان فيه ابنه «يُحاكم بشكل انتقائي وغير عادل»، لكنه أضاف أنه اضطُر إلى التدخل وتجنيب هانتر السجن، لأن «السياسة أثرت في هذه العملية، وأدت إلى إجهاض العدالة».
وتحولت شؤون هانتر التجارية المتشابكة، وصراعاته مع الإدمان، وحياته الشخصية المضطربة، إلى سياسة وطنية، مع جر الرئيس بايدن إلى معركة عزل مع الجمهوريين في الكونغرس.
ديفيد تشارتر*
*محلل سياسي بـ«التايمز» اللندنية
عن «التايمز»
مزاعم
بدأ هانتر بايدن العمل في شركة الغاز الأوكرانية «بوريسما» عام 2014، وهي وظيفة مرتبطة بدور والده (جو بايدن) نائباً للرئيس في ذلك الوقت، باراك أوباما، ما يترك الانطباع بأن بايدن يحمي نفسه وهانتر من أي تحقيق مستقبلي.
وزعم الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، وغيره من السياسيين الجمهوريين، من دون أدلة، أن بايدن تلقى رشى من شركاء أعمال ابنه.
. الأميركيون قارنوا أفعال بايدن بما فعله ترامب بعد ترشيح والد زوج ابنته سفيراً في فرنسا، الذي عفا عنه ترامب في قضايا تهرب ضريبي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news