الرئيس الفرنسي يواجه دعوات بالاستقالة وسط أزمة سياسية متفاقمة

بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي، ميشيل بارنييه، يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون، موقفاً لا يحسد عليه، يتمثل في اختيار خلف مقبول من جميع الأطراف لبارنييه، بعد أن تبقى لماكرون من فترته الرئاسية نحو عامين، في الوقت الذي يطالب فيه بعض المعارضين باستقالته. وفي الوقت ذاته سيظل البرلمان المجزأ دون تغيير، حيث لا يمكن إجراء انتخابات تشريعية جديدة حتى يوليو المقبل على الأقل.

تعد حكومة بارنييه أول حكومة يتم إسقاطها بحجب الثقة منذ أكثر من 60 عاماً في فرنسا، ويأتي هذا السقوط بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه هذا المنصب، وهي أقصر فترة ينهي فيها رئيس حكومة مهامه.

وقال بارنييه في خطابه الأخير قبل التصويت: «أستطيع أن أخبركم أنه سيظل شرفاً لي أن أخدم فرنسا والفرنسيين بكرامة»، مضيفاً: «إن اقتراح حجب الثقة سيجعل الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة.. هذا ما أنا متأكد منه».

ويأتي رحيل بارنييه بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت الصيف الماضي، والتي أسفرت عن برلمان معلق دون حصول أي حزب على الأغلبية الإجمالية، بينما أمسك اليمين المتطرف بمفتاح بقاء الحكومة.

ميزانية التقشف

وجاء اقتراح حجب الثقة، الذي قدمه اليسار المتشدد في الجمعية الوطنية، وسط مواجهة بشأن ميزانية التقشف للعام المقبل، بعد أن لجأ رئيس الوزراء الإثنين الماضي لتمرير مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي دون تصويت من البرلمان مستخدماً مادة من الدستور متعلقة بذلك.

وبدعم حاسم من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، صوتت أغلبية من 331 نائباً في المجلس المكون من 577 عضواً لصالح الإطاحة بالحكومة.

وفي حديثها لقناة «تي إف 1» التلفزيونية بعد التصويت، قالت لوبان: «كان أمامنا خيار، وخيارنا هو حماية الفرنسيين» من ميزانية وصفتها بـ«السامة».

كما اتهمت ماكرون بأنه «مسؤول إلى حد كبير عن الوضع الحالي»، قائلة إن «الضغوط على رئيس الجمهورية ستزداد قوة وقوة».

وكان هذا أول تصويت ناجح بحجب الثقة منذ هزيمة حكومة جورج بومبيدو في عام 1962، عندما كان شارل ديغول رئيساً.

انتخابات مبكرة

عاد ماكرون إلى باريس قبل التصويت مباشرة بعد اختتام زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى السعودية. وبعد هبوطه في باريس، توجه مباشرة إلى قصر الإليزيه.

وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب فرنسا اليساري المتشدد، ماتيلد بانو، للصحافيين: «نحن ندعو ماكرون الآن إلى الرحيل»، وحثت على «إجراء انتخابات رئاسية مبكرة» لحل الأزمة السياسية المتفاقمة.

وحرصت لوبان على عدم التباهي بسقوط الحكومة، وقالت إن حزبها - بمجرد تعيين رئيس وزراء جديد - «سيسمح لهم بالعمل» والمساعدة في إنشاء «ميزانية مقبولة للجميع».

إلا أن صحيفة «لوموند» ذكرت في إحدى افتتاحياتها، أن لوبان خاطرت بإغضاب أنصارها، مثل المتقاعدين وقادة الأعمال، بإسقاط الحكومة. وذكرت الصحيفة: «في غضون بضع دقائق حطمت استراتيجية التطبيع التي اتبعتها باستمرار».

وقال رئيس نواب اليمين في البرلمان، لوران فوكييه، إن أقصى اليمين واليسار المتشدد يتحملان المسؤولية عن تصويت حجب الثقة الذي «سيدفع البلاد إلى عدم الاستقرار».

إضرابات

ومع توتر الأسواق واستعداد فرنسا لإضرابات القطاع العام ضد تهديد خفض التكاليف، وهو الإجراء الذي سيغلق المدارس ويضرب حركة المرور الجوي والسكك الحديدية؛ هناك شعور متزايد بالأزمة.

ودعت النقابات الموظفين المدنيين، بمن فيهم المعلمون ومراقبو الحركة الجوية، إلى إضراب واسع أيام 10 و11 و12 ديسمبر، بسبب تدابير منفصلة لخفض التكاليف.

وفي الوقت نفسه، من المقرر أن يستضيف الرئيس ماكرون، الذي تستمر ولايته حتى عام 2027، حدثاً دولياً كبيراً مع إعادة فتح كاتدرائية نوتردام بعد حريق عام 2019، مع ضيوف من بينهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي سيزور البلاد في أول رحلة خارجية له منذ إعادة انتخابه.

قرارات من الأعلى

تولى ماكرون السلطة في عام 2017، واعداً بحكم فرنسا وفق ما يراه مناسباً، وإصدار القرارات من الأعلى، والتي سيتم تنفيذها من قبل المسؤولين تحت إمرته.

ويبدو أن ماكرون استشار دائرة صغيرة فقط من المستشارين قبل أن يستنتج في يونيو الماضي أنه سيحل الجمعية الوطنية بعد هزيمة حركته الوسطية في الانتخابات الأوروبية.

وكان رئيس وزرائه السابق، غابرييل أتال، من بين أولئك الذين بقوا في الظلام، حيث بدا مذهولاً عندما اكتشف الخطة، وتوقع أن تنتهي الانتخابات البرلمانية المبكرة التي يعتزم ماكرون إجراءها بالفوضى.

وبعد بحث دام شهرين عن رئيس وزراء ليحل محل أتال خلال الصيف، عين ماكرون في سبتمبر ميشيل بارنييه، المفاوض السابق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على رأس حكومة أقلية هشة. وبعد ثلاثة أشهر تنحى بارنييه قبل أن يتمكن حتى من اعتماد ميزانية العام المقبل.

ويبحث ماكرون مرة أخرى عن رئيس وزراء رابع هذا العام على الرغم من أنّ من سيختاره سيواجه المعضلة نفسها التي واجهها بارنييه في ظل عدم وجود أغلبية في الجمعية الوطنية، والدستور الذي يحظر إجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل يوليو.

ومع ثقل ديون الاقتصاد التي بلغت 3.2 تريليونات يورو، وتزايد توتر أسواق السندات بشأن قدرة فرنسا على كبح جماحها والسخط الذي يهدد بالانفجار في الشوارع، تستعد نقابات القطاع العام للإضراب، حيث لا توجد طريقة واضحة للخروج من المستنقع.

الحل الوحيد

وبدأ المعلقون يقترحون أن الحل الوحيد قد يكون في استقالة ماكرون، ما قد يفتح الطريق أمام انتخابات رئاسية جديدة من شأنها إعادة تشكيل المشهد السياسي. ورفض ماكرون أي فكرة من هذا القبيل باعتبارها «خيالاً سياسياً».

وفي حديثه خلال زيارته السعودية الأسبوع الماضي، قال ماكرون، إنه سيبقى في منصبه حتى نهاية ولايته الثانية والأخيرة في عام 2027. لكن خصومه لاسيما مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني الشعبوي، ليسوا على يقين من ذلك.

ويقال إنها تعتقد أنه إذا عانى رئيس وزراء ماكرون القادم من مصير بارنييه نفسه، وهو احتمال واضح بالنظر إلى الحسابات البرلمانية، فإن الرئيس سيواجه ضغوطاً متزايدة لترك منصبه.

لدى لوبان كل الأسباب للأمل في حدوث ذلك عاجلاً وليس آجلاً، ففي 31 مارس ستصدر المحكمة الجنائية في باريس حكمها في محاكمة تتعلق بمزاعم تفيد بأن حزبها اختلس ما لا يقل عن 4.5 ملايين يورو من البرلمان الأوروبي، وهي تنفي ارتكاب أي مخالفات، لكن إذا ثبتت إدانتها، فقد يتم منعها من المشاركة في السباق الرئاسي. عن «الغارديان»

مرشحون لرئاسة الحكومة

مع أن المرشحين لمنصب رئيس الوزراء الفرنسي قليلون، فإن وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو، وحليف الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي فرانسوا بايرو، يعتبران من المتنافسين المحتملين. وعلى اليسار قد يلجأ ماكرون إلى رئيس الوزراء الاشتراكي السابق ووزير الداخلية برنار كازينوف، وهو مرشح في سبتمبر.

وكان ميشيل بارنييه خامس رئيس وزراء منذ تولى ماكرون السلطة في عام 2017، حيث خدم كل منهما فترة أقصر على التوالي. ونظراً للاضطرابات، فإن المرشح الجديد يخاطر بفترة ولاية أقصر من تلك التي قضاها بارنييه، الذي كانت فترة ولايته الأقصر بين أي إدارة منذ بدء الجمهورية الخامسة في عام 1958. وأفادت مصادر عدة بأن ماكرون قد يعين رئيس الوزراء الجديد بسرعة.

. اقتراح حجب الثقة جاء بعد مواجهة بشأن ميزانية التقشف للعام المقبل.

الأكثر مشاركة