عائلات «جيش لبنان الجنوبي» عاجزة عن الاندماج في إسرائيل
فجر احد ايام يونيو قرر بشارة رزق العودة من الأراضي المحتلة الى وطنه القريب البعيد، اجتاز حقل الغام ثم قفز فوق سياج شائك لينتقل من اسرائيل الى لبنان، وفرحة العودة انسته الجروح التي اصيب بها اثناء عبوره السياج، ورمى جانباً خوفه كبقية عائلات جيش لبنان الجنوبي من تعرضهم لعمليات انتقامية، ومساءلة قانونية، لا سيما بعد أن طمأنهم الامين العام لحزب الله حسن نصر الله بأنه سيعاملهم معاملة الاب لابنه.
بشارة ابن الـ24 عاما لجأ الى اسرائيل في مايو 2000 إثر الانسحاب المفاجئ للقوات الاسرائيلية من جنوب لبنان بعد احتلال دام 22 عاما. يومها كان في السادسة عشرة، وغادر مع والده المقاتل في «جيش لبنان الجنوبي»، الميليشيا التي كان يقودها انطوان لحد وتمولها وتسلحها اسرائيل.
بعد مغادرته بلدته القليعة الحدودية ووصوله الى اسرائيل عمل بشارة في مصنع، اما ذووه فاعتاشوا على غرار سائر العناصر السابقين في الميليشيا من مخصصات الحكومة الاسرائيلية. ويقول الشاب العائد «لطالما اردت العودة الى لبنان». ولكن هذه العودة كانت على حد قوله محفوفة بخطر تعرضه لعمليات انتقامية بسبب ارتباط والده بميليشيا لحد.
نحو 6500 لبناني، أقاموا في شمال اسرائيل اثر الانسحاب، ولكن 2700 فقط لايزالون هناك، على ما اوضح مطران حيفا والاراضي المقدسة للموارنة بولس صياح. واسرائيل ولبنان في حالة حرب رسميا، والكثير من العائدين من اسرائيل الى لبنان تعرضوا للسجن اثر عودتهم الى بلدهم بتهمة «التعامل مع العدو». ويؤكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ايغال بالمور لمكتب وكالة فرانس برس في القدس ان هؤلاء اللبنانيين «يتمتعون في اسرائيل بجميع حقوق (المواطنة) باستثناء حق الانتخاب. يستفيدون من الضمان الاجتماعي ويعملون حيثما يحلو لهم. ويمكن لمن يريد منهم ان يحصل على الجنسية الاسرائيلية».
ولكن المطران صياح الذي يساعد الراغبين في العودة الى لبنان على تذليل صعوبات العودة، يؤكد ان «غالبيتهم لا يريدون البقاء (في اسرائيل)، انهم يتأقلمون بصعوبة. مخاطرة رزق بحياته للعودة الى بلده تبين كم يعاني البعض هنا».
مي من جهتها، عادت الى القليعة مع اولادها الاربعة، بعد شهر واحد من فرارها مع زوجها واولادها الى اسرائيل.
وتقول مي (45 عاما) التي تفضل عدم الكشف عن اسمها الكامل«لو كنت اعيش في الجنة لما كنت سأكون مرتاحة. لقد اضطررت الى ترك منزلي وجنى عمري في لبنان». وجيش لبنان الجنوبي الذي كان يضم نحو 2500 رجل، شكل اثر انشقاق وحدة من الجيش اللبناني عن القيادة في 1976 خلال الحرب الاهلية (1975-1990) وانبرى يقاتل الميليشيات الفلسطينية واللبنانية المناهضة لاسرائيل. وتعرف هذه القوة ايضا باسم «جيش لحد»، نسبة الى قائدها انطوان لحد، الضابط السابق في الجيش اللبناني الذي يقيم حاليا في اسرائيل.
وكان نصر الله هدد عشية الانسحاب الاسرائيلي الذي جرى في 24 مايو 2000 عناصر جيش لحد في خطاب بث مباشرة على التلفزيون بـ«ذبح» عناصر ميليشيا لحد «داخل بيوتهم» و«في اسرتهم»، ما اثار الهلع في نفوس هؤلاء ففروا الى اسرائيل. ولكن نصر الله عاد لاحقا ليطمئن هؤلاء ويقول لهم ان حزب الله سيعاملهم معاملة الاب لابنه. واثر الانسحاب الاسرائيلي، لم تسجل ردود فعل انتقامية واسعة النطاق في جنوب لبنان الذي تحول الى معقل لحزب الله الذي رفض التعليق على هذا الموضوع. ومنع القضاء اللبناني عودة مقاتلي جيش لبنان الجنوبي الى ديارهم لسنوات لتجنب حصول توترات.
ولم ينس الكثير من اللبنانيين سجن الخيام، حيث كان جيش لحد يعتقل مئات اللبنانيين والفلسطينيين الذين بحسب منظمة العفو الدولية كانوا «يتعرضون منهجيا للتعذيب وسوء المعاملة». ويؤكد مدير مركز الخيام لاعادة تأهيل ضحايا التعذيب، محمد صفا ان من الصعب على ضحايا التعذيب ان يروا مجددا سجانيهم، على غرار هذا الرجل «الذي يقطن قرب سجانه السابق». ويقول صفا إنه «في كل مرة يمر امام منزله يتذكر فترة سجنه. هذا الامر لديه اثر نفسي عميق عليه». وبحسب المطران صياح فان العائلات اللبنانية تبقى في اسرائيل «خشية تعرضها لاحكام قاسية» لدى عودتها الى لبنان، وكذلك بسبب «الوضع الاقتصادي في لبنان، بينما هم يعملون في اسرائيل». ومنذ عودته لم يجد بشارة رزق عملا، وهو يعتاش على معونات اقربائه، ولكنه يؤكد انه «غير نادم ابدا» على العودة.ويقول «في اسرائيل الحياة جيدة، ولكن في النهاية مجتمعهم ليس مجتمعنا».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news