تصوروا وجه العالم لو قُتل 300 إسرائيلي في ليلة
كم هو سهل علينا سرقة التاريخ الفلسطيني، وإلغاء سيرة مأساتهم، وتجاهل السخرية المذلة في غزة، وعدم اكتراثنا لكل ما يكتبه الصحافيون في كل صراع يحدث هناك «سكان غزة هم الملاك الاصليون والشرعيون للاراضي الاسرائيلية التي تتفجر فيها صواريخ حماس المنطلقة من هناك».
لماذا بقيت غزة؟ لان الفلسطينيين الذين يعيشون في عسقلان والحقول المحيطة بها تم تهجيرهم من اراضيهم عام ،1948 عندما ظهرت اسرائيل لينتهوا عند شواطئ غزة، ولهذا فهم يشكلون بين المليون ونصف المليون فلسطيني متحلقين حول غزة، اضافة الى ان 80٪ من هذه الاسر كانت في الاصل تعيش في ما يعرف الان باسرائيل، وهذه هي الحقيقة التاريخية «معظم سكان غزة ليسوا في الاصل من مواطني غزة».
وبمراقبتنا للاخبار، يعتقد كثيرون ان التاريخ بدأ اول من امس، عندما ظهرت فجأة مجموعة من الملتحين الاسلاميين المجانين(المعادين للسامية) في حواري غزة، اناس اوغاد لا اصل لهم،حيث بدأوا يطلقون الصواريخ داخل دولة اسرائيل (الديمقراطية، المحبة للسلام)، في محاولة منهم لمجارات الهجمة الجوية الاسرائيلية على غزة. وفي حقيقة الامر فإن ما لم يظهر في الأخبار هو ان الأخوات الخمس اللاتي قتلن في مخيم جبالية وفد جداهن من الأراضي نفسها التي ضرب مواطنوها الجدد معسكرهن ليقتلوهن.
وتمنى كل من اسحاق رابين وشيمون بيريز في تسعينات القرن الماضي أن تتلاشى غزة من الوجود وتغرق في البحر، ويمكننا أن نعرف السبب. ذلك ان وجود غزة يعتبر تذكارا دائما لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم في إسرائيل، والذين فروا أو نزحوا خوفا من التطهير العرقي الإسرائيلي قبل ٦٠ عاما، عندما اكتسحت اوروبا موجات اللاجئين إثر ماسي الحرب العالمية الثانية، ولكن لم يهتم العالم لحفنة من العرب طردوا من أملاكهم.
والآن ينبغي للعالم ان يهتم، وان يقلق على اولئك المنحشرين داخل اكثر الاميال المربعة ازدحاما بالسكان في العالم، المحرومين، الذين يعيشون فوق اكوام القمامة والمجاري يتضورن جوعا في الظلام خلال الأشهر الستة الفائتة، والذين فرضنا عليهم نحن الغربيين تلك العقوبات. غزة هي دائما بلد العصيان، فقد استغرق رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، اريل شارون عامين لفرض تهدئته «الدموية»، للعصيان الذي بدأ منذ ،1971 ويبدو أن لا احد يستطيع أن يدجن غزة.
يقول الراحل الكاتب الفلسطيني ادوارد سعيد «إن غزة أكثر الأماكن التي حللتُ بها رعبا وخوفا وحزنا بسبب اليأس والذل الذي يعيش فيه أهلها، لم أكن أتوقع أن تكون معسكراتها أسوأ بكثير عن معسكرات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا».
بالطبع فقد ترك الامر لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسبي ليفني لتعترف بان «المدنيين في بعض الأحيان يدفعون الثمن»، وكان من المستحيل لها أن تقول ذلك لو أن إحصاءات الموتى كانت على الجانب الإسرائيلي. وكان من المفجع ان نسمع أول من أمس احد أعضاء معهد «اميركان انتربرايز» يردد ببغائياً المجادلة الإسرائيلية التي تدافع عن سقوط هذا العدد الكبير من القتلى الفلسطينيين بقوله «إن لعبة الأرقام ليست ذات معنى». فإذا افترضنا أن ٣٠٠ إسرائيلي قتلوا مقابل فلسطينيين اثنين فإن «لعبة الأرقام» وعدم التناسب في العنف بكل تأكيد سيكون له معنى، والحقيقة البسيطة هي أن موتى الفلسطينيين اقل أهمية بكثير عن موتى الإسرائيليين. إننا نعلم أن قتلى حماس يشكلون 180 من عدد القتلى، ولكن ماذا عن البقية الباقية؟ فإذا كان عدد القتلى المدنيين ٥٧ قتيلا، كما قدرته الأمم المتحدة، فهذا العدد لايزال يشكل عارا.
ليس من المدهش ألا تسعى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لإدانة إسرائيل بالقدر نفسه الذي تلوم به «حماس». ونرى الآن عدم وجود فاصل بين السياسة الإسرائيلية والأميركية حيال الشرق الأوسط، ويتبع رئيس الوزراء البريطاني غودرن براون سياسة الإخلاص (الكلبية) التي اتبعها سلفه حيال إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش. وكما نعلم فإن معظم الدول العربية، التي تستمد تسليحها من الغرب، لزمت الصمت، ولم تدع إلا لعقد قمة عربية حول الأزمة،والتي وإن عقدت، ستؤلف «لجنة عمل» لصياغة تقرير لن يرى النور أبدا.
وبالنسبة لحماس فإنها ستستغل الارتباك البادي على وجه الحكام العرب الذين ينتظرون من إسرائيل أن تتحدث إليهم. وفي حقيقة الأمر فإننا سنسمع خلال الأشهر القليلة المقبلة بان إسرائيل وحماس «عقدتا محادثات سرية».
ترجمة:عوض خيريعن «الإندبنتدنت»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news