سكان جنوب لبنان.. عيونهم على غزة وأيديهم على قلوبهم
في استراحة«ديالا» في بلدة قانا في جنوب لبنان، يجلس عقيل الصايغ مع أصدقائه يتابعون عبر التلفزيون تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فكك خيمة صيفية كانت على سطح منزله ووضبها احتياطاً، «فقد نحتاج إليها إذا اندلعت الحرب واضطررنا إلى الهرب».
سكان البلدة التي شهدت مجزرتين مروّعتين نتيجة الغارات الإسرائيلية، إحداهما في 1996 (105 قتلى معظمهم نساء وأطفال) والثانية في 2006 (29 قتيلاً بينهم 16 طفلاً)، وتاريخاً طويلاً من الحرب والاحتلال تعبوا من الموت.
يقول الصايغ الذي يعمل سائق أجرة، هذه المرة لن يكون لنا مكان نهرب إليه، إلا ربما مرفأ صور (85 كلم جنوب بيروت). إذا أرسلت الينا بواخر، نضع فيها أولادنا ونرحل، في إشارة إلى تهديد الإسرائيليين أخيراً «بتدمير لبنان» في حال حصول نزاع جديد مع «حزب الله».
ويضيف عقيل وهو أب لأربعة أولاد، أصغرهم في شهره الثالث، أن زوجته طلبت إليه أن يشتري كمية من الحفاضات تحسباً لانقطاعها في حال نشوب حرب.
ويؤكد عماد شبلي (32 عاماً) أن الجو الآن في قانا «وكأنه جوّ حرب»، مضيفاً «عادة، الحياة حلوة في هذه البلدة، الناس يخرجون، يزور بعضهم بعضاً، يتسلون اليوم، الجميع في منازلهم، مشدودون إلى شاشات التلفزة وخائفون».
ويقول علي أبي خليل (44 عاماً) إن كل الصور التي تبثها قناة «الجزيرة» متطابقة مع صور مجزرتي قانا.
ويروي الصايغ أن مقاتلتين إسرائيليتين حلقتا الأحد فوق البلدة، «وفجأة، رأينا كل الناس في الطريق يهرعون إلى الاختباء».
وعلى الرغم من خوفهم على عائلاتهم، فإن الجميع يؤكدون أنهم مطمئنون إلى جاهزية حزب الله وكل المقاومين للمواجهة عند الضرورة. ويقول الصايغ «إن الجاهزية أكبر مليون مرة من أي وقت مضى». إنما لا يريد أحد الدخول في تفاصيل الاستعدادات على الأرض. في بلدة مارون الراس الحدودية، يشرح أحد السكان رافضاً الكشف عن اسمه، أن نشاط الحزب سري، لا يمكن لأحد أن يعرف ما هي التدابير التي يتخذها، إنما بالتأكيد هناك استنفار في صفوفه.
البلدة التي جرت فيها اشتباكات عنيفة في عدوان 2006 لا تزال تحمل بصمات الجيش الإسرائيلي الذي دخلها خلال الحرب الأخيرة، وبقي فيها بضعة أسابيع؛ على جدران أحد المنازل كتابات بالعبرية. ويشرح الجيران أن الإسرائيليين استخدموا هذا المنزل مركز عمليات.
ويؤكد جمال سرور (65 عاماً) في قرية عيتا الشعب الحدودية أنه لا يخشى حرباً جديدة، مضيفاً «لن يجرؤ اليهود على العودة إلى هنا».
ويقول إن الإسرائيليين كان لديهم ثأر شخصي مع عيتا الشعب، مذكراً بأن حزب الله خطف الجنديين الإسرائيليين في 12 يوليو ،2006 في الوادي المتاخم للبلدة. وكانت هذه العملية السبب المباشر لاندلاع الحرب التي استمرت 33 يوماً.
ويتابع جمال العائد من الحج، أن الجرافات الإسرائيلية جرفت كل منزله الذي كان من الحجر القديم، وقد أعاد بناءه «بوساطة المساعدة القطرية، ولو أنه لم يعد جميلاً كما كان».
أما زوجته فتقول وهي تقدم التمر وماء زمزم، «البيت يبنى من جديد والشجر يزرع من جديد. هذه المرة سنقضي عليهم نهائيا إن شاء الله».
وفي مارون الراس، كما بنت جبيل وعيتا الشعب، ورشة كبيرة. بعض البناء ناجز، وبعضه لا يزال على الإسمنت، فيما تلال الرمل والحصى على جانبي الطريق وعمال في كل مكان.