عسكرة الصحافة
تتعرض الصحافة راهنا لموجات معاكسة عاتية الأبرز فيها تداعيات الأزمة المالية العالمية والتي حدت بصحيفة لوس انجلوس تايمز للتخلي عن 70 من محرريها وهجمة الانترنت، التي غيبت كرستيان ساينس مونيتور الورقية، لكن هناك خطر جديد ينمو وهو زحف المجمع العسكري الاميركي نحو بلاط صاحبة الجلالة.
فقد سربت وكالة الأوسشيتدبرس على لسان محررها كريس توميلسون نبأ شروع البنتاغون في إطلاق وكالة أنباء باسم (هوملاند) لبث أنباء وتقارير ضمن ما يسمى الحرب الأميركية على الإرهاب.
قد تبدو سطور الخبر في الوهلة الأولى غير ذات شأن، خصوصا أن هناك وكالة أنباء عسكرية كبرى قائمة بالفعل هي (انتر فاكس) الروسية، كما أن سوق الخبر الإعلامي في قرية العولمة أصبح من الاتساع والتجدد بما لا يمكن لأحد السيطرة عليه.
لكن ما يصنع للجديد من معنى أن الخطوة تأتي تتمة لخطة سياسية كبرى مهمتها تغيير عقل العالم، وميزانيتها السنوية خمسة مليارات دولار، كما تأتي استكمالا لخطوات أخرى بدأت ببرنامج الصحافة اللصيقة (the embeded journaliٍ) وشملت انشاء قناة البنتاغون وموقع البنتاغون نيوز وخطة الإنفاق السري على صحف ومواد مبثوثة بشأن الحرب على العراق وشراء صحافيين واطلاق مواقع الكترونية بعضها متخفٍ وعلني.
دخول البنتاغون عالم وكالات الأنباء، يؤشر إلى أننا بصدد جهاز توجيه معنوي سيلعب بخشونة في حقل الدعاية السياسية يهمه كسب الحرب (والحرب خدعة) من دون مراعاة قواعد الصدقية المهنية وضوابط وأخلاقيات علم الإنباء، فإذا أضفنا أن المنوي اطلاقه وكالة أنباء (أي ليس مجرد مطبوعة) ستنقل عنها 1000 صحيفة، وستتوه موادها في مليون موقع ونشرة؛ لأدركنا أفق المخاطر وحجم اختلاط السم المتوقع بالعسل.