شمس طفلة عراقية تغرق في الظلام
تحمّلت الطفلة العراقية شمس، وهي في الثالثة، من المعاناة ما لم يحتمله كثيرون. وكانت قد اصيبت بالعمى في تفجير سيارة قتلت فيه أمها التي كانت في السيارة بسوق في بغداد، وبعد ان امضت ثلاثة أشهر في المستشفى خرجت وقد تشوهت معالم وجهها، ومازال يتعين عليها تلقي المزيد من العلاج لشفاء جروحها في مدينة هجرها كثير من أطبائها.
وخلال زيارة للعائلة في الأسبوع الماضي كانت شمس تجلس وحيدة وسط غرفة المعيشة، تقوم بحركة رياضية روتينية لجسمها، لكنها توقفت عن تلك الحركة فور سماعها صوت الزائر ونهضت باهتمام وبهجة لتستند الى جدار وهتفت بالحاح: «احملني احملني»، وظلت تردد حتى حملتها، ثم دفعت بعنقي قبل ان تطوقه بيديها وكأنما تتعلق بالحياة.
وبعد عامين من ذلك الانفجار الذي حرمها من أية فرصة للتعليم او احتراف مهنة او الزواج، هي حاليا بحاجة دائمة لحاضن للعنق وتخشى الوحدة وترعبها الانفجارات وغيرها من الأصوات القوية التي أصابتها بنوبة هستيرية تجعلها تعض أثناءها لسانها بقوة. ويقول والدها هشام فاضل كريم (32عاما): «ينمو ملاكي الصغير شمس بلا مستقبل».
واستنادا الى أحدث ارقام لصندوق الأمم المتحدة للطفولة فإن عدد الأطفال العراقيين الذين اصيبوا بإعاقات منذ غزو العراق عام 2003 بلغ 8346 طفلاً، 3190 منهم دون الرابعة.
ويقابل ذلك نقص شديد في عدد الأطباء، بعد ان هجر أكثر من ثلثي الأطباء العراقيين بلادهم، هرباً من العنف وفراراً بحياتهم واسرهم من عمليات الاختطاف والقتل. واصطحب هشام الأسبوع الماضي ابنته شمس الى طبيب العيون الذي عاد حديثا الى بغداد من لندن، عمر اليعقوبي، ولا يمكن لهذه الطفلة ان تبصر شيئا بعينها اليسرى، وتتبع أي خيط من ضوء بعينها اليمنى، وخلص الطبيب الى انها بحاجة الى عملية جراحية في العيون والوجه، وإعادة تأهيل نفسي، وتعزيز للثقة، وهو لسوء الحظ ليس موجوداً في العراق. وتم ارسال التقارير الطبية الخاصة بحالتها الصحية إلى مستشفى مورفيلد للعيون الشهير في لندن، حيث أبدى البرفيسور «بنغ تي خاو » رغبة في رؤية الطفلة، وكتب: «أنا حزين حقاً لما سمعته وعرفته عن هذه الطفلة»، مؤكدا انه لا بد من إجراء عمليات التصوير المختلفة والاختبارات الإلكترونية قبل اتخاذ اي قرار بما يمكن عمله، وتراوح تكلفة علاج الطفلة شمس في المستشفيات البريطانية بين 15-50 ألف جنيه استرليني، وهو مبلغ يفوق بكثير الإمكانات المادية لوالدها الذي يعمل سائقاً لشاحنة ويقوم بتربية ولدين آخرين غير شمس، وهو بحاجة ماسة الى محسن يتبرع له او يساعده.
وكان كريم قد تزوج من وفاء أثناء عملهما في وزارة الصناعة، وكانا عائدين الى بيتهما بعد زيارة لحماته مساء 23 نوفمبر 2006 حينما وقع الانفجار المروّع، حيث كانت وفاء تحتضن شمس في المقعد الخلفي من سيارتهم. وقال كريم «سمعت صوت الانفجار الأول تلاه الثاني ثم الثالث، وقامت قوات الشرطة بتحويل كامل لحركة السير بعيداً عن منطقة الانفجارات، لكن السيارة المفخخة الرابعة كانت بانتظارنا وأدى انفجارها الى قذفنا جميعا الى خارج سيارتنا، واشتعلت النار في وفاء وشاهدت شمس تهوي الى جانبها، وبدأت على الفور في إطفاء ألسنة النار من جسد وفاء بيدي، لكنها كانت قد فارقت الحياة، وكانت شمس ملقاة على وجهها الذي ارتطم بالإسفلت وتهشم وسالت منه دماء غزيرة، وهرعت بها سيارة اسعاف الى اقرب مستشفى، بينما انهمكت في تفقد حال ولديّ غيث (خمس سنوات) وطيف (ثلاث سنوات) اللذين اختفيا لحظة وقوع الانفجارات. ورغم أن شمس تلقت علاجاً في الأردن، خفف بعضاً من آلامها، إلا أن كثيراً ممن يعرفونها يقولون إن مستقبلها قد انتهى واصبح مدمراً، ولن يكون باستطاعتها الحصول على أي تعليم، وحينما يذهب أخواها الى المدرسة تبقى شمس وحيدة في البيت تنتظر احدنا ليأخذ بيدها في نزهة خارج البيت». ويضيف والدها «لقد تحولت حياتها الى جحيم، فما المستقبل الذي يمكنها النظر اليه؟ وما الذي تأمله؟ لا شيء سوى حياة غارقة في الظلام، وأنا مستعد لإعطائها عينيّ لو كان ذلك ممكناً أو ذا فائدة ».