التقارب مع النظــام الإيراني أفضـــل لأميركا

الإيرانيون يتساءلون عما إذا كانت بلادهم مستعدة لنبذ عداء تجاه أميركا عمره 30 عاماً. أرشيفية ــ أ.ب

يدور هذه الأيام جدل في إيران، حيث يتساءل بعضهم عما إذا كانت طهران مستعدة لكي تنبذ عداء ضد الولايات المتحدة عمره 30 عاما، وفي الوقت الذي عبر فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن رغبته في الحوار مع إيران، يرى كثيرون من الشعب الإيراني إنه من الأفضل للجمهورية الإسلامية الابتعاد عن كراهية لـ«الشيطان الأكبر» استمرت عقوداً .

في ذلك اليوم الذي ستمدحنا فيه الولايات المتحدة، ينبغي أن نحزن «هكذا قال زعيم الثورة الإيرانية الإمام الراحل آية الله الخميني، هذه العبارات المعادية للأميركيين، والتي طبعت على مبنى السفارة الأميركية القديم، ظلت لسنوات كرسالة ترمز للتحدي للغرب، بيد أنه لم يعد لتلك العبارات اليوم وجود على حوائط السفارة التي تم دهنها قبل فترة قريبة، وكأنما المقصود تليين اللهجة الإيرانية القاسية حيال أميركا.

وفي الوقت الذي عبر فيه أوباما عن رغبته في التفاوض مع إيران، فإن أكثر من مراقب يتساءل عما إذا كانت إيران، والتي احتفلت بالعيد الـ30 لثورتها أخيرا، جاهزة فعلا لنبذ عقود من الكراهية الرسمية لـ«الشيطان الأعظم؟».

هذا شكل الجدل الذي يدور حاليا في إيران، بينما يرسل زعماؤها السياسيون إشارات مختلطة في الوقت الذي يتوقعون فيه جهودا غير مسبوقة من واشنطن للحوار مع بلادهم.

دعوة للاحترام

دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أخيرا القوى الدولية إلى نوع جديد من الاحترام، عندما قال: «على القوى الدولية المتغطرسة أن تتعلم كيف تتحدث بشكل صحيح ومهذب، لكي يستمع لهم الشعب الإيراني المثقف والمحب للسلام»، وأضاف «الإيرانيون شعب منطقي، ويرحب بأي شخص يستطيع أن يقدم حلولا لمشكلات العالم».

ويعتقد المحللون بأن الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يتخذ القرار النهائي بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة هو مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، ويعزون ذلك لتلك الايديولجيات التي ازدرت أميركا لجيل من الزمان. إلا أن جميع المحللين لا يتفقون على أن في استطاعة خامئني أن يستغني عن هذا العدو المفيد . وكان خامنئي صرح في نوفمبر الماضي بأنه لم يمر يوم واحد «أبدت فيه أميركا حسن نواياها تجاه إيران»، والمشكلة الأميركية الإيرانية «هي مسألة حياة أو موت».

ويقول المحلل والصحافي المحافظ أمير محبيان: «الزعيم (يقصد خامئني) شخص عقلاني يريد أن يحكم إيران من ناحية، ويستجيب للواقع من ناحية أخرى». ويضيف «عندما ترسل الولايات المتحدة إشارة متشددة يبدي تشدده، وإذا أرسلت إشارة هادئة فإنه بالمثل يستجيب بهدوء، إننا هنا نوازن أنفسنا مع شركائنا».

وفي الوقت الذي تتميز فيه إيران بأن شعبها أكثر ميولا نحو الأميركيين، فإن أية محادثات مع أميركا تعتبر خطوة كبيرة لنظام لايزال يهتف «الموت لأميركا». ويقول محبيان: « يعتقد بعضهم بأن هذا هو الوقت المناسب لتسوية المشكلات مع الولايات المتحدة، ولكن بشكل متوازن»، ويضيف «إلا أن آخرين يرون أن العدائيات ضد الولايات المتحدة بعد 30 عاما تعتبر سمة مميزة لهويتنا الإيرانية، وإذا توصلنا إلى حل مع أميركا نصبح كمن يطمس هويته».

إشارات متباينة

أرسل نجاد تهنئة غير مسبوقة لنظيره باراك أوباما بعد أيام من الانتخابات الأميركية، مشيرا إلى توقعات إيرانية كبيرة بالتغيير، وعلى الرغم من اللهجة القاسية المعادية للغرب والهجوم اللفظي ضد الولايات المتحدة، فإن نجاد عبر أكثر من أي زعيم إيراني آخر عن رغبة بلاده في أن تصبح أميركا «أعظم الأصدقاء» لبلاده. بيد أن أحد ممثلي خامنئي صرح بأن مواجهة «سياسات الغطرسة» الأميركية والإسرائيلية تعتبر «خطوطا حمرا» ينبغي لإيران التعامل معها. ويضيف رجل الدين علي معبودي في تقرير لوكالة فارس للأنباء: «معارضة النظام الصهيوني والدفاع عن الشعوب المضطهدة من ضمن أعمدة الثورة الإسلامية، وان إيران وعلاقتها مع أميركا لن تتغير بسبب تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة».

وفي الوقت الراهن، يفكر المسؤولون الأميركيون في كيفية التقرب من إيران ومتى يتم توقيت ذلك، مع أخذهم في الاعتبار إعادة انتخاب نجاد في يونيو المقبل، من أجل زيادة فرص النجاح لأقصى حد ممكن في قضايا تتراوح بين الطموحات النووية الإيرانية إلى دور إيران الإقليمي.

ويعتقد أحد المحللين السياسيين الإيرانيين القدامى «أن ما يحتاج إليه القادة الإيرانيون بادئ الأمر أن يقتنعوا بأن أميركا لا تسعى إلى تغيير النظام، ومما لا شك فيه أن النظام «يرغب» أيضا في الحوار، لكن فقط من خلال شخص رفيع في المؤسسة الدينية، ويملك نجاد الاوراق الكافية لفعل ذلك، لكنه ينبغي أن يحتفظ بصورته وخطابته الثورية».

ويقول المحلل « بالفعل، أرغب في أن يحكم الاصلاحيون البلاد، ومن الأفضل لها ذلك، إلا انه من المحتمل أن يصابوا بالضعف في مثل هذه الظروف إذا حاولوا التقرب من أميركا.. وإذا حدثت أشياء غريبة تسبب بها نجاد وخامنئي فإنهما لا يستطيعان إيقاف رد فعل المتشددين، لكنهما يستطيعان في الوقت نفسه إقناعهم بالتقارب».

وعلى الرغم من ذلك، لاتزال شكوك كثيرة تحوم حول موضوع التقارب، كما يعتقد خبير سياسي إصلاحي، «إنهما بالفعل يحكمان البلاد بفضل معارضتهما الولايات المتحدة، فإذا غيرا من هذا المسار لن يكون هناك أساس لشرعيتهما»، ويضيف «يرغب نجاد بشدة في استئناف المفاوضات مع أميركا، بيد أن الزعيم الأكبر لا يسمح بذلك، لأن من يفعل ذلك ينبغي أن يكون أكبر بطل في إيران.

عدو مفترض

وتصف الولايات المتحدة إيران بأنها «الدولة الرئيسة الراعية للإرهاب»، وذلك لما تراه من دعم مقدم من إيران لحزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وتتهم طهران بأنها تسببت في موت الأميركيين في العراق. وفشلت الجهود الماضية في التوصل إلى نتيجة إيجابية بهذا الخصوص، كما تمخضت اتصالات سرية عديدة عن القليل جدا، ويعتقد محللون أن إيران ينبغي شطبها من قائمة الدول التي أطلق عليها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عبارة دول «محور الشر»، بعد أن ساعدت الولايات المتحدة خلال وبعد غزوها لأفغانستان.

ويقول دبلوماسي غربي في طهران: «الإيرانيون جد مرتبكين، فالأميركيون لايزالون يناقشون أفضل الاستراتيجيات لكنهم يعرفون ما يريدون، أما ايران فقد ظلت دولة ثورية لـ30 عاما، وتحتاج إلى أزمة، إلى عدو لكي تظل على قيد الحياة»، ويتساءل الدبلوماسي، «إذا تحول عدوك إلى شيء آخر، فماذا ستكون عليه الحال»؟

ويضيف «إذا طلب أوباما غدا التقارب من إيران بشكل رسمي فستحدث هزة هنا (في إيران).. يريدون بالفعل أن يدخلوا في تقارب كما يتضح، إلا أن السؤال هو: كيف يتوصلون إلى ذلك من دون إراقة ماء الوجه؟».

وكان نجاد أقدم من قبل على كسر أحد المحرمات الإيرانية المناهضة لأميركا، ويقول المحللون: إيران تترقب بالتالي توقعات معينة، ويعكف مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية على صياغة خطابات من أجل كسر الجليد بين البلدين، ويتجادلون ما إذا كان مناسبا التحاور مع إيران قبل بدء الانتخابات، إلا أن مثل هذا التحرك قد يمنح نجاد زخما أكثر من منافسيه مثل الرئيس السابق الإصلاحي محمد خاتمي، الذي اكتسح الانتخابات في 1997 و،2001 لكنه لم يستطع أن يكسر الجمود في العلاقات الأميركية الإيرانية.

الرسالة الأميركية

يجادل بعضهم في إيران بأن الولايات المتحدة إذا لم تستطع إرسال رسالتها قبل الانتخابات الإيرانية فستظهر نفسها كمن يريد التأثير في الانتخابات الإيرانية وتتدخل في ذلك، ويشير ون إلى أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هو الوحيد الذي يمتلك القدرة على تطمين المتشددين.

ويعتقد الصحافي أمير ممحبيان أن أي تحرك أميركي سريع من شأنه أن يتمخض عن نتائج طيبة، عن طريق رسالة «قصيرة ومهذبة» من أوباما إلى نجاد، يشكره فيها على مشاعره الطيبة التي عبر عنها في رسالته، «ويأمل أن يتمخض ذلك عن حقيقة جديدة»، ويقول محبيان «أما الرسالة الرئيسة ـ الخاصة بتسوية المشكلات ـ فينبغي إرسالها إلى خامنئي». وينبغي أن تعترف تلك الرسالة بالمظالم التاريخية السابقة، مثل الانقلاب الذي خططت له الاستخبارات المركزية الأميركية عام ،1953 وأن تقترح الرسالة: «دعونا ننسى الماضي، فقد أصبحت الجمهورية الإسلامية حقيقة، نرغب في مستقبل جديد».

ويضيف «بعد ذلك، سنرى الموقف يتغير، ليس في الحال، ولكن تدريجيــا خلال عامين».

وخلال ذلك الـــوقت، على الطرفين أن يلتزمـــا بالسياسات الجديدة، و يستطـــيع خامنئي أن يصور التغيير من موقف قوة وليس ضعف.

لكن، هل مثـــل هذا السيناريو محتمــل؟ حتى المقــربون من الدوائر الحاكمـــة يحـــذرون من أن رد الفعل الإيراني يعتـــمد على الأفعال الأميركية، ولا يستطيعون أن يتوقعوا إ لى أي مدى يستطيع النظام الإسلامي أن يتزحزح.

تويتر