سياسة أميركا البراغماتية أفقدتها قاعدة قرغيزستان

القاعدة الأميركية في قرغيزستان قبل إخلائها. أ.ف.ب

ظلت الولايات المتحدة تحاول وقف إلغاء قاعدتها الجوية السابقة في وسط آسيا.

وحاز تصويت برلمان قرغيزستان على إغلاق هذه القاعدة تغطية إعلامية أكبر. واندفع محللون إلى تصوير ذلك بأنه لعبة شطرنج جديدة بين روسيا الفيدرالية والولايات المتحدة، إذ يحاول الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما أن يدعم الوجود الاميركي في أفغانستان، في الوقت الذي يشعر فيه الباكستانيون بالغضب من أميركا بسبب مسلسل القصف المستمر واغلاق محطة جوية.

وكوني خدمتُ سفيراً لقرغيزستان في الولايات المتحدة بين 1996 و،2005 فإنني أعرف الكثير عن تأسيس هذه القاعدة والجهود الجبارة التي تم بذلها للحفاظ عليها مفتوحة. وبالطبع، فإن أصدقاءنا في موسكو انزعجوا من قرار فتح القاعدة، ومارسوا ضغوطا كبيرة لإغلاقها. لكن قرار أي دولة لعرض أرضها من أجل أغراض عسكرية يتطلب عددا من الاعتبارات المعقدة. ويعتمد اتفاق تقديم قاعدة على المصلحة المشتركة للدولة المضيفة وتلك التي ترسل جنودها أو تصنع منها ممر إمداد.

وعندما تم افتتاح هذه القاعدة في العام ،2001 كانت أميركا مدفوعة بعوامل عدة، فقد كان شعب قرغيزستان متأثراً جدا بأحداث 11 سبتمبر، وكنا نرغب في إظهار دعمنا لأصدقائنا الأميركيين، وإضافة إلى ذلك، كان يجمعنا عدو وألم مشتركان، إذ إن 50 من جنودنا قتلوا بين 1999 و2001 في معركة عسكرية مع حركة أوزبكستان الاسلامية، وهي منظمة متحالفة رسميا مع القاعدة، وتعمل من قواعد في أفغانستان، وتحظى بدعم القاعدة وطالبان. وانسجمت تعهدات الولايات المتحدة في وضع حد لهذه العمليات مع مصالحنا الوطنية. وكانت قرغيزستان تأمل أيضا في الاستفادة اقتصادياً من هذه القاعدة، وهي أمنية كانت صريحة.

وبلا ريب، استفادت بلادي من وجود القاعدة على أراضيها. وبالنسبة لنا، حدث أكثر التطورات أهمية عندما وجهت قوات الحلفاء ضربة قاصمة لحركة أوزبكستان الإسلامية،لكن الأمور لم تجر مثلما كنا نأمل، إذ كانت الحوافز الاقتصادية بشأن القاعدة دائما ضبابية، كما أن وعود التوظيف والدعم التي توقعها كثيرون لم يتم تحقيقها.

ووقعت حادثتان مؤلمتان، تضمنت إحداهما إطلاق النار على مواطن قرغيزي وقتله عام ،2006 ما جعل قرغيزيين كثيرين يشعرون بالقلق من نية المسؤولين الأميركيين والأسلوب الذي يستخدمونه في تعاملهم مع شركائهم في وسط آسيا.

وبالطبع، فإن لكل شراكة مطباتها، الأمر الذي طالما أزعجني باستمرار بشأن الشراكة بين الولايات المتحدة وبلادي، فحالما تم إنشاء القاعدة، لاحظت تغيراً جذرياً في الموقف الأميركي في التعامل مع قيرغيزيا. ففي السابق، كانت واشنطن تضع سلسلة من الأولويات، تمثلت بصورة عامة في القلق الأمني، والاقتصادي، والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية .لكن، بعد تأسيس القاعدة بات من الواضح إنه على الرغم من الأنواع الأخرى من القلق التي كان يتم الإعراب عنها بين الفينة والأخرى، فإن الموضوع الأساسي كان يكمن في القاعدة الجوية. وفي نهاية المطاف، لم يخدم هذا التغير مصالح كلا الدولتين.

كانت قرغيزستان مسرحاً لثورة شعبية في عام ،2005 أشعلتها حالات التذمر من الفساد والآمال بنظام ديمقراطي أفضل. وتراجعت آمال أميركا الديمقراطية بالنظر إلى دولتنا التي أصبحت أكثر ديكتاتورية. وربما تكون قرغيزستان أفضل ديمقراطية في وسط آسيا، لكنها تتحول تدريجيا إلى دولة ديكتاتورية. ويحلم ملايين القرغيزيين بالحصول على مستقبل أفضل وأكثر حرية. ولطالما كانت انتقادات الولايات المتحدة للدول الديكتاتورية تدخل التشجيع إلى قلوب القرغيزيين، وكانت دعوات الأميركيين إلى التمسك بطريق الديمقراطية مصدر إلهامهم، وكان ذلك صوت الصديق الحقيقي.

لكن، بعد افتتاح القاعدة، اختفى هذا الصوت، وتم تغيير دستورنا مرات عدة للسماح للحكام الشموليين بتقوية سلطتهم. وأصبحت المعارضين السياسيين مجرمين، وازداد الفساد وتفاقم، وكشفت فوضى إدارة الاقتصاد في البلاد عن نفسها على شكل أزمة طاقة في دولة لطالما اعتبرت عملاقاً في إنتاج الطاقة الهيدروليكية وشركة لتصدير الطاقة الكهربائية إلى دول المنطقة . وأشعر بالحزن لمغادرة الأميركيين لقاعدة ماناز، ولكن إذا كان إغلاق هذه القاعدة سيؤدي إلى عودة الولايات المتحدة إلى صوت الانتقاد وإلى دفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فسيكون ذلك استثمارا أفضل في مستقبل أكثر أمنا لدولتينا.

سفير قرغيزستان السابق إلى الولايات المتحدة وكندا

ترجمة: حسن عبده حسن

عن «تودي زمان»

تويتر