واشنطن تفتح «قناة سرية» مــع طهــــران
كثف الرئيس الأميركي بارك اوباما ومساعدوه في الأسابيع الأخيرة من اشاراتهم وتلميحاتهم الى الرغبة في الإسراع في فتح قنوات الحوار مع ايران، في تحول كبير عن نهج سلفه الجمهوري جورج بوش. ويستعد اوباما وفريقه لإرسال رسالة سرية الى المرشد الأعلى في ايران علي خامنئي تتضمن دعوتها إلى فتح « قناة خلفية سرية» لإدارة محادثات مباشرة بين البلدين.
وعلى الرغم مما في هذا السلوب السري من مضمون تآمري وتوجهات لمغامرات تجسسية، فإن أوباما يدرك ايضاً ان هذه الدبلوماسية السرية حققت الكثير في أكثر من مناسبة او حدث. فمحادثات القنوات السرية هي التي مهدت الطريق وفتحت الأبواب امام تدشين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين عام 1972وأثمرت اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين في سبتمبر 1993 وغير ذلك من الاختراقات اللافتة.
ولكن ما الذي تقوله رسالة اوباما؟ ذلك من اهم وأخطر القضايا التي يصارع من أجلها الاختصاصي الاستراتيجي للإدارة الاميركية بشأن ايران المكلف بملف منطقة الخليج دينيس روس. فإذا طلب الأميركيون الكثير فقد يرفض الإيرانيون اللعب والاستجابة، واذا تمت الاستجابة نسبياً وتم الافساح لهم فقد يطمعون ويطلبون المزيد ولذا فإن روس ووكيل وزارة الخارجية الاميركية وليام بيرنز ينخرطان حالياً في سلسلة لقاءات مع خبراء في الشؤون الإيرانية ودبلوماسيين أوروبيين في محاولة لرسم هذه الاستراتيجية.
وقد شجع دبلوماسيون أوروبيون اوباما على ان تتضمن رسالته لخامنئي التخلي الصريح عن المحاولات والمساعي الأميركية «لتغيير النظام» في طهران، وهو شرط اساسي لبدء اي حوار من وجهة النظر الايرانية، وهو ما فشلت ادارة بوش في حمل نفسها على قبوله حتى بعد اعترافها بفشلها وعجزها عن ذلك باعتباره فوق طاقتها. لكن مازال من غير الواضح بعد كيف سيعالج فريق اوباما هذه القضية.
فموضوع النقاش والجدل هو مدى ما يجب ان يكون عليه حزم الولايات المتحدة وقسوتها، فقبل تعيينه في منصبه الحالي كتب روس مقالاً عام 2007 في صحيفة «نيو ريببليك» دافع فيه عن ضرورة اتخاذ خط متشدد نسبياً تجاه ايران. وقال إن العقوبات عليها تأتي بأثر ايجابي وتشكل العامل الرئيس الذي سيدفعها الى تغيير موقفها. لكن دبلوماسياً اوروبياً التقاه الأسبوع الماضي وجادله، قائلاً إنه يجب تأخير تجديد العقوبات او فرض اي عقوبات جديدة الى ما بعد الربيع الحالي على الأقل، لإتاحة الفرصة لبدء انطلاقة ناجحة للمحادثات المباشرة بين طهران وواشنطن كما يتفق الجميع على أن المفاوضات يجب ان تتم مع خامنئي باعتباره القائدد الأعلى في ايران، وليس مع أي مسؤول أدنى منه ولو كان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد.
وقد بعث خامنئي بإشارات مناقضة ومضادة، حيث قال إن ايران لم ترفض يوما اي محادثات مع الولايات المتحدة على أساس مبدأ المساواة والتكافؤ، لكنه ندد بدعم اوباما لإسرائيل، ومضيه قدماً في النهج الخاطئ ذاته الذي نهجه سلفه بوش.
ومن اهم أولويات خامنئي تعزيز قدرة بلاده على التكيف مع الأزمة الاقتصادية العالمية، كما أنها بحاجة ماسة الى استثمارات وتكنولوجيا اجنبية لزيادة انتاجها من النفط بعد الانخفاض الحاد والسريع والكبير في اسعاره عالمياً، ما أدى الى زيادة كبيرة في عجز الميزانية العامة لإيران.
وعلى افتراض أن إيران جلست على طاولة المحادثات السرية المباشرة، فلن يكون التوصل الى اتفاق مهمة سهلة على الجانبين، فأميركا وحلفاؤها يطلبون منها ان تتوقف عن تخصيب المزيد من اليورانيوم ووضع برنامجها النووي تحت المزيد من الرقابة الدولية وقيودها، بينما تريد طهران إنهاء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الأمم المتحدة، وكذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويبدي الأميركيون قلقاً من ان انطلاق المحادثات بنجاح يعني انطلاق إيران بلا قيود أو ضوابط للاستمرار في تطوير برنامجها النووي مستندة إلى أن تلك المحادثات تعني القبول الضمني ببرنامجها أو السكوت عليه. وأثبتت الأحداث والتطورات منذ عامين وحتى الآن أن اوباما كان على حق حينما عرض الحوار أو التفاوض المباشر مع ايران، لأنه كان يدرك حقيقة الأمر الواقع، وهي أن الضغوط العالمية على ايران للتخلي عن طموحاتها النووية أو تغيير سياستها العامة بلغت نهايتها ووصلت الى طريق مسدود، وأنه ليست هناك جدوى من الاستمرار فيها، وأنه لابد للولايات المتحدة من انتهاج خط منفتح، ولكن الاختبار الحقيقي والصعب أمام اوباما هو: ماذا إذا فشلت المحادثات أو أخفقت في إحراز أي تقدم فهل سينسحب منها؟.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news