أميركيون يلجأون إلى «مدن الخيام» بعد فـــقدان منازلهم

معسكرات الخيام انتشرت في بعض المدن الأميركية بعد تفاقم أزمة الرهن العقاري. رويترز - أرشيفية

بدأت نتائج الأزمة المالية العالمية تظهر جلياً في مختلف بلدان العالم وخصوصاً اميركا التي بدأت المشكلة منها، اذ يبدو من الواضح أنها ستتحمل النصيب الأكبر من المتاعب الاقتصادية وسط مخاوف من استمرار حالة الركود لسنوات طويلة. ومن بين المظاهر التي أفرزتها الأزمة المالية، فقدان الملايين حول العالم وظائفهم وتوقف عجلة التنمية في الدول النامية. ولعل انتشار معسكرات الخيام في بعض المدن الأميركية دليل واضح على مدى تأثير الأزمة في الطبقة الوسطى في أميركا. ويعزو الخبراء هذه الظاهرة إلى ارتفاع أسعار المنازل، وتفاقم مشكلة الرهن العقاري، وارتفاع معدلات البطالة. وتشير التقديرات إلى تزايد عدد الأشخاص الذين فقدوا منازلهم بسبب عجزهم عن سداد قروضهم العقارية، ليصل إلى أرقام مخيفة.

تقول البيانات الرسمية ان نحو 651 ألف أميركي فقدوا وظائفهم في شهر فبراير الماضي، في الوقت الذي سجل فيه مؤشر البطالة رقماً قياسياً منذ 25 سنة، حيث تجاوز 8.1٪. ويحاول أكثر من 1.5 مليون أميركي البحث عن فرص للعمل، بينما سجل عدد الجامعيين العاطلين رقماً قياسياً كذلك. الأمر الذي جعل السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما تقول «إننا نواجه مرحلة صعبة للغاية في هذا البلد، يأتي وقت على كل واحد منا يحتاج فيه إلى يد المساعدة». إذ إن الأزمة الراهنة لا تستثني أحداً من الأميركيين.

تشرد

سلطت وسائل الإعلام الأميركية الضوء على ظاهرة التشرد، والأبعاد الجديدة التي اتخذتها، حيث باتت أكثر تنظيماً، وقد انتشرت ما باتت تسمى في الولايات المتحدة «مدن الخيام» في مدن اميركية كبرى وضواحيها، مثل سكرمنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا. وتنتشر العشرات من «مدن الخيام» في ولاية كاليفورنيا التي تتميز باعتدال مناخها الذي شكّل عامل جذب للمشردين عبر الولايات الأميركية الأخرى. وتشهد كاليفورنيا أسوأ فترة لها منذ عقود، حيث سجلت أعلى نسبة عجز عقاري في الولايات المتحدة، وفي فبراير بلغ عدد المنازل التي أعيد تمليكها 80775 منزلاً، بزيادة 51٪ عن الفترة نفسها من العام الماضي. كما تضاعف عدد المنازل المطروحة في المزاد إلى نحو ثلاث مرات.

في مدينة سانتا باربرا، يتم اخلاء المواقف من السيارات لإفساح المجال أمام «المشردين الجدد» لركن سياراتهم وعرباتهم التي ينامون فيها. وفي مدينة فريسنو المجاورة تحاول السلطات التعامل مع الأعداد المتزايدة للمشردين وانتشار تجمعات الخيام والبيوت الخشبية التي أصبحت الخيار الوحيد أمام بعض الأميركيين. وعلى الرغم من ذلك تقول السلطات في المدينة ان المشردين ليسوا أولوية في الوقت الذي تشهد فيه تقليصاً في الميزانية وعدد الموظفين والعمال.

ولتدارك الموقف يحاول الرئيس باراك أوباما إيقاف عمليات انتزاع المنازل من أصحابها وبيعها لآخرين بسبب التعثر في دفع القروض، من خلال إعادة جدولة ديون هؤلاء المتعثرين. ومن شأن هذا الإجراء منع إعادة بيع تسعة ملايين منزل مرهونة. إلا أن خطة الإنقاذ الحكومية لن تؤتي ثمارها قبل أشهر من بداية تنفيذها الفعلي.

ويبدو ان التاريخ يعيد نفسه، حيث تجمع عشرات الأميركيين على ضفاف نهر سكرمنتو في خيام وبيوت خشبية، وهو ما حدث في الثلاثينات عندما تعرض الاقتصادان الاميركي والعالمي الى ركود كبير بسبب انهيار بورصة وول ستريت. ويعيش حالياً 300 مشرد على ضفاف النهر، ويفد إلى المكان 50 شخصاً كل أسبوع. هذا في الوقت الذي يفقد فيه 500 أميركي عملهم يومياً في كاليفورنيا وحدها، حسب احصاءات .2008 وتقول المنظمات الخيرية انها عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة للمشردين الذين يطلبون المساعدة، فالملاجئ لم يبق فيها مكان شاغر. وكشفت دراسة أعدها «الاتحاد الوطني للمشردين» في واشنطن، عن أن 60٪ من المنظمات المعنية بالمشردين تقول ان نسبة «مدن الخيام» قد ازدادت منذ بداية أزمة الرهن العقاري التي ظهرت بوادرها عام .2007 ولفت الاتحاد إلى أن هناك مخيمات كثيرة انتشرت في أرجاء الولايات المتحدة، وأن «مدن الخيام» باتت ملحوظة بشدة في واشنطن وجورجيا وكاليفورنيا.

انتكاسة غير معهودة

تستفحل ظاهرة «مدن الخيام» في ضواحي مدينة رينو بولاية نيفادا، حيث معدلات أسعار المنازل هي الأعلى وتكاليف الإقامة هي الأغلى، ولجأ إليها كثيرون، اذ يوجد بها حاليا ما يزيد على 150 شخصاً، وبين أهل تلك المدن، أشخاص جاءوا من مناطق أخرى، بينهم السيدة سلفيا فلين، 51 عاماً، قدمت من شمال كاليفورنيا بعد أن فقدت وظيفتها وبيتها.

أما جيم غيبسون، 50 عاما، الذي قدم إلى المكان قبل أربعة اشهر وفقد عمله في سان فرانسيسكو، فيقول انه انفق المال الذي كان بحوزته وبات مفلساً. ويقول غيبسون، إنه اضطر لبيع كل ما يملكه، إلا أن كل المال نفد، واضطر للالتحاق بـ«مدينة الخيام» في سكرمنتو. ويروي متحسراً «لم أكن أتوقع أن تنتهي بي الأمور إلى الخيام». ولم يبق لدى الرجل إلا حقيبة يحمل فيها فراشاً وغطاء يستخدمهما للنوم.

ليس بعيداً عن خيمة غيبسون، ينام رون هاريسون، 46 عاماً، الذي حل بالمكان قبل أيام، وبحوزته فراش نوم، وبضعة دولارات. ويقول هاريسون، الذي كان يعمل نجاراً «كنت مجبراً على المجيء إلى هنا، لم يعد لي شيء أفعله» ولا تختلف قصتا غينادي توماسوف، 57 عاماً، وانتوني، 32 عاماً، كثيراً عن بقية القاطنين في الخيام. إلا أنهما لم يفقدا الأمل في إيجاد وظيفة تخرجهما من هذا المأزق، فهما يحاولان في كل حين الحصول على عمل كلما سمحت لهما الظروف. وأحيانا يسعفهما الحظ من خلال عمل مؤقت يدر عليهما عشرات الدولارات. ووصف أحدهم الوضع في مدن الخيام قائلاً «اننا في قاع البرميل». وتنعدم أبسط الخدمات في هذه المدن، بما في ذلك الماء الصالح للشرب والرعاية الصحية. ويُخشى ان تنتشر الأمراض بعد سقوط كمية كبيرة من الأمطار، التي حولت المكان إلى مستنقعات مليئة بالأوحال. من جانبه علق المدير التنفيذي للاتحاد مايكل ستوبس على الأمر قائلا «من الواضح للجميع أن معدل الفقر ونسبة المشردين قد ازدادت»، ويرى أن «الاقتصاد في ورطة لأن هناك انتكاسة غير معهودة».

وقال مدير مشروع الرعاية الإقليمي الغربي باول بودين، وهو مظلة تضم الجمعيات المعنية بالمشردين في مدن الساحل الغربي الأميركي «ما أراه من مخيمات لم تقع عليه عيناي منذ ثمانينات القرن الماضي»، وعن أعداد المخيمات وسكانها صرح عدد من المسؤولين بأنه ليس لديهم أي إحصاء حقيقي. لكن مدير التنمية بمدينة رينو، جودي رويال جودين قال «نعلم أن هناك مشردين وساكني خيام وعددهم أكبر مما نتوقع أو نسمع، والإقبال على المطاعم لشراء الطعام اليومي يبين لنا ذلك جليا»، وفي تقرير صادر أخيراً عن وزارة الإسكان الأميركية أشار إلى أن نسبة الإقامة في مخيمات الايواء كانت قد انخفضت بنسبة 12٪ على مستوى الولايات المتحدة، لكن الأرقام النهائية التي صدرت عام ،2007 عادت لتتحدث عن تفاقم أزمة الإسكان والاقتصاد.

 

الأطفال.. أول ضحايا الأزمة

من المتوقع ان ترتفع نسبة الأطفال المشردين في اميركا بسبب الازمة الاقتصادية وما تبعها من حجز المنازل. وأفاد تقرير نشره المركز الوطني للأسرة ان عدد الاطفال المحرومين من المأوى في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 2005 و2006 تخطى 1.5 مليون طفل، ويمثل هؤلاء نحو 2٪ من مجموع الأطفال الاميركيين.

وقالت رئيسة المركز الوطني الين باسوك، ان «الاطفال المشردين اول ضحايا الازمة الاقتصادية في البلاد، وهذه الارقام ستزداد مع زيادة عمليات حجز المنازل»، وأوضحت باسوك ان «الاطفال المشردين يعانون من الخوف والجوع ويفشلون في المدرسة»، مضيفة انه من دون تحرك حاسم سيدفع ملايين الاطفال طوال حياتهم ثمن العيش كمشردين، واستطردت «مجتمعنا سيشعر بهذه العواقب لعقود، في حين نقدم المساعدات لباقي البلاد، فقد حان وقت مد يد المساعدة لهذه الاسر»، وهؤلاء الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، موزعون على كل الولايات الاميركية، لكنهم يعيشون خصوصاً في 11 ولاية. والولايات الاكثر تأثراً هي: تكساس، كاليفورنيا، لويزيانا، وجورجيا، في المقابل جاء اقلها تأثراً نيوهامبشاير، هاواي، رود ايلاند، ونورث داكوتا.

تويتر