عصابات نازية تلاحق الغرباء في روسيا
«مهمتنا تنظيف روسيا من محتليها من الأجانب بأعراقهم المختلفة »، هذا ما يردده قادة النازيين الجدد و اليمين المتطرف الذي نشط بشكل كبير في السنوات الأخيرة في روسيا، ويتخذون موقفا شديد الوضوح برفض المهاجرين الوافدين اليها، زاعمين أن موقفهم هذا يحظى بتأييد نصف الشعب الروسي، ومنذ عام 2004 ارتكب أعضاء من اليمين المتطرف جرائم قتل طالت 350 من الأجانب.
حدوتة موسكوفية
كانت الساعة التاسعة و10 دقائق ليلا يوم 16 إبريل ،2007 وكان الأرمني كارن أبراميان عائدا إلى شقته جنوب موسكو، بعد زيارة لوالديه إذ لا تستغرق المسافة بين بيته وبيت أبويه أكثر من خمس دقائق، وحينما وضع بطاقته في شقها المخصص لدخول البناية اقترب منه شابان مراهقان يعتمر أحدهما قبعة بيسبول وسددا إليه 56 طعنة في رأسه وعنقه ومعدته وظهره . وقبل ذلك، توسل ابراميان إليهما أن يأخذا ما لديه من نقود ويتركاه لشأنه « أرجوكما خذا كل ما لدي من مال». لكنهما تجاهلا ذلك تماما وأمطراه بطعناتهما، وفي تلك الأثناء، أطلت زوجته مارثا من نافذة شقتهما في الطابق التاسع لترى شابين ينهالان بالضرب على جسم ملقى على الأرض، وقد لفه الظلام وعاد ابنهما جورجي (14 عاما)، الذي كان يلعب بالجوار ليجد أباه غارقا في دمائه على مدخل البناية وخلع قميصه في الحال ليفه حول جسم أبيه حيث كان الجو شديد البرودة وهرع الى البيت ليحضر وسادة وحراما، وعاد ليلف والده بانتظار حضور سيارة، وبعد ذلك بأربع ساعات، وفي الخطوط الأولى لفجر اليوم التالي فارق ابراميان الحياة بعد أن فشل الأطباء في وقف النزيف .
فخورون بالقتل
أحد قاتلي ابراميان (46 عاما) أرمني من أذربيجان ومدير شركة تأمين في موسكو ـ يدعى أرتور راينو والثاني بافل سكاتشيفسكي، وكلاهما (17 عاما)، وكان دافعهما لقتله أيديولوجيا وقاما بذلك في إطار ما يسمى «حركة التحرير الوطني»، وهي حركة سرية متعصبة تعمل بالعنف للتخلص من الأجانب في روسيا . ووقع اختيار راينو وسكاتشيفسكي على ابراميان لمجرد أنه أرمني، وكانت جريمتهما تجسد العنف العنصري، فقد رصداه وتابعا حركته في الشارع وقررا قتله عن سابق إصرار وتعمد، واستولى عليهما الخوف، حينما شاهدهما أحد الجيران - وهو محقق سابق - وطاردهما، غير أنهما تمكنا من الاختفاء، لكن شهادته كانت سببا في سرعة اعتقالهما . وفي أثناء التحقيق، لم ينكر أي منهما ما قام به، بل كانا فخورين بذلك، وفوجئ المحققون لدى سؤالهما عما إذا كانا قد ارتكبا جرائم قبل ذلك بأن الجواب جاء نعم، فقبل ثلاث ساعات فقط من طعنهما أبراميان، قتلا الطاجيكي كايرل ساديكوف بطريقة مماثلة، ولوحظ أن سمة واحدة تجمع بين الضحايا، وهي أنهم جميعا ليسوا سلافيين، وإنما من الهاربين من الفقر من «الجمهوريات السوفييتية السابقة» في آسيا الوسطى، مثل طاجيكستان وأزوبكستان وقرغيزيا، إضافة إلى صينيين وقلة من الشيشان وداغستان.
ويعتبر المراهقان المجرمان راينو وسكاتشيفسكي - من حليقي الرؤوس -نفسيهما محاربين في حرب مقدسة، وأن مقاتليها يرتكبون أخطاء في بعض الأحيان، مثل اكتشاف ان بعض ضحاياهما من ذوي البشرة الداكنة هم من الروس، ولكن بعد قتلهم.
روسيا للروس
ويصف خبير العنف ومدير مركز سوفا للمعلومات في موسكو، والمختص برصد جرائم الكراهية، الكسندر فيرخوفسكي، طريقة ورغبة راينو وسكاتشيفسكي القوية في القتل بأنها غير طبيعية، وقبل أيام من محاكمتهما التي استمرت خمسة أشهر، نشاهد ونحن جلوس في أحد المقاهي نحو 300 من ناشطي النازيين الجدد في مسيرة على ناصية أحد الشوارع، وتحت تمثال الكاتب المسرحي الكسندر غريبويدوف أحد ضحايا مظاهرة وأحداث شغب قام بها الإيرانيون عام ،1829 ويتسلق مشاركون في المسيرة إلى أعلى التمثال، ويؤدون التحية على طريقة هتلر ويهتفون «روسيا للروس»، ونكتشف لاحقا أن حليقي الرؤوس من الروس يوقرون الفوهرر ، ويعتقدون أن خطأه الوحيد كان غزوه روسيا. وفي ركن معرض، نشاهد صورة فوتوغرافية كبيرة لطالبة روسية جميلة شقراء، تدعى آنّا بيشنوفا، وهي طالبة (15عاما) اغتصبها وقتلها عامل صيانة أوزبكي في أكتوبر الماضي، ما أجج التوترات العرقية، وأدى إلى وقوع هجمات انتقامية عدة، وطبقا لما يقوله فيرخوفسكي فإن ظاهرة العنف العنصري ليست جديدة على روسيا التي ينتشر فيها التعصب بشكل متزايد، «حيث يعتقد أكثر 50٪من السكان أن الروس السلافيين الأنقياء يجب أن تكون لهم امتيازات تميزهم عن غيرهم من الجماعات العرقية الأخرى، وأن مناطق وأحياء الروس يجب أن تخلو من الآخرين، أو يقتصر وجودهم فيها على عدد قليل . وفي أثناء الحقبة السوفييتية، كان هناك تعصب نحو كل ما هو غير سلافي وتجاه اليهود أيضا على الرغم من طبيعة الحياة السوفييتية القائمة على التعدد العرقي . وعلى مدى الأعوام الثمانية الأخيرة، تصاعد التمييز العنصري بمعدلات مذهلة».
وجاءت حرب الشيشان، بما تخللها من عمليات تفجيرات في موسكو وغيرها من المدن الروسية، لتؤجج مشاعر بغض الأجانب لدى الروس، بحيث يمكن القول إن العنصرية في روسيا حاليا شاملة وحاضرة بقوة. واستنادا إلى مركز «سوفا»، فإن العام الماضي شهد جرائم عنصرية على أيدي النازيين الجدد، شملت قتل 56 شخصا واصابة وطعن 419 آخرين .
وذهب 12 شخصا ضحايا لهذه الجرائم الشهر الماضي، وتشير دراسة لمركز «سوفا» إلى أن كراهية الأجانب أصبحت تيارا ثقافيا سائدا بين الروس، وبينما لا تؤيد غالبية الروس الأفكار المتطرفة، فإن ما بين 2000-3000 من الشبان المتطرفين حليقي الرؤوس مستعدون لمهاجمة المهاجرين والوافدين الأجانب، وأن أجهزة الأمن والشرطة المكلفة القبض على هؤلاء وتطبيق القانون تشارك الروس معظم افكارهم حول التعصب ضد الأجانب وكراهيتهم حيث يتعمد رجال الشرطة والمحققون تجاهل ما يتعرض له غير الروس من هجمات . وفي هذا الشأن، يقول فيرخوفسكي «الشرطة الروسية ضعيفة وكذلك قدرتها على تطبيق القانون ولا يبدي هؤلاء الشبان العنصريون وحليقو الرؤوس أي خوف من رجال الشرطة لاعتقادهم بأن احتمالات القبض عليهم ضئيلة» .
وهناك «المنظمة المسلحة للقوميين الروس» التي قتلت طالبا طاجيكيا في الـ20 من عمره طعنا، وفصلت رأسه عن جسده، وتم العثور على جثمانه على مقربة من قرية زابكينو في الضواحي الخارجية لموسكو، وارتكبت جرائم مماثلة ضد الطاجيك والداغستانيين، وبعثت إلى الشرطة ووسائل الإعلام برسالة إلكترونية تقول فيها إن ما تقوم به من أعمال قتل هو احتجاج على فشل الحكومة في التعامل مع قضية الهجرة، ولتخليص روسيا من المهاجرين من القوقاز وآسيا الوسطى، والذين وصفتهم بالغزاة المحتلين، وتحذر من أنه ما لم تقم الحكومة بطرد «السود » وترحيلهم فإن مزيدا من رؤوس هؤلاء سوف تطير.
وفي ديسمبر الماضي، هاجم مجهولون جنوب مدينة فولغوغراد الطالب الأميركي الأسود ستانلي روبنسون (18 عاما) الذي كان في زيارة روسيا ضمن برنامج للتبادل التعليمي مع أميركا، وانهالوا عليه طعنا حتى أصبح في حالة حرجة للغاية، استدعت نقله فورا إلى فنلندا لإجراء عملية جراحية عاجلة.
وعلى الرغم من ارتكابهما عددا كبيرا من الجرائم، إلا أنه لا يمكن وصف راينو وسكاتشيفسكي بالمجرمين العاتيين اللذين احترفا القتل المتسلسل والمنهجي، لأن خلفية ونشأة كل منهما لا تفيد بذلك، وبدأت محاكمتهما في موسكو في يوليو الماضي، ومعهما مجموعة أخرى من زملائهما في منظمة «الاتحاد السلافي» اليمينية المتطرفة، بينهم الفتاة الشقراء الجميلة «سفيتلانا أفاكوموفا» (22 عاما) التي شاركت في تصوير الفيلم الخاص باعتداء مجموعتها على شاب صيني توفي لاحقا متأثرا بجروحه .
أحزان أممية
وتدافع عنها والدتها إيلينا قائلة إن «ابنتي بريئة وليست متورطة في أي من أعمال حليقي الرؤرس» ولكن سلطات الأمن والتحقيق عرضت عليها شريط الفيلم الذي يدين ابنتها. ويقول روس كثيرون، وبينهم إيلينا، إن ظهور حليقي الرؤوس وجماعات اليمين المتشدد، والتي تؤمن بالعنصرية والعنف ضد الأجانب في روسيا أمر غير طبيعي وغير منطقي، فهي الدولة التي ضحت بـ25 مليونا في الحرب ضـد ألمانيا النـازية وضـد أفـكار التفـوق العرقـي والتــمييز العنصري.
وزعيم منظمة «الاتحاد السلافي» هو ديمتري دايوموشكين (30 عاما) الذي يحاول إخفاء تطرفه اليميني تحت قناع الدبلوماسية فهو يعترف بعضوية راينو وسكاتشيفسكي في منظمته، لكنه ينكر معرفته بهما شخصيا. وتضم المنظمة طبقا لتقديرات الخبراء نحو 50 ألفا يقاتلون في مختلف أنحاء روسيا ضد الهجرة غير المشروعة، ومن أجل حقوق الروس في روسيا ، على حد قول دايوموشكين. ويقول خبراء في القانون وعلم الاجتماع إن منظمة الاتحاد السلافي تمثل خطرا حقيقيا كبيرا على الرجل القوي في روسيا رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي يعتبر الظهور المتزايد للجماعات اليمينية المتشددة وتنامي نشاطها المعادي للأجانب أمرا يبعث على القلق بالنسبة لاستقرار بلاده.
ويقول دايوموشكين إن «روسيا دولة بوليسية احتفظت بأسوأ العناصر والممارسات من الحقبة السوفييتية، وتركت الأفضل، ولعله من المفارقات أن تقاتل حركتنا حاليا من أجل الحرية، فالوضع سيئ في روسيا وكل شخص يشعر بالخوف».
وفي ديسمبر الماضي، صدر الحكم بالسجن 10 سنوات على كل من راينو وسكاتشيفسكي، بينما تراوحت أحكام بقية زملائهما في المجموعة بين السجن ست سنوات و20 عاما وتمت تبرئة الفتاة أفاكوموفا وشاب آخر.