سورية جاهـزة للسـلام في «عصــر أوباما»
عندما انتهت الحملة العسكرية الاسرائيلية على غزة في الثامن من يناير الماضي بدت كأنها انهت معها مفاوضات السلام غير المباشرة بين سورية واسرائيل، وقال الرئيس السوري بشار الاسد في قمةعربية تلت الحرب ان الاسرائيليين يتحدثون «لغة الدم » فقط، ودعا العرب الى مقاطعة اسرائيل.
ولكن بعد ايام من توقف الحرب بعث الاسد لي برسالة عبر البريد الالكتروني قال فيها «رغم ان اسرائيل تفعل ما بوسعها لتقويض مستقبل السلام» الا انه لايزال مهتماً بإكمال صفقة السلام حتى النهاية.
وقال مسؤولون اميركيون واجانب، وضباط مخابرات ودبلوماسيون وسياسيون في عدد من المقابلات، انه ثمة امكانية لاعادة مفاوضات السلام بشأن مرتفعات الجولان رغم حرب غزة ووصول الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو الى الحكم.
وتعتمد هذه المفاوضات على ارادة الولايات المتحدة للعب دور الوسيط، وهو الدور الذي يمكن ان يمنح الرئيس الاميركي باراك اوباما افضل فرصة للانخراط في عملية سلام الشرق الاوسط.
وقال مسؤول سوري كبير ان «فشل اسرائيل في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منح الأسد المجال السياسي لاستئناف المفاوضات، من دون ان يفقد مصداقيته في العالم العربي». وقال لي امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما شاهدته أخيراً «دمشق متحمسة للانفتاح على الغرب، لكن هذا الحماس لم تنتبه اليه ادارة الرئيس جورج بوش».
ومن الواضح انه يجري تغير كبير في السياسة الاميركية ازاء سورية.
مرتفعات الجولان الجولان هضبة تقع في بلاد الشام بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال. وتقع الهضبة بكاملها ضمن حدود سورية، لكن في حرب 1967 احتل الجيش الإسرائيلي ثلثي مساحتها، حيث تسيطر إسرائيل على هذا الجزء من الهضبة في ظل مطالبة سورية بإعادته إليها. ويسمّى الجولان أحيانًا باسم الهضبة السورية. تبعد هضبة الجولان 50 كم إلى الغرب من مدينة دمشق. وتقدر المساحة الإجمالية لها بـ1860 كيلومترا مربعا، وتمتد على مسافة 74 كيلومترا مربعامن الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كيلومترا مربعا. ومن الناحية الجغرافية فالهضبة تطل من الغرب على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل، أما شرقًا فيشكل وادي الرقاد القادم من الشمال بالقرب من طرنجة، باتجاه الجنوب حتى مصبه في نهر اليرموك؛ حداً عرف بأنه يفصل بين الجولان وبين سهول حوران وريف دمشق. من جهة الشمال يشكل مجرى وادي سعار ـ عند سفوح جبل الشيخ ـ الحدود الشمالية للجولان، حيث تمتد بين بانياس (منابع نهر الأردن) حتى أعالي وادي الرقاد جهة الشرق. الحدود الجنوبية يشكلها مجرى لنهر اليرموك الفاصل بين هضبة الجولان وهضبة عجلون في الأردن. |
وقال السفير الاميركي السابق في اسرائيل مارتن انديك «اعادة مرتفعات الجولان الى سورية جزء من استراتيجية كبيرة لاحلال السلام في الشرق الاوسط ومواجهة ايران».
ويعتقد إسرائيليون واميركيون شاركوا في عملية السلام ان صفقة اعادة الجولان الى سورية، يمكن ان تكون طريقة لعزل ايران وتخفيف دعمها لـ«حماس» و«حزب الله». وثمة من يعتقد ان الاسد لايريد عزل ايران بل يريد ان يضمها الى عملية السلام. واقترح هذه الاحتمالات الدبلوماسية السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، الذي التقى مع الرئيس السوري ثلاث مرات منذ تسلمه السلطة عام .2000
ويرى الأسد انه اذا اراد القادة الاميركيون السلام «فعليهم التعامل مع سورية ومع حقوقنا، وهي مرتفعات الجولان، وليست هناك مفاوضات على الارض ويدرك الاسرائيليون اننا لن نفاوض على حدود عام .1967 وانما التفاوض على العلاقات و المياه وكل شيء اخر» واضاف الاسد انه «اذا ارادت اسرائيل التسوية الى ما هو ابعد من مرتفعات الجولان «فعليها ان تتعامل مع (حماس) في فلسطين و(حزب الله في لبنان) واكد على ان تلعب الولايات المتحدة دورا مفصليا في عملية السلام».
وبالطبع اذا ارادت حكومة نتنياهو مقايضة الارض مقابل السلام يجب ان تحظى بالدعم السياسي الداخلي ومساعدة الوايات المتحدة. وستتضمن حكومة نتنياهو الائتلافية، اليميني المتطرف، ورئيس حزب «اسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان وزيراً للخارجية الذي رفض اعادة اية اراض الى سورية، اضافة الى وزير الدفاع ايهود باراك الذي يؤيد التفاوض مع سورية.
وقال عضو المفاوضات الاسرائيلي عام 1995 ومستشار رئيس الحكومة باراك دانييل ليفي، ان نتنياهو «يمكن ان يواجه مشكلات عويصة في ائتلافه. ويمكن ان يضطر إلى ان يعلن على الملأ تنصله من اي اتفاق سلام مقابل الارض»، لكن السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن ايتمار رابينوفيتش له وجهة نظر مختلفة حيث يرى ان الحرب على غزة لم تغير مصالح اسرائيل الاساسية في ايجاد تسوية في الجولان. وقال رابينوفيتش الذي كان كبير المفاوضين مع سورية في ظل حكومة اسحق رابين «غزة هي غزة وانا اقول ان بشار الاسد يريد فعلاً ان يواصل التفاوض حتى النهاية، ولهذا يمكن ان يجد شريكا للسلام في نتينياهو». واستطرد رابينوفيتش «لكن يجب ان تكون المفاوضات مباشرة الأمر الذي يحتاج الى مساعدة ادارة اوباما، وهو مثل نتنياهو سيرى ان التسوية في الجولان اسهل منها في الاراضي الفلسطينية».
و كان اوباما قد انتقد الاسد اثناء حملته الانتخابية، ولكن بعد دخوله البيت الابيض قال «انه مستعد للجلوس مع الاسد من دون شروط مسبقة» .
وثمة اختلاف واضح بين سياسات اوباما وبوش بشأن سورية.
ففي عام 2006 اوصت جماعة «دراسة العراق» بإجراء انتخابات مباشرة مع سورية. ولكن بوش قال «انه من غير المفيد التفاوض مع السوريين، لأنهم يعرفون بالضبط ما هو مطلوب منهم لتحسين علاقتهم مع واشنطن» وقال مسؤول خدم مع بوش إن الادارة اعتقدت نهاية العام الماضي، انه من غير الواقعي الانخراط مع سورية في مفاوضات حول الجولان. وكانت وجهة نظر بوش كالتالي «اذا دعمنا المفاوضات من دون شروط فما الذي سنقوله لأنصارنا في لبنان الذين يقفون في وجه (حزب الله)؟هم يواجهون (حزب الله) وأين نحن؟».
وفي مقابلة معه في برلين قال وزير الخارجية الالماني السابق يوشكا فيشر الذي يراقب قضايا الشرق الاوسط عن كثب انه على الايرانيين ان « يقوموا بتحرك في العلن بعد التسوية»، بالطبع سيكون لهم ردة فعل على اتفاق سوري اسرائيلي لأنهم لايريدون ان يكونوا في حالة عزلة، كما انهم لايريدون خسارة حليفهم الاخير، ولكن ضابط المخابرات البريطاني السابق اليستار كروك الذي عمل في الشرق الاوسط ومستشاراً في الاتحاد الاوروبي ايضا، وعضواً في لجنة تقصي الحقائق في الشرق الاوسط التي ترأسها جورج ميتشل، يقول انه على الإدارة الاميركية الجديدة الا تصدق أن الرئيس السوري يمكن ان يبتعد بسهولة عن ايران وأن يتوقف عن دعم «حزب الله» و«حماس» واضاف «اصبح الأسد يتمتع بأهمية كبيرة جداً في العام العربي الآن، فقد كان اول من عارض الغزو الاميركي على العراق، اضافة الى دعمه المتواصل لـ(حماس) و(حزب الله)».
❊ سيمور هيرش صحافي أميركي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news