«إسلامبيرغ» مدينة إسلامية في قلــــــــب أميركا

مسلمات يشاركن في مسيرات عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر . أرشيفية ـ أ.ف.ب

تغيرت ملامح الولايات المتحدة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، وتعرضت الأقليات الى ضغوط كبيرة وأصبح الأميركيون اكثر ارتباكا من أي وقت مضى. وكرد فعل اصبح عدد كبير من المسلمين يفضلون الانعزال وعدم الاختلاط ببقية الأعراق. ومن بين الظواهر التي أفرزتها هذه الحالة انتشار أحياء ومدن يقطنها مسلمون «فقط»، في ارجاء أميركا. وفي مكان غير بعيد عن مدينة نيويورك، العاصمة الاقتصادية للبلاد، يوجد تجمع سكاني كل قاطنيه من المسلمين يدعى «إسلامبيرغ».ويقدر المسؤولون عدد سكانه بنحو 100 شخص، الا أن العدد قد يفوق ذلك بكثير، حسب بعض المراقبين.

وبدأت فكرة انشاء مجمع إسلامي داخل الولايات المتحدة في 1980 عندما اشترى اميركي مسلم من أصل باكستاني، يدعى سيد مبارك شاه غيلاني، قطعة ارض على بعد 150 كيلومترا من نيويورك، ثم اقترح على عدد من المسلمين اغلبهم من معتنقي الاسلام الجدد من الأميركيين، بناء مساكن والاستقرار فيها بعيدا عن المدينة. ويوجد في «المدينة الإسلامية» الصغيرة مسجد ومدرسة ومتجر وبعض المرافق الحيوية. ويتلقى السكان تدريبات على إطفاء الحرائق، من حين لآخر.

وقام غيلاني بإنشاء تجمعات مماثلة عبر الولايات المتحدة، حسب مصادر غير رسمية، لا يقل عددها عن ستة، بما في ذلك قرية «رد هاوس» في ولاية فيرجينيا الجنوبية. ويعتقد ان عشرات التجمعات من هذا النوع تنتشر في أميركا تحت مظلة تنظيم «مسلمو اميركا» التي أنشأها غيلاني. وتتهم السلطات الأميركية هذا الأخير بالضلوع في عمليات داخل البلاد وخارجها. وفي 1993 قال مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي أي» ان «جماعة الفكرة»، الجهة المنظرة للتنظيم، التي يقال ان غيلاني شارك في تأسيسها، على علاقة بالتخطيط لتفجير مبنى التجارة العالمي بنيويورك.

ودعا غيلاني أتباعه ومناصريه إلى مغادرة ما أسماه - بالمجتمعات التي لا تراعي المعايير الأخلاقية في تعاملاتها، والانضمام الى «المدن الإسلامية». ونفى مؤسس تنظيم «مسلمو أميركا» ان تكون له علاقة بـ«جماعة الفكرة» كما يعتقد سكان «إسلامبيرغ» ان الجماعة ما هي إلا تنظيم وهمي ابتكرته الاستخبارات الأميركية لضرب المسلمين وتدمير التجمعات الإسلامية. ولا يقوم التنظيم بجمع تبرعات للشيخ غيلاني، حسب السكان، الا ان أحدهم قال لقناة «فوكس نيوز» إن ما بين 10 و30٪ من دخولهم يذهب الى الشيخ.

 

مدارس ومعسكرات

إضافة الى ظاهرة المجمعات السكنية التي تضم المسلمين فقط، ينتشر في الولايات المتحدة ما يسمى هناك «مدارس العطلة الأسبوعية» وعددها نحو 400 مدرسة، تدرس أبناء المسلمين في أثناء العطلة الأسبوعية .

ويوجد اكثر من 200 مركز صيفي، يدرب الأطفال على السلوك الإسلامي وممارسة شعائر دينهم بأسلوب عملي.



مكان آمن
لم تفلح القناة في إجراء حوارات مصورة مع سكان مدينة «اسلامبيرغ» وفشلت المحاولات بسبب امتناع السكان عن اجراء مقابلات لأنها، في نظرهم، سوف تستخدم ضدهم. وفي المقابل عبرت سيدة، تسكن في المدينة، عن سعادتها بوجودها هناك «بعيدا عن المدينة والمخدرات..»، وتقول انها تربي أطفالها في جو آمن. أما ساكن آخر، رفض الإفصاح عن اسمه، فقال ان السكان يألفون جيرانهم بسرعة ولايثقون بوسائل الاعلام الأميركية. ومن مميزات التجمع انه معروف المعالم، حسب الساكن نفسه، و«لا أحد يمكن أن يدخل أو يغادر» دون ان يلاحظ. ويضيف، «القرية تضم مواطنين من ثقافات وأعراق مختلفة». وأوضح الرجل انه عمل في سلاح الجو لمدة 20 عاماً، وانه ترعرع في حي بروكلين الشهير بنيويورك واعتنق الاسلام عندما كان في الخدمة. وقال ان دخوله للإسلام ساهم في «تقريب وجهات النظر» بين الولايات المتحدة والسعودية، عندما خدم في المملكة، وحسب روايته فإن عسكريين سابقين يقطنون «اسلامبيرغ» بما في ذلك جنود شاركوا في حرب فيتنام.

وتقول الشرطة ان إشاعات كثيرة تحوم حول المكان، لسنوات، الا ان «اسلامبيرغ» شهدت مشكلات قليلة جدا. ويؤكد الـ«اف بي اي» ان القنوات مفتوحة بينه وبين مجمع المسلمين، وان عملاءه زاروا المكان دون الإشارة الى القيام بأي تحقيقات. وتبدي جهات أميركية مخاوفها حيال المجمع، في الوقت الذي يحاول القائمون عليه توطيد العلاقات مع المجتمع الاميركي، سعيا لتقديم «وجه سمح» حسب مدير «جهاد ووتش» روبرت سبنسر. ويوضح سبنسر، «اعتقد اننا يجب ان نأخذ الحيطة حيال كل فرد يعيش في مثل هذه المجمعات». على رغم انه لا يرى خطأ في العيش بشكل منعزل، فهذا الأمر يعود الى اختيار كل شخص. الا ان سبنسر يعيب على هذه التجمعات كونها مغلقة ولا ترحب بالزوار أو بأي نوع من المراقبة، ما يزيد الشكوك في وجود خطط مشبوهة، حسب سبنسر.

استهداف تلقائي
يبدو ان ظاهرة الانعزال التي يتبناها عدد متزايد من المسلمين الأميركيين كانت نتيجة المعاملة السيئة التي كانوا ضحيتها في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر، وارتفاع عدد الحوادث ضد المسلمين والعرب، وشهدت البلاد أيضا ممارسات حكومية استهدفت الأميركيين العاديين بشكل تلقائي بناء على الدين، أو الانتماء العرقي.

وفي الأيام الأولى التي أعقبت الهجمات، بادرت إدارة الرئيس جورج بوش إلى مد جسور التواصل مع الجالية الإسلامية في محاولة ترمي إلى الحيلولة دون تعرض تلك الجالية لرد فعل عنيف. ولكن تقارير حقوقية اكدت انه منذ فترة التأييد المبكرة تلك، فإن عددا من السياسات الحكومية قد مارست تمييزاً حقيقياً ضد الأفراد والمنظمات الإسلامية. وأشارت تقارير اخرى الى قيام الشرطة بتصنيف أمني للأشخاص على أساس خلفياتهم العرقية أو الدينية حيث أُخضِع مسلمون للاستجواب في أثناء قيامهم بأعمال بسيطة مثل المشي على الطرقات العامة أو التسوق في المراكز التجارية.

ويبدو ان الحذر الذي تلتزمه الجالية المسلمة في اميركا ليس وليد المصادفة، فقد اكد مسلمون وجود اختراق في صفوف الجالية الا ان السلطات الاميركية طالما نفت هذه المزاعم. وفي ذات السياق، كشفت مصادر صحافية، في فبراير الماضي، عن عميل مكتب التحقيقات الذي تم زرعه في أوساط الجالية الاسلامية جنوب كاليفورنيا، وقد أوكل المكتب للعميل غريج مونتيل مهمة التجسس على المساجد جنوب الولاية. وتقول منظمات اسلامية ان العميل حاول «تجنيد مسلمين». ولوح مسلمو الولاية بمقاطعة الـ«اف بي اي» إذا لم تغير من طريقة عملها.يقول المدير التنفيذي للمجلس الاسلامي للشؤون العامة بمدينة لوس انجلوس، سلام المرياتي، انه بالرغم من أهمية الحوار الا اننا «نعتقد انه من المهم جدا بالنسبة لجاليتنا وكذلك لمصلحة الولايات المتحدة ان نترك طاولة الحوار(الآن)». وأوضح المسؤول ان «الضرر قد حدث بالفعل (من خلال زرع الـ«اف بي اي» للعميل) وسلوك مكتب التحقيقات محبط للغاية».

 

جاسوس المساجد

يقول غريج مونتيل إنه قام باختراق الجالية الإسلامية في جنوب كاليفورنيا من خلال ارتياد المساجد هناك. ولم يكن احد يتوقع ان مكتب التحقيقات الفيدرالي سيلجأ الى هذه الوسائل التي باتت في طي الزمن. وعرفت طرق التجسس هذه في اميركا بـ«مكارتني تاكتيكس». ومكارتني هو المسؤول الاميركي الذيفرض مراقبة شديدة على كل الأقليات الدينية او الفكرية، في الخمسينيات، وركز على الشيوعيين.

وفي الوقت الذي اعترف فيه مونتيل بالتجسس لمصلحة المكتب نفى ان يكون قد حرض على «الإرهاب» من خلال محاولة اقناع مرتادي المساجد بالقيام بعمليات تخريبية. وكان الحادث بمثابة صدمة للجالية المسلمة في الولايات المتحدة التي اعتقدت أن السلطات الأميركية بدأت تعود إلى رشدها، وأصبحت تعامل المسلمين مثل بقية الأميركيين.



حضور قانوني
يقول راين مورو ان «جماعة الفكرة» لم تدرج بعد ضمن قائمة التنظيمات الارهابية، لذا فأجهزة الأمن «لا تستطيع اغلاق هذه المجمعات، وفي المقابل يمكنها ملاحقة الاشخاص، المتورطين في أعمال تخالف القانون، كل على حدة، وليس تحميل التنظيم أو الهيئة التي ينتمي اليها المتهم». ويضيف مورو ان «الدستور الاميركي يحمي الاشخاص الذين يعيشون في هذه المجمعات، والمجمعات الخاصة، كما ان حضور الشرطة بشكل متواصل في المجمعات غير مسموح (قانونياً)». ومهما يكن فإن التوجه الجديد للإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس باراك اوباما يلمح إلى تغيرات جذرية في السياسة الاميركية تجاه المسلمين في الخارج والداخل. ويتفاءل المسلمون الاميركيون كثيرا بتحسن نظرة الأميركيين لهم، كما يتطلعون الى مسواة حقيقية بينهم وبين بقية ابناء وطنهم، في دولة تعتبر فيها حقوق الانسان والمساواة بين الافراد من مبادئ الأمة الاميركية التي تقود «العالم الحر».

المصادر 
فوكس نيوز
كريستيان ساينس مونيتور
رايت سايد نيوز

تويتر