انفتاح واشنطن على أميركا اللاتيـنية يتطلب الحذر
تحمل الزيارات الأولى التي يقوم بها الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، دلائل خاصة في القاموسين السياسي والدبلوماسي، حيث تكون للرحلات التي يقوم بها الرئيس، خلال الـ100 يوم الأولى من ولايته، أهداف معينة ورسائل مميزة.
وبعد أوروبا والعالم الاسلامي اللذين خصهما أوباما باهتمام كبير، يأتي دور اميركا اللاتينية التي لا تقل اهمية عن بقية شركاء واشنطن السياسيين وحلفائها التقليديين، كونها تمثل امتداداً جغرافيًا وهاجسًا أمنيًا دائماً للولايات المتحدة.
وسيحاول الرئيس الأميركي خلال جولته الى المكسيك تخفيف حدة التوتر بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الجارين.
وخلافًا لسلفه جورج بوش، فإن أوباما أبدى رغبة جامحة في تحسين صورة أميركا في الخارج وتوطيد العلاقات بين بلاده وبقية بلدان العالم. وفي المقابل يبدو معظم قادة الدول اللاتينية مستعدين للتعاون مع الرئيس الشاب الذي يلقى احترامًا كبيراً في الأوساط الشعبية في تلك الدول، مثلها مثل كثير من المناطق حول العالم. وقد يكون من الأفضل للرئيس، إذا أراد أن يستغل قمة الأميركيتين، التي ستعقد قريبًا في ترنيداد، ان يحضّر للحدث تحضيرًا جيداً ، وأن يكون مستعداً لأن يسمع للآخرين أكثر من ان يتحدث أو ينظر للأفكار الأميركية غير المرغوبة. وفي ما يلي وصايا مهمة لأوباما عليه ان يتمعن فيها قبل شد الرحال الى جيرانه اللاتينيين:
تعزيز مكانة ونفوذ اميركا في المنطقة، يمكن ان يكون أهم هدف يجب التركيز عليه، حيث يتعين على الرئيس ان يفي بوعده بتعيين مبعوث خاص لأميركا اللاتينية، شريطة ان يكون المبعوث محل ثقة الجميع وصاحب سمعة طيبة. ومن غير المرغوب ان يخضع رئيس أقوى دولة في العالم الى ضغوط محلية من أجل تحويل مساره وتعديل استراتيجيته الخارجية. ولعل نائب وزير الخارجية توماس شانون من أكفأ الدبلوماسيين الذين بإمكانهم القيام بدور ايجابي في اميركا اللاتينية.
اما بالنسبة لكوبا التي زارها أخيراً وفد من الكونغرس الأميركي، فيتعين على أوباما ان يبدي مرونة اكبر تجاه هافانا، ويعلن نهاية العداوة بين البلدين، التي استمرت خمسة عقود. ولا يجب انتظار ان تغير كوبا من سياستها حتى ترفع الولايات المتحدة القيود عن تحرك المواطنين بين البلدين.
واعتقد انه من المهم ان تركز الادارة الاميركية الجديدة على توسيع الشراكة والتعاون مع هافانا في المجالات ذات المصلحة المشتركة مثل المخدرات والهجرة غير الشرعية، والتلوث البيئي. هذا من دون ان ننسى مسألة حقوق الانسان على الجزيرة.
كما على الولايات المتحدة ان تعزز التنوع في الأميركيتين وجزر الكاريبي، وان تلتزم ضمن المجموعة الأميركية الكبرى بضرورة احترام مبادئ الديمقراطية، ومواجهة التحديات المشتركة. ويأتي على رأس التحديات؛ تباطؤ النمو الاقتصادي ومعضلة البطالة، والعمل على تطوير آليات الطاقة المتجددة، إضافة الى الحفاظ على الأمن ومكافحة المخدرات. كما يتعين على اقوى دولة في العالم ان تقف الى الدول جانب اللاتينية النامية وتدعم قطاع التعليم لمساعدة اللاتينيين في تنمية وتطوير بلدانهم.
وتحتاج البرازيل الى اهتمام خاص من طرف الرئيس الأميركي، فهي خامس دولة عالمياً من حيث المساحة والسكان. ومن دون المبالغة في الخطابات والتصريحات، يجب ان يفهم البرازيليون ان الادارة الأميركية الجديدة تبدي تعاونًا استراتيجياً اكبر معهم، خصوصاً في مجالات تأمين الطاقة والاستقرار الاقليمي، وحماية الصحة والبيئة، اضافة الى تحرير التجارة العالمية وتوسيع نطاقها.
من الحكمة، كذلك، ان يتفادى أوباما أي تصادم مع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز أو أي من حلفائه في وسط وجنوب القارة الأميركية، والتعاطي مع كل دولة بطريق مباشر، وتشجيع العمل الجماعي عندما يكون ذلك مناسباً أو ضرورياً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمسائل ذات الاهتمام المشترك.
وعوض ان يقدم الرئيس وعوداً لأميركا اللاتينية بأن الولايات المتحدة ستولي لها اهتماماً اكبر، يتعين عليه أن يظهر ان ادارته ستحسن من نوعية هذا الاهتمام، من خلال تغيير طريقة التفكير، وفهم الآفاق المتميزة التي تزخر بها القارة، وكذلك التركيز على فرص التعاون. وفوق ذلك كله فإن الاحترام المتبادل سيبني ثقة متينة، ستكون أساساً للتعاون المنشود في المستقبل.
إبراهام لوينثال - أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا.